Site icon PublicPresse

نزاع القضاء والمصارف: نصيحة من بعبدا.. وعون ماضية في الضغط على الحاكم

بقي ملف النزاع القضائي – المصرفي في صدارة المشهد الداخلي وسط غموض يعتري نتائج المعالجات السياسية والقضائية والمالية لهذه المعركة المتفجّرة. وقد شهدت مصارف لبنان أمس، إضراباً تحذيرياً رفضاً للإجراءات القضائية ضدها، وذكّرت جمعية المصارف في بيان باستمرار المصارف بالإضراب التحذيري اليوم.

عون ماضية وغير عابئة
مصادر مواكبة للأزمة تؤكد أن المشاورات لم تفضِ إلى حلول حتى الساعة والإتجاه نحو التصعيد في الأيام المقبلة إنطلاقاً من الإدعاء الجديد الذي سطرته النائبة العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بجرم الإثراء غير المشروع، ومضيها بالملاحقات القضائية لدفعة جديدة من المصارف، كما تشير أجواء القاضية عون لـ”البناء”، مقابل تمنّع رياض سلامة عن المثول أمام القضاء، وتوجّه قطاع المصارف نحو التصعيد وإعلان جمعية المصارف الإستمرار بالإضراب التحذيريّ اليوم بانتظار كيفية تصرّف مجلس الوزراء في جلسته الأربعاء المقبل، للبناء على الشيء مقتضاه، كما تقول أوساط مصرفية لـ”البناء”.

وتشير أوساط القاضية عون إلى أنها ماضية بملفات الفساد المالي غير عابئة بكل الضجيج السياسي والخلاف الحكومي والضغوط والتهديدات والابتزاز التي يمارسها حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف. مصادر مطلعة تكشف لـ”البناء” بأن القاضية عون والفريق السياسي الداعم لها لن يفوّت فرصة تشديد قبضته على الملف وحشر رياض سلامة والضغط عليه بشقيقه عله يُحرَج فيخرج ويقدّم استقالته من منصبه ويتم تعيين مكانه، أو يمثل أمام التحقيق ويدلي بما لديه من معلومات ما يساهم في كشف الكثير من الحقائق التي تتعلق بعمليات تبييض أموال وإثراء غير مشروع وتبديد ودائع اللبنانيين والمال العام.

وعما يمكن أن يقوم به وزير العدل لاحتواء النزاع بتكليف من مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة، أوضح خبراء في القانون لـ”البناء” الى أن “دور وزير العدل محدود في هذا المجال.. إذا لم يتبين أن ثمة مخالفات قضائية فلا يستطيع إحالة القاضي على التفتيش القضائي، إنما الخيار الأفضل أن يعد وزير العدل مسودة مشروع قانون كابيتال كونترول مع وزير المال ويعرضه على مجلس الوزراء”. وعن قدرة النائب العام المالي ومدعي عام التمييز التدخل في الملف، قال الخبراء: “غالبية المنازعات مع المصارف هي أمام القضاء المدني”.

الملف في منزل القاضي
صحيفة “الأخبار” لفتت إلى أن القاضية عون لم تُسطِّر بلاغ بحث وتحرّ بحق حاكم مصرف لبنان الذي لم يحضر الجلسة، وإنما إكتفت بالإدعاء عليه بجرم الإثراء غير المشروع وعلى صديقته آنا كوزاكوفا، وعلى شقيقه رجا بالتدخّل في جرم الإثراء غير المشروع، وأحالت رجا سلامة موقوفاً أمام قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان القاضي نقولا منصور. عون أبقت ملف سلامة لديها حتى آخر الدوام، قبل أن تحيله إلى منصور الذي أخذ الملف معه إلى منزله لدراسته تمهيداً لتحديد موعد جلسة لاستجواب الموقوف واتخاذ قراره بشأن إبقائه موقوفاً أو تركه، على أن يكون ذلك اليوم، ولا سيما أنّ القانون يلزمه تحديد موعد جلسة لاستجوابه خلال 24 ساعة من تسلّمه الملف.

بالتزامن مع الإدعاء على سلامة، تقدمت مجموعة “رواد العدالة” و”متّحدون” بشكوى ضدّ جميع أعضاء المجلس المركزي ومفوّضي الحكومة في مصرف لبنان بتهمة الموافقة على قرارات المجلس المركزي. وجرى الإدعاء جزائياً على كل أعضاء المجلس المركزي ومفوَّضي الحكومة لديه الحاليين والسابقين منذ تولي حاكم مصرف لبنان مهامه، وذلك بجرائم الإهمال الوظيفي والخطأ الجسيم في إدارة مرفق عام وسوء استخدام السلطة وهدر المال العام وتبديده والنيل من مكانة الدولة المالية ومخالفة القوانين والأنظمة المالية والمصرفية والمنصوص عليها جميعاً في قانونَي العقوبات والنقد والتسليف. ورأت المجموعة أنهم “طالما يشاركون الحاكم في قراراته، فإنهم يتحمّلون المسؤولية. وبالتالي، إما أنهم مرتكبون ومشاركون أو مسهّلون وصامتون ليكون فعلهم هذا إما جريمة قصدية أو جريمة غير قصدية من دون أن إعفائهم”.

لولا تدخل المعنيين..
مصادر وزارية معنية قالت، عبر صحيفة “نداء الوطن”، أن الأزمة صارت أزمة قضائية مصرفية وقد بلغت مداها يقابلها عجز حكومي ورسمي عن المعالجة لغياب التوافق، كاشفة أن القاضية عون كانت بصدد إتخاذ خطوات تصعيدية وإصدار قرار جديد بحق أحد المصارف الكبرى، لولا تدخل المعنيين والتمني عليها عدم تأجيج الأزمة أكثر. بالموازاة أبلغ رئيس جمعية المصارف مرجعية حكومية استياء اصحاب المصارف من تحولهم الى كبش فداء حيث يتم تصويرهم سبباً للأزمة، بينما اودعوا مصرف لبنان المبالغ التي كانت تطلب منهم، محذراً من ان المصارف لن تقف مكتوفة الايدي وقد تجد نفسها مجبرة على اتخاذ خطوات تصعيدية اكبر. وإذا نفذت المصارف خطواتها التصعيدية ومن خلال الاضراب التحذيري الذي نفذته امس واليوم وتكون قد سجلت سابقة بعدما امتنعت عن صرف الاموال لاصحابها، يعطي هذا القطاع الحق لنفسه بان يتصرف بأموال المودعين فيقتطع منها ويصرفها على سعر ادنى من سعر المنصة الذي يحدده مصرف لبنان ويتحدى القضاء ويتمرد على قراراته. لا توصيف اقل من جريمة تلك التي ترتكبها المصارف في تعاطيها مع المودعين.

لا إضراب شامل
وأفادت مصادر مصرفية لـ”البناء” الى أن “المصارف لن تتجه إلى الإضراب الشامل كما يُشاع، لأن ذلك يرتب تداعيات على المصارف نفسها وعلى علاقاتها مع المصارف المراسلة في الخارج والشركات العالمية، فضلاً عن الأذى الذي سيلحق بالمودعين من جهة وبالموظفين من جهة ثانية، ما يثير غضب وردّات فعل شعبية ضد المصارف لن تحمد عقباها”، لافتة الى أن “المصارف تريد تنظيم العلاقة مع المودعين ومع القضاء الذي له الحق بالحصول على كافة المعلومات والاستيضاحات واستجواب مَن يشاء ومتى يشاء، لكن ليس بالتعسف باستعمال الحق القانوني وتحميل المصارف مسؤولية كل الخسائر والديون والسياسات الحكومية المتعاقبة وتحويل المصارف الى كبش محرقة وتشويه سمعتها وضرب ما تبقى من ثقة داخلية وخارجية بها”. وطمأنت المصادر الى أن “المصارف ستبقى تقوم بالخدمات المصرفية طالما وضع مجلس الوزراء ووزارة العدل يدهما على ملف الملاحقات القضائية ضد المصارف”، كما طمأنت الى أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء سيبقى مضبوطاً طالما مستمر مصرف لبنان بالتعميم 161”.

نصيحة من بعبدا
وفيما تتجه المصارف للعودة إلى العمل يوم غد، جاءت النصيحة من بعبدا لجمعية المصارف، بحسب صحيفة “الديار”، بضرورة توجيه “السهام” نحو رئيس مجلس النواب نبيه بري لإجباره على تمرير قانون “الكابيتال كونترول”، لكن عدم جهوزية خطة التعافي يثير شكوك كبيرة بقدرة المصرف المركزي بالتدخل في “السوق” لمدة طويلة ما يشير الى تفاقم مخيف للاوضاع الاقتصادية مع توقع ارتفاع جنوني لسعر الدولار، وكذلك اسعار المواد الحيوية، ربطا بالتطورات الاقليمية والدولية المتسارعة في اوكرانيا والسعودية، وتهويل اسرائيل مجددا بالحرب. وكشفت مصادر لـ” الديار” عن “مراسلات” استفسارية قامت بها البنوك المراسلة مع البنوك الستة التي تعرضت للاجراءات القضائية، بهدف معرفة المسار الذي تتجه اليه الامور،خصوصا قرارات منع السفر بحق رؤوساء مجالس إدارات عدد من المصارف، وهذه المراسلات تعد اشارة غير مطمئنة وتهز من “صورة” القطاع لدى المصارف الخارجية التي تتعامل مع القطاع المصرفي في لبنان بكثير من الحذر والشك، وتاتي الملاحقات القضائية لتزيد الامور سوءا، فاذا توقفت المصارف المراسلة عن التعامل مع المصارف اللبنانية سؤدي ذلك الى اعلان الافلاس في هذا القطاع الذي سينهار حكما.!

أزمة سيولة نقدية محلية
لا تستبعد مصادر مالية متابعة، عبر صحيفة “الشرق الأوسط”، الانزلاق التدريجي إلى تفاقم استثنائي في أزمة السيولة النقدية بالعملة المحلية بسبب اتساع الفجوة بين الأكلاف المعيشية نتيجة تزامن موجات غلاء جديدة يرجح أن يتعدى متوسطها 30 في المائة دفعة واحدة من جهة، وبين زيادة تقنين ضخ النقود الورقية عبر المصارف من جهة مقابلة؛ وذلك بعد خفض الحصص المتاحة للموظفين والمودعين إلى حدود 5 ملايين ليرة شهرياً، أو نحو 230 دولارا ورقيا (بنكنوت)، في حين يجري تعقيم السيولة المتاحة عبر بطاقات الدفع الممغنطة، مع توسع ظاهرة رفض قبولها عبر نحو 31 ألف نقطة بيع موزعة في المتاجر والمحلات.

Exit mobile version