Site icon PublicPresse

أعمال العنف في فرنسا تعرض السياسات الحكومية حول الأحياء الشعبية للإنتقادات (فيديو)

كشفت أعمال العنف التي تشهدها منذ أيام مدن فرنسية عدة على خلفية مقتل شاب برصاص الشرطة، عن قصور حسب خبراء، في سياسة تحديث الأحياء الشعبية رغم الإيجابيات التي حققتها السياسات الحكومية المتعاقبة في هذا المجال، في حين بدأ أثرها يظهر على القطاع السياحي. وشهدت الفنادق “موجة من إلغاء الحجوزات في جميع المناطق المتضررة جراء التخريب والصدامات”.

سلطت أعمال الشغب المستمرة في عدد من المدن الفرنسية، على خلفية مقتل الفتى نائل، الضوء على السياسات الحكومية في مجال تحديث الأحياء الشعبية، في ظل حديث خبراء عن أن السياسة المتبعة في هذا المجال غير كافية رغم أنها مفيدة.

ومنذ إعتماد برنامج “سياسة المدينة” سنة 1990 الذي أتى يومها استجابة لأعمال عنف في فول-أن- فلان قرب ليون في وسط البلاد الشرقي، تراهن فرنسا بقوة على تحديث الأحياء الشعبية من أجل احتواء المشاكل والتوترات المحتملة.

لكن السياسات المتبعة في هذا المجال، تفتقر أحيانا إلى الطموح. والمثال على ذلك رفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في العام 2018 لتقرير يدافع عن سياسة للمناطق الحضرية تتمحور على التربية والعمل ومكافحة التمييز بما يتجاوز تحديث المدن المحض.

ويقول يوان ميو الأستاذ المحاضر في جامعة غوستاف إيفل قرب باريس “ثمة ميل إلى اعتبار أنه لا ينبغي استثمار مزيد من المال بما أن سياسة المدينة تطبق في هذه الأحياء”.

ودافع الوزير الفرنسي لشؤون المدينة أوليفيه كلين عن ذلك مؤكدا أن “سياسة المدينة تؤتي ثمارها ولا يمكن القول إنها غير فعالة”.

وكان كلين رئيسا لبلدية كليشي-سو-بوا قرب باريس حيث أثار مقتل مراهقين اثنين صعقا في محول كهربائي احتميا فيه هربا من مطاردة الشرطة سنة 2005، آخر موجة كبيرة من أعمال العنف في المدن. وترأس قبل دخوله الحكومة، الوكالة الوطنية للتحديث الحضري وهي الهيئة الرئيسية لتطبيق “سياسة المدينة”.

وفي أول برنامج لها بين العامين 2004 و2020 أنفقت الوكالة 12 مليار يورو استخدمت خصوصا في هدم صفوف الأبنية الشاهقة في الأحياء التي تحظى بالأولوية، لتشييد أبنية أصغر.

وخصص 12 مليار يورو إضافي لبرنامج ثان ينفذ حتى العام 2030.

واعتمدت سياسة المدينة العام 1990 مع استحداث وزارة المدينة، وقد أتت يومها استجابة لأعمال عنف في فول-أن- فلان قرب ليون في وسط البلاد الشرقي.

تمييز في الضواحي
يقول سامي زيغناني عالم الاجتماع في جامعة رين-1 في غرب فرنسا إن “أعمال الشغب في فرنسا بدأت في الثمانينات وأحدثت إدراكا فضلا عن إدراج بند مشكلة الضواحي”.

وتظهر أعمال الشغب التي أثارها مقتل الفتى نائل البالغ 17 عاما برصاص شرطي، أن هذه المشكلة متواصلة.

ويؤكد الشيوعي جيل لوبروست رئيس جمعية المسؤولين المنتخبين في المدن والضواحي “هذا ليس ناجما عن فشل سياسة المدينة بل هذا فشل للسياسات الحكومية حول مسألة الإسكان وكذلك فشل السياسة الوطنية لمعالجة انعدام المساواة”.

ويرى كثيرون أن ثمة “غضبا اقتصاديا” مرتبطا خصوصا بالتضخم.

ويشدد الشيوعي فيليب ريو رئيس بلدية غرينيي أفقر مدن فرنسا القارية على أنه “منذ العام 2005 ارتفع معدل الفقر بشكل كبير في غرينيي الواقعة قرب باريس وسرعت أزمة كوفيد والتضخم انعدام المساواة والظلم”.

ويضيف “سياسة المدينة هي السياسة الشاملة الوحيدة. فهي تشمل التربية والعمل والتدريب والثقافة فضلا عن الرياضة والعدل والصحة. لو لم تكن متوفرة لكان اقتضى استحداثها. إلا أنها فقدت زخمها راهنا. فيمكن إعداد الكثير من وثائق “إكسل” لكن ذلك لا يشكل سياسة عامة”.

وتقول ستيفاني فيرميرش مديرة الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي “التحديث غيّر وجه عدد لا بأس به من الأحياء لكن على صعيد المدرسة والتمييز والحصول على عمل والعلاقة مع الشرطة فلم يتغير الكثير”.

ويوضح يوان ميو أن “هناك أيضا وطأة التمييز النُظمي الذي يواجهه جزء من سكان الأحياء الشعبية. من تدقيق بحسب السحنة وصعوبة الإجراءات للوصول إلى خدمات قانونية والتمييز في الحصول على مسكن شعبي ما يخلف شعورا بالظلم”.

وتفيد ستيفاني فيرميرش “عمليا يذهب الشخص إلى المدرسة في الحي ومن ثم يدرك من خلال الأمثلة من حوله أن المدرسة لا تفتح الأبواب أمامه بعد ذلك”.

إلغاء حجوزات
ومع توسع الإحتجاجات إلى مناطق مختلفة، بدأ هذا الوضع يلقي بظلاله على السياحة في هذا البلد الذي يجذب عشرات الملايين من السياح كل عام. وظهرت المؤشرات الأولى بإلغاء حجوزات.

وقال تييري ماركس رئيس الجمعية الرئيسية لأصحاب الفنادق والمطاعم إنه منذ وفاة نائل مرزوق عن 17 عاما خلال تدقيق مروري في نانتير بضواحي باريس الثلاثاء “شهدت الفنادق الأعضاء في الجمعية موجة من إلغاء الحجوزات في جميع المناطق المتضررة جراء التخريب والصدامات”.

وقال ماركس الجمعة إنه يتلقى رسائل يومية من أصحاب هذه المؤسسات التي تعرضت “لهجمات ونهب وتخريب، بما في ذلك بعض المطاعم والمقاهي”. وأضاف “مؤسساتنا هي في جوهرها أماكن ضيافة وأحيانا ملاجئ وأماكن للمساعدة في حالات الأزمات. لا ينبغي تحميلها عواقب الغضب الذي لا يد لها فيه، ونحن ندين هذه الأعمال”.

وتوجه ماركس إلى السلطات طالبا منها أن تفعل “كل شيء” لضمان سلامة العاملين في قطاع الفنادق والمطاعم في أكثر الوجهات السياحية شهرة في العالم.

من جانبه، دعا اتحاد متاجر التجزئة الفرنسي الشرطة إلى تعزيز التدابير الأمنية حول المتاجر. وقال المدير الإداري للاتحاد جاك كريسيل إن أعمال الشغب “أدت إلى أعمال نهب على نطاق واسع … تم تخريب أو نهب أو إحراق أكثر من مائة من متاجر المواد الغذائية أو غير الغذائية المتوسطة والكبيرة”.

وأضاف كريسيل أن هذه الحوادث “خطيرة للغاية وكلفتها باهظة للغاية”. وأوضح أنه طلب من وزراء الاقتصاد والداخلية والتجارة التحرك واتخاذ إجراءات.

وقالت غرفة التجارة بباريس إيل دو فرانس إنها تعمل على نشر فرقها “لتقديم الدعم الضروري والمساعدة الفنية، لا سيما فيما يتعلق بضمان استمرار العمليات وتعويضات التأمين وما إلى ذلك”، للتجار ومدراء الشركات المتضررة.

هل ستستمر أعمال العنف؟
أعربت جمعية الفنادق والمطاعم المستقلة في فرنسا GHR عن أسفها لأن قنوات التلفزيون “الأجنبية تعرض مشاهد تصور باريس وقد لفتها الحرائق وغرقت في الدماء، وهذا يجانب الواقع”.
وقال فرانك ترويه المدير الإداري في الجمعية لوكالة الأنباء الفرنسية: “هل ستستمر أعمال العنف والشغب وتتسبب في موجة حقيقية من الإلغاءات؟ هنا مكمن الخطر”.

وأضاف أن “السياح الآسيويين على وجه الخصوص، الحريصين بشدة على سلامتهم وأمنهم، قد لا يترددون في تأجيل رحلتهم أو إلغائها”.

وقال ديدييه أرينو مدير شركة بروتوريسم Protourisme إن “السياح الذين يعرفوننا جيدا، مثل البلجيكيين والبريطانيين الذين لديهم أيضا مشكلات في ضواحي المدن، يمكنهم تفهم ما يجري”، لكن في النهاية “يبدو الأمر كما لو كنا نقوم بحملة دعاية سلبية كلفتها عشرات الملايين من اليوروهات لفرنسا كوجهة”.

بدوره، أبدى اتحاد تجار التبغ استياءه من “نهب وسرقة المحلات التجارية، بما في ذلك 91 من متاجر بيع التبغ خلال هذه الأيام الأخيرة من المواجهات”.

وقال جان فرانسوا رئيس مكتب السياحة في باريس “إذا استمر الأمر على هذا النحو فإنه سيضع عقبات كبيرة أمام تنظيم الألعاب الأولمبية، خاصة وأن جزءا كبيرا من الأحداث الرياضية سيقام في سين سان دوني”، وهي منطقة فقيرة في شمال باريس نالت قسطا كبيرا من أعمال الشغب والنهب.

Exit mobile version