Site icon PublicPresse

جنرال روسي يكشف أهداف “معركة دونباس”

جنود أوكرانيون يستعدون لهجوم روسي قرب مدينة هورليفكا في منطقة دونيتسك

كشف قائد عسكري بارز في الجيش الروسي للمرة الأولى عن الأهداف التي تعمل روسيا على إنجازها في المرحلة الثانية من عملياتها العسكرية، التي بدأت في 19 نيسان وحملت تسمية “معركة الدونباس”. ونقلت وكالة “تاس” الحكومية عن نائب قائد المنطقة العسكرية المركزية، اللواء رستم مينكاييف، حديثاً لافتاً خلال الاجتماع السنوي لاتحاد الصناعات الدفاعية في منطقة سفيردلوفسك. إذ قال مينكاييف، إنه يجب على الجيش الروسي خلال المرحلة الثانية من العملية الخاصة فرض سيطرة كاملة على الدونباس.

ووفقاً له، “منذ بداية المرحلة الثانية من العملية الخاصة، التي بدأت بالفعل، قبل يومين، تم وضع أهداف محددة، وأبرز مهام الجيش الروسي فرض سيطرته الكاملة على الدونباس وجنوب أوكرانيا”، مشيراً إلى أن هذا الهدف يوفر لموسكو إنشاء ممر بري إلى شبه جزيرة القرم.

وفي إشارة إلى الهدف الثاني الأساسي، قال الجنرال “السيطرة على الدونباس ستوفر ممراً برياً لشبه جزيرة القرم، بالإضافة إلى السيطرة الكاملة على المرافق الحيوية للقوات العسكرية الأوكرانية وموانئ البحر الأسود التي يتم من خلالها تصدير المنتجات الزراعية والمعدنية إلى البلدان الأخرى”. أما الهدف الثالث الذي لا يقل أهمية بالنسبة إلى موسكو، فهو أن “السيطرة على جنوب أوكرانيا هي طريقة أساسية للوصول مباشرة إلى ترانسنيستريا (بريدنيستروفيه – مولدافيا)، حيث توجد أيضاً حقائق عن اضطهاد السكان الناطقين بالروسية”. وختم الجنرال حديثه بالقول “يبدو أننا الآن في حالة حرب مع العالم بأسره، كما كان الحال في الحرب الوطنية العظمى (العالمية الثانية)، كان العالم كله ضدنا. والآن يتكرر الشيء نفسه، هم لم يحبوا روسيا قط”.

ولاحظت وسائل إعلام حكومية روسية، أن هذا الترتيب في أهداف المرحلة الثانية للعمليات العسكرية الروسية يحمل أبعاداً مهمة، وهو يمكن أن يلخص عملياً الأهداف الأساسية للحرب منذ انطلاقتها في 24 فبراير (شباط). وعلى الرغم من أن الأهداف التي أُعلنت في ذلك الحين انحصرت في نزع سلاح أوكرانيا و«تقويض النازية» وفرض الحياد العسكري على أوكرانيا وحماية سكان الدونباس، لكن الأهداف العملياتية الأساسية تمثلت في بسط السيطرة على المناطق الشرقية والجنوبية (بما فيها الدونباس) وتأمين حماية شبه جزيرة القرم، والسيطرة على أهم مرافئ أوكرانيا (ماريوبول وأوديسا)، بما يعني فرض سيطرة مطلقة في بحر آزوف والبحر الأسود والوصول إلى حدود مولدافيا (جنوب غرب) لتوسيع المعركة بضم إقليم بريدنيستروفيه الانفصالي المدعوم من جانب موسكو، عندما تستدعي الحاجة ذلك.

وفي هذا الصدد، وضع محللون عسكريون مسألة محاصرة المدن الكبرى في المرحلة الأولى من الحرب في إطار تحقيق هدفين أساسيين. الأول: تقليص قدرات الجيش الأوكراني على التحرك شرقاً وجنوباً لعرقلة تقدم القوات الروسية في هذه المنطقة. والآخر: تدمير القدرات العسكرية الأوكرانية لمنع كييف لاحقاً ولفترة طويلة من إمكانات الرد العسكري على التحركات الروسية.

ووفقاً للمحللين، فقد تم تحقيق الهدفين برغم كل الصعوبات التي واجهتها موسكو والخسائر الكبرى التي مني بها الجيش الروسي، ما مهّد لإطلاق المرحلة الثانية الأساسية في هذه الحرب. وبالنظر إلى تصريحات القائد العسكري البارز، يبدو أن المهام الموضوعة أمام الجيش الروسي لا تقتصر على العناصر الدفاعية (حماية شبه جزيرة القرم وتوفير ممر بري إليها عبر خيرسون وماريوبول)، ولا على العناصر الاستراتيجية العسكرية والسياسية (السيطرة بالكامل على جنوب أوكرانيا وحرمانها من الوصول إلى البحر وإضعاف قدرات الغرب على استخدامها لتطويق روسيا)، بل تمتد أيضاً إلى النواحي الاقتصادية (فرض سيطرة على المرافئ وعلى الثروات الكبرى الصناعية والمواد الخام في مناطق الشرق والجنوب).

وفي هذا الإطار، يمكن ملاحظة أن حرص روسيا على عدم اقتحام مجمع آزوف الصناعي العملاق في ماريوبول رغم تحصن مئات الجنود الأوكرانيين فيه يعود إلى عدم الرغبة في تدمير المجمع الذي كان يعد أضخم منشأة للتعدين في الاتحاد السوفياتي السابق، وكما قال المحلل السياسي مكسيم شيفشينكو في قناته على “يوتيوب”، فإن الحرس الرئاسي الروسي الذي يقود العمليات العسكرية في هذه المنطقة يضع عينه على المنافع الاقتصادية الضخمة التي سوف توفرها السيطرة على هذا المجمع من دون تدميره.

العنصر الآخر المهم الذي أشار إليه القائد العسكري هو موضوع الإقليم الانفصالي في بريدنوستروفيه. وهو أمر يخيف حالياً مولدوفا التي ترى أنها ستكون هدفاً لاحقاً لتحرك عسكري محتمل من جانب موسكو. وقد برزت خلال الأيام الأخيرة هذه المخاوف بشكل جلي، بعدما تزايد السجال بين موسكو وكيشينوا حول رموز الحرب العالمية الثانية ودور الاتحاد السوفياتي في هذه الحرب. إذ بالتزامن مع دخول قانون حظر شريط “سانت جورج” في جمهورية مولدوفا حيز التنفيذ في 21 أبريل، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً يحظر الإساءة لروسيا أو الاتحاد السوفياتي عبر تشبيه الدولة العظمى في السابق بسياسات ألمانيا النازية، وهو أمر تقوم به بلدان حوض البلطيق وأوكرانيا وجورجيا ومولدوفا وجزء كبير من أوروبا الشرقية التي ساوت قانونياً بين الشيوعية والنازية.

أهمية قانون مولدوفا حول حظر شريط سان جورج، أن هذا الشريط الذي يحمل اللونين الأصفر والأسود، بات يشكل رمزاً للتضحيات العسكرية السوفياتية في مواجهة النازية، وحظر رفعه في مولدوفا يعني انضمام هذا البلد إلى التحرك الغربي الواسع ضد روسيا في إطار ما تصفه موسكو “تزوير تاريخ الحرب العالمية” والمساواة بين الاتحاد السوفياتي وألمانيا النازية.

النقطة الثانية المهمة تكمن في زيادة وتيرة حديث روسيا عن اضطهاد الأقلية الناطقة بالروسية في مولدوفا وهي الأقلية التي تقيم في بريدنوستروفيه؛ ما يعيد سيناريو الحديث الروسي عن اضطهاد سكان الدونباس في أوكرانيا.

وقد اتهمت وزارة خارجية جمهورية مولدوفا روسيا بتجنيد مواطنين مولدوفا يعيشون في المنطقة في المجموعة العملياتية للقوات الروسية المتمركزة في ترانسنيستريا. وهو أمر لم تنفِ القوات الانفصالية المدعومة من روسيا في الإقليم صحته. إذ قال رئيس ترانسنيستريا فاديم كراسنوسيلسكي لـصحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا”، إن المجندين هم من السكان المحليين – وهم مواطنو الاتحاد الروسي، أي يحملون الجنسية الروسية. في المقابل، قالت وزارة الخارجية المولدافية إنها تدين محاولات تجنيد مواطنين مولدوفا من منطقة ترانسنيستريا في الجيش الروسي. وقال وزير الخارجية نيكو بوبيسكو، إن كيشيناو يتفاوض مع الجانب الروسي وقد أوضح موقفه الثابت بشأن هذه القضية، مضيفاً أن ممثلين عن الوزارة يناقشون هذا الموضوع مع السفير الروسي.

Exit mobile version