Site icon PublicPresse

بيان “الخارجية”: بوحبيب كتب وميقاتي عدّل وشقير وافق.. الرئيس لم يكن يعلم

نجيب ميقاتي و عبدالله بو حبيب

الأزمة التي فجّرها بيان وزارة الخارجية، أول من أمس، بإدانة “الإجتياح” الروسي للأراضي الأوكرانية، تفاعلت أمس، ولا سيما لجهة موقف رئيس الجمهورية ميشال عون الرافض لمضمون البيان. الرواية التي حصلت عليها صحيفة “الأخبار” من مصادر عدة، تقاطعت عند إصرار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على وجوب إصدار بيان حول ما يحصل في أوكرانيا. وهو تواصل لهذا الغرض مع وزير الخارجية عبد الله بوحبيب الذي أبلغ رئاسة الجمهورية طلب ميقاتي. وأعدّ بوحبيب مسودة بيان “رمادية”، حملها إلى بعبدا الخميس، أثناء انعقاد اجتماع وزاري لمناقشة مسألة الكهرباء في حضور ميقاتي. على هامش الاجتماع، عُقدت خلوة ضمت رئيس الحكومة ووزير الخارجية ومستشار رئيس الجمهورية أنطوان شقير، عرض خلالها المسودة على ميقاتي، فأصرّ الأخير على إيراد تضمينها عبارة تدين “الإجتياح الروسي”، فيما لم يبدِ أي معارضة. عندها، أصدر بوحبيب البيان بصيغته النهائية بعد تعديلات رئيس الحكومة.

وبحسب معلومات “الأخبار”، فإن شقير لم يطلع رئيس الجمهورية على الصيغة المُعدّلة ما دفع عون إلى تأنيبه لاحقاً. وثمة من يربط بين أداء المستشار الرئاسي وبين وعد تلقاه من ميقاتي بالموافقة على تعيينه سفيراً لدى الفاتيكان ضمن التعديلات الدبلوماسية التي وعد رئيس الحكومة بوضعها على جدول أعمال الجلسة المقبلة. فيما تؤكد مصادر مطّلعة أن موقف ميقاتي جاء بطلب مباشر من السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، وهو ما أبلغه الى رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط عندما هاتفه الأخير مستنكراً مضمون البيان.

واستغرب مسؤول في قسم الشرق الأوسط وأفريقيا في الخارجية الروسية، في إتصال مع “الأخبار”، مقارنة البيان الحرب في أوكرانيا بالاجتياحات الإسرائيلية للبنان في الفقرة التي تتحدث عما شهده تاريخ لبنان الحديث من إجتياحات عسكرية لأراضيه ألحقت به وبشعبه أفدح الخسائر التي امتد أثرها البالغ لسنوات طويلة على استقراره وازدهاره، وتساءل عن “صدق نيات المسؤولين اللبنانيين الذين يزورون موسكو لطلب المساعدة والدعم في حل المشكلات الداخلية والإقليمية من منطلق موقع روسيا الدولي”.

لكن وبعدما أدى موقف بو حبيب الغرض منه في إستمالة الدول الغربية، بادر المسؤولون العونيون، وفق صحيفة “نداء الوطن”، إلى تنفيذ إنسحاب تكتيكي من ساحة المواجهة مع روسيا، ليضعوا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في “بوز المدفع” الروسي عبر محاولة تحميله وحيداً المسؤولية عن صدور هذا البيان، مقابل تنصّل العهد وتياره من مضامينه على أساس أن ما صدر عن وزارة الخارجية جرى بالتنسيق مع ميقاتي ولا يمثل وجهة نظر رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل.

فتحت وطأة هجمة قوى 8 آذار على بيان وزير الخارجية، والتي تفاوتت بين إكتفاء رئيس مجلس النواب نبيه بري بتأكيد عدم علمه المسبق به، وبين اعتباره “خرقاً للسيادة الوطنية لا يعبّر عن موقف لبنان” كما جاء على لسان النائب طلال أرسلان، وصولاً إلى مطالبة “الحزب السوري القومي” بو حبيب بـ”سحب الموقف والإعتذار عنه فوراً أو الإستقالة”. وأمام إعراب “حزب الله” الصريح عن الإمتعاض من بيان “الخارجية” الذي يخدم “المصالح الأميركية” كما عبّر مسؤولون في “الحزب”، كان القرار العوني بالتنصل سريعاً من المسؤولية عن صدور هذا البيان، فتوالت التسريبات والتصريحات التي تصب في خانة إسترضاء الروس، بدءاً من المعلومات الإعلامية التي كشفت أنّ باسيل بادر إلى الإتصال بالسفير الروسي في بيروت ليؤكد له أنّ “التيار الوطني الحر” لا علاقة له بموقف وزير الخارجية، مروراً بتنديد مستشار رئيس الجمهورية للعلاقات الروسية أمل أبو زيد بهذا الموقف مبدياً نيته لقاء السفير الروسي وزيارة موسكو للاجتماع مع المسؤولين في الخارجية الروسية، وصولاً إلى تعميم موقع “التيار الوطني” الإلكتروني أجواء وزارية تؤكد أنّ “موقف لبنان الرسمي يعود لرئيس الجمهورية الذي يتمتع ضمن دائرة إختصاصه بصلاحية التعبير عن سياسة لبنان الخارجية”، مع التشديد على أنّ ما جاء في بيان بو حبيب كان “كلاماً عالي النبرة لا فائدة منه، فنحن لدينا علاقات مميزة مع روسيا من الضروري الحفاظ عليها”.

ومساءً، أبدى بو حبيب إستغرابه لما تضمنه بيان السفارة الروسية، قائلاً لـ”نداء الوطن”: “كنت قد طلبتُ أمس (الأول) لقاء السفير الروسي في لبنان وأبلغته أنّ وزارة الخارجية اللبنانية بصدد إصدار بيان إستنكار لما حصل في أوكرانيا، ولم يعبّر لي عن موقفه بالشكل الذي ظهر (في بيان السفارة أمس) إنما اكتفى بالاستماع ثم أكملنا الجلسة بشكل عادي”. وإذ لم ينفِ تلقيه انتقادات من وزراء مختلفين حيال ما جاء في البيان الذي أصدره، أوضح بو حبيب أنّ “القصة هي قصة مبدأ مبني على قرارات الشرعية الدولية، وأنا أصدرتُ البيان بناءً على قناعاتي ولم أتلقّ أي اعتراض”. أما عما تردد عن خروجه عن قرار “النأي بالنفس” للدولة اللبنانية، فأجاب: “مسألة النأي بالنفس تتعلق بعلاقتنا بدول الخليج، أما في موضوع أوكرانيا وروسيا فنحن كبلد كنا تحت الاحتلال وعانينا ما عانيناه جراء الاعتداءات علينا، فمن الطبيعي أن نكون ضد أي اعتداء من دولة كبرى على دولة صغرى”.

معلومات صحيفة “الجمهورية” أكدت انّ البيان تفاعَل إلى حد “الانفعال الشديد جداً” بين الجدران السياسيّة الحكوميّة والرئاسيّة، واثارة اسئلة اتهامية من قبل مراجع مسؤولة “حيال من أوحى بهذا الموقف غير المألوف والغاية منه”، وكذلك “حيال التفرّد في خطوات ومواقف خطيرة، تتجاوز البيان الوزاري للحكومة، وتقفز فوق المكونات السياسية والاساسية في البلد، وتأخذ لبنان الى غير موقعه وتحمّله مواقف اكبر من قدرته على تحمّل نتائجها وانعكاساتها وردود الفعل عليها لا بل عواقبها، في الوقت الذي هو في حاجة ماسّة الى كلّ دول العالم لمساعدته في أزمته الصعبة”.

وقد استمرت المواقف الاعتراضية على بيان الخارجية، معتبرة “انه لا يعبّر عن موقف لبنان”، على ما قال وزير العمل مصطفى بيرم، حيث استغرب “بيان الخارجية الذي صدر مخالفا لمبدأ الحياد الذي اعلنته الحكومة اللبنانية، فضلاً عن عدم التشاور في ذلك، وتحميل لبنان تبعات الدخول في مثل هذا النزاع ذي الأبعاد الخطيرة”. فيما قال عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب ابراهيم الموسوي: “ينأون بأنفسهم ويدَّعون الحياد حيث يشاؤون، ويتدخلون ويدينون أيضاً حيث يشاؤون، أمر عجيب غريب”. وسأل: “أي سياسة خارجية يتبعها لبنان، وأين مصلحة لبنان في ذلك؟ تفضّل وزير خارجيتنا عبدالله بوحبيب وأوضِح لنا الأمر”.

وكشفت مصادر صحيفة “البناء” عن ضغوط تعرّضت لها الدولة اللبنانية لإدانة الحرب الروسية على أوكرانيا من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي. وهذا ما دفع بوزارة الخارجية الى مسايرة الأميركيين والأوروبيين بالوقوف ضد روسيا. كما علمت أن موقف بوحبيب اتخذ بعد التشاور مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فيما رئيس الجمهورية ميشال عون لم يكن بعيداً عن هذا البيان.

Exit mobile version