Site icon PublicPresse

الثورة المضادة لـ”حزب المصرف”: جلسة حكومية اليوم لوضع القضاء أمام مسؤولياته بوقف “الشعبوية القضائية”

مجلس الوزراء في السراي 31.1.2022 - حكومة لبنان

بلغ الصراع الدائر بين القضاء اللبناني والمصارف مداه خلال الساعات الأخيرة، وفرض نفسه على طاولة مجلس الوزراء في محاولة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لـ “لجم الأساليب الشعبوية والبوليسية” التي تنتهجها القاضية غادة عون وتهدد “بهدم الهيكل النقدي” فوق رأس الجميع، محذراً من أنّ “مسار الأمور لدى بعض القضاء يدفع باتجاه افتعال توترات لا تحمد عقباها، وثمة محاولات لتوظيف هذا التوتر في الحملات الإنتخابية”.

في الأثناء، لا يزال رجا سلامة موقوفاً في نظارة قصر العدل في بعبدا، في انتظار المواجهة المرتقبة الإثنين المقبل مع شقيقه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فيما استنفر أركان السلطة للجم القرار المتوقع أن تصدره القاضية عون في حال عدم حضور الحاكم. وبما أنه لن يحضر، فالمتوقع أنّ تدّعي عليه بجرم تبييض الأموال والإثراء غير المشروع وتصدر في حقه مذكرة جلب أو إحضار، وأن تحيل شقيقه موقوفاً أمام قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور.

ومن هذا المنطلق، قرر مجلس الوزراء أن “يستنجد” في جلسته اليوم بالنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات لوضع السلطة القضائية أمام مسؤولياتها في المبادرة إلى “وضع حد للشعبوية القضائية” كما نقلت مصادر مواكبة للأجواء الحكومية عبر “نداء الوطن”، موضحةً أنّ “الحكومة ستؤكد على إحترامها مبدأ فصل السلطات وأحقية القضاء في متابعة ملف التحقيقات المالية والمصرفية، لكنها ستطلب في الوقت عينه من القيّمين على انتظام عمل السلطة القضائية وضع اليد على هذا الملف والنأي به عن أي منزلق يهدد الاستقرار العام في البلاد ويقوض المصلحة اللبنانية العليا”.

وكانت جمعية المصارف قد لوّحت أمس بالبدء باتخاذ خطوات تصعيدية في مواجهة “الهجمة القضائية العونية التي تستهدف القطاع المصرفي لمآرب انتخابية مفضوحة” كما وصفتها مصادر مصرفية، بدءًا من إعلان “إضراب تحذيري” يشمل توقف العمل في القطاع المصرفي على كامل الأراضي اللبنانية، يومي الإثنين والثلاثاء المقبلين “كخطوة اولى للتنبيه والتوعية الى خطورة ما آلت اليه الاوضاع الراهنة”، باعتبارها خطوة تحذيرية “ضد التعسف لكي يتوقف المعنيون عن التهرب من مسؤولياتهم وإلقائها على عاتق المصارف، والمبادرة إلى تحمل مسؤولياتهم الوطنية واتخاذ الخطوات المطلوبة لحماية المصلحة العامة”.

وفيما أشارت مصادر صحيفة “الأخبار” إلى أن ميقاتي إقترح على رئيس الجمهورية تعيين بديلين عن عويدات وعبود، شرط إبعاد مدعية جبل لبنان عن ملف المصارف، أكدت مصادر مقرّبة من رئيس الجمهورية إستحالة قبوله بهذا الطرح. وعلمت “الأخبار” أن ميقاتي إلتقى بعد ظهر أمس وزير العدل هنري خوري، واعترض على ممارسات بعض القضاة، وكرر أمامه أمر إستدعاء القضاة إلى مجلس الوزراء والطلب إليهم إستلام هذه الملفات، لكن وزير العدل لم يكن مؤيداً، معتبراً أن الجلسة لن تخرج بنتيجة، وأن وزارة العدل ترفض التدخل في القضاء، مشيراً إلى أن “القضاة سيؤكدون عدم وجود سلطة لهم على القضاء المدني وأن هذه الملفات تذهب إلى رؤساء دوائر التنفيذ ولا مجال للتدخل في عملهم”، بينما حاول ميقاتي إيجاد تخريجة واضعاً تدخل القوى السياسة لحماية المصارف في إطار “التعاون مع السلطة القضائية”.

فيما أكدت مصادر قريبة من عويدات أمس، عبر “الأخبار”، أنه قادر فقط على الإلتزام في حال صدر قرار عن مجلس الوزراء مجتمعاً يلزمه “إتخاذ الإجراءات المناسبة”. وعلمت “الأخبار” أنّ رئيس الحكومة، الذي كان أبلغ عويدات سابقاً أنّه مستعدٌ لفرط الحكومة في حال إدعائه على رياض سلامة أو توقيفه، إلتقى الأربعاء بمدعي عام التمييز وطلب منه سحب الملف من يد عون، “مهدّداً” بإطاحته من منصبه. إلا أن الأخير أجابه بأنّه لن يفعل كي لا يظهر بمظهر حامي الفساد الذي يتدخّل في عمل قاضية تحارب الفساد. وعندما عرض ميقاتي على عويدات التدخّل لتجميد قرار عون أو أن يطلب منها التريّث، جدد الأخير رفضه مؤكداً أنّه يقف في صف عون هذه المرة، وطلب من رئيس الحكومة أن يجد حلاً عبر مجلس الوزراء، وليس عبر إستخدامه ككبش فداء.

مصادر بعبدا وصفت لـ”الأخبار” الجلسة بأنها “في موقع غير مألوف، لناحية مبادرة سلطة سياسية باسم المصلحة العليا إلى التطرق إلى موضوع قضائي بامتياز. ومن غير الجائز تدخل السلطة السياسية في القضاء. والخوف من أن تتخذ هذه الجلسة منحى تصادمياً يؤدي إلى انتفاضة قضائية جراء تدخل السلطة السياسية في عمل القضاء”. وأشارت إلى أنه “من الممكن أن تعمد السلطة السياسية إلى إحاطة القيادة القضائية ببعض الإرشادات والتوجيهات وأن تضع مجلس القضاء الأعلى في صورة بعض الأمور المصرفية ووضع صندوق النقد والوضع النقدي ووضع المودعين. لكن يجب أن يبقى شأن القضاء للقضاء، وإذا ذهب مجلس الوزراء إلى أكثر من ذلك، أي طلب فك الارتباط أو وقف التعقبات، فهذا إشارة إلى انحلال مفهوم الدولة والمبادئ الأساسية في الديموقراطية البرلمانية التي تحكم نظامنا السياسي”.

ولذلك، وفق مصادر بعبدا، “يجب أن توائم جلسة اليوم بين المصلحة اللبنانية العليا أو الوضع المصرفي والنقدي المتأزم ودور القضاء، كأن يوضع القضاء في أجواء ما قد يتصل بعمله أو يدخل في اختصاصه من أمور تتعلق بمصلحة لبنان العليا من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والمالية والنقدية وليس أكثر من ذلك”. وخلصت إلى “أننا من القائلين بضرورة انتظام العمل القضائي الذي يجب أن يتم عبر مجلس القضاء الأعلى ومع وزير العدل، وإذا كان القضاء غير قادر بقيادته الحالية على تحقيق ذلك يجب أن يوضع أمام مسؤولياته، ولكن في الوقت نفسه يجب أن تقف السلطة السياسية عند حدّ وألا تخطو أي خطوة نحو التدخل في عمل القضاء والدفع نحو شرذمته”.

ووصفت مصادر رفيعة في “التيار الوطني الحر” الجلسة بأنها “هجمة لا قانونية لفرملة، وحماية متجددة من المنظومة السياسية للمنظومة المالية”. وأضافت: “كما أنه لا يحق للقضاء التعسف في إجراءاته، لا يحق للمصارف تهديد الناس بقطع رواتبهم. نحن مع حماية القطاع المصرفي، ولكن مع أن يقوم بعمله بشكل سليم”.

مصادر سياسية قللت عبر صحيفة “اللواء”، من أهمية إجتماع مجلس الوزراء اليوم والمخصص للبحث في موضوع المصارف، في ضوء الإجراءات والتدابير القضائية التي تتخذها القاضية غادة عون، تباعا، ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وعددا من المصارف. واشارت المصادر الى انه اصبح معلوما للقاصي والداني، ان ما تقوم به القاضية عون، ليس من صلاحياتها، ودوافعه محض سياسية، بايحاء مكشوف من رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، في اطار اساليب الابتزاز وتصفية الحسابات السياسية.

واعتبرت انه ليس مطلوبا من الحكومة التدخل بعمل القضاء،انطلاقا من مبدأ الفصل بين السلطات، ولكن كان يمكن معالجة مسألة تدخل القاضية عون، بملفات ليست من صلاحياتها بسهولة، لوضع حد لهذه المخالفات واعادة الامور الى نصابها، لو ان مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، مارس صلاحياته،باصدار اوامره وقراراته، لمنع القاضية عون من اكمال ممارسة مهمات، ليست من صلاحياتها، وتساءلت عن خلفيات ودوافع هذا الصمت المطبق من قبل مجلس القضاء الاعلى تجاه مايحصل من مخالفات، بدوافع سياسية، من شأنها ان تؤدي الى انعكاسات وتداعيات سلبية، تضر، ليس بالقطاع المصرفي فحسب، وانما إلى احتجاجات شعبية، لا يمكن التحكم بها، او استيعاب نتائجها ومؤثراتها على الوضع العام والاستقرار في البلاد.

وتوقعت المصادر ان يطلب مجلس الوزراء من مجلس القضاء الاعلى، تطبيق القانون من دون استنسابية حرصا على انتظام عمل المصارف ومصلحة المودعين والدورة الاقتصادية في البلاد.

ووفق صحيفة “الشرق الأوسط”، فإن الإتصالات السياسية نجحت بتطويق تداعيات الاشتباك المصرفي – القضائي، وتشير المعطيات إلى توسع التدخل السياسي لتهدئة الاشتباك القائم، بعدما جرى إدراج الموضوع المصرفي كبند رئيسي في جلسة خاصة يعقدها مجلس الوزراء اليوم (السبت)، وتقضي الصيغة المطروحة بحصر الشؤون القضائية المتصلة بالقطاع المصرفي، بالمدعي العام التمييزي، وتحت سقف احترام الأصول وموجبات التحفظ “بمعزل عن الهمروجات التي تسيء إلى سمعة الشخصيات والمؤسسات ذوي العلاقة”.

ولم تكن قيادات مصرفية بمنأى عن هذه الأجواء، وقالت مصادرها لـ”الشرق الأوسط” أمس، إن التصعيد المستجدّ بضم سادس رئيس مجلس إدارة مصرف إلى قائمة الممنوعين من السفر، “أسهم بتنشيط المساعي وتسريعها بهدف تنسيق التسوية – المخرج مع أطراف سياسية فاعلة، بينما يتكفّل مصرفيون كبار بالاستجابة للتهدئة من خلال التواصل المستمر مع رئيس الحكومة وفريقه الاقتصادي، بعدما تمت مطالبته بضرورة التحرك والحؤول دون انزلاق الملف إلى تصعيد متبادل تتعدى تداعياته السوقية الميدان المحلي لتهدد التعاملات المالية عبر الحدود ومع شبكة البنوك المراسلة”.

وبالفعل، تلقفت إدارات المصارف التي لبّت الدعوة الطارئة إلى عقد جمعية عمومية ظهر أمس في مقر الإدارة العامة لبنك “بيبلوس”، التحرك الحكومي بإيجابية حذرة، وقررت تفويض مجلس الإدارة باستخلاص القرار المناسب بعد التحقق من حصيلة المساعي ووجهة قرارات الحكومة في جلستها التي ستُعقد اليوم، إلى جانب إبداء الارتياح إلى مضمون تصريحات الرئيس ميقاتي، على أن يدعو مجلس الإدارة إلى عقد مؤتمر صحافي بعد ظهر غد (الأحد)، للإفصاح عن الموقف النهائي في ضوء التطورات.

وقالت مصادر شاركت في الجمعية العمومية لـ”الشرق الأوسط”، إن قيادات مصرفية فاعلة رجّحت تغليب كفة الاعتدال والتعاطي بعقلانية في إدارة النزاع المستجد، مقابل طروحات اتسمت بالانفعال لجهة الدعوة الفورية إلى إقفال عام للبنوك وإلقاء كامل المسؤولية على بعض القضاة. واستقرت التوصيات، حسب المصادر، على أن “الإضراب وسيلة وليس غاية”، وبالتالي “يقتضي التمهل لتبيان نتائج تحرك رئيس الحكومة”، فضلاً عن “الحرص على عدم التسبب بأي أضرار تلحق بأصحاب الحقوق والعلاقة مع الجهاز المصرفي”.

الإشتباك القضائي – المصرفي في بداياته
وعلى ما تؤشر الأجواء المحيطة بالإشتباك القضائي – المصرفي، فإنه ما يزال في بداياته، فالجانب القضائي، أكان في القرار الذي اتخذته رئيسة دائرة تنفيذ بيروت القاضية مريانا عناني بالحجز على مصرف «فرنسبنك» وبعدها قرار مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون بالتصعيد في وجه حاكم مصرف لبنان رياض سلامه والتحضير لاستدعائه مجدداً وتوقيف شقيقه رجا سلامة، ماض في هذه الاجراءات بمعزل عن نتائجها، في ما بدا في الجانب الآخر انه استنفار سياسي لتدارك ما وصفته مصادر وزارية لـ«الجمهورية» بـ«التداعيات الخطيرة لهذه الاجراءات التي يخشى أن تكون منطلقاتها وابعادها سياسية». وهو الامر الذي سيكون اليوم على طاولة مجلس الوزراء التي تقرر عقدها اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا.

وإذا كان القراران قد وَجدا تناغماً معهما على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك من بعض القضاة ووصفهما بعض المتحمسين لهما من قوى حراكية أو من قوى لا تخفي «عداءها» للمصارف ولحاكم مصرف لبنان، الّا انهما في المقابل كانا محل التباس لدى جهات قضائية أخرى.

وفي هذا الإطار، وبمعزل عن الموقف من المصارف ودورها في مفاقمة الازمة وحجز أموال المودعين، فإنّ الاجراءات الرادعة، كما تؤكد مصادر قانونية لـ«الجمهورية»، ينبغي أن تكون بالدرجة الاولى في خدمة الناس والمودعين والموظفين على وجه الخصوص. لا أن تأتي بطريقة يحصد المودعون والموظّفون وأصحاب الرواتب وحدهم النتائج السلبية.

ففي ما خصّ قرار القاضية عناني بحق مصرف «فرنسبنك»، فإن الإجراء الذي اتخذته بحق هذا البنك، كما تقول المصادر، هو إجراء قانوني، انما هو بدل أن يطال مسألة فردية حصراً، جاءت تأثيراته عامة. فالقانون في الاساس وضع لخدمة الناس، وليس للاضرار بهم. فلا خلاف على أن الاجراء ضد «فرنسبنك» قانوني، إنما الصحيح أيضاً أنّ هذا الإجراء أخذ كل من له أموال بهذا البنك بالطريق، حيث أنه لم يحسب حساب الموظفين بالدرجة الاولى الذين يتقاضون رواتبهم عبر هذا البنك، وكذلك أصحاب المعاملات المالية معه، وجميعهم لا علاقة لهم بالسبب الذي دفع إلى الحجز وتجميد مصرف وحجز خزنته فيما هي تحوي على أموال لآلاف المواطنين والموظّفين.

فقد كان في الامكان، في رأي المصادر القانونية، «أن تبادر القاضية عناني إلى اجراء مبني على تقدير حجم وديعة الشخص المدعي، والتي على أساسها بُني قرار الحجز العام، وبالتالي اتخاذ قراراً بالحجز على موجودات أو ما شابه ذلك تعادل الوديعة محل الشكوى أو تضاعفها، في البنك المعني، وليس أكثر من ذلك». مع الاشارة هنا إلى أنّ صرخات أصحاب الاموال في «فرنسبنك» وعلى وجه الخصوص الموظفون في شتى القطاعات، بدأت تتعالى بشكل مخيف لا بل مرعب خصوصاً انه يفاقم من أعبائهم والضغط عليهم في أسوأ ظروف مالية وحياتية ومعيشية يمرّون بها، علماً أنّ غالبيتهم لم يتمكنوا من قبض كامل الراتب آخر الشّهر الماضي، وبقي نصفه محجوزاً في المصرف.

وعلى ما يبدو أن سبحة الحجز قد كرّت، فبعد الحجز التنفيذي على «فرنسبنك»، ألقي الحجز امس على كافة فروع بنك لبنان والمهجر في طرابلس. حيث قرر رئيس دائرة التنفيذ في طرابلس باسم نصر إبلاغ بنك لبنان والمهجر الانذار التنفيذي، ووضع محضر الحجز التنفيذي في آن واحد على الخزنات والأموال الموجودة في الصناديق العائدة للمصرف دون تلك التي تعود للمودعين (أي خزنات الأمانات)، واخراج خزنة المودعين من دائرة الحجز من أجل تسيير أمور المودعين وتعبئة الصراف الآلي. وفي حال وجود خزنة واحدة اخراج مبلغ من المال ليتم استخدامه لتعبئة الصرافات الآلية ولتسيير أمور المودعين، وذلك في فروعه الاربعة الكائنة في طرابلس: الزاهرية والبوليفار وابي سمراء وشارع عزمي.

Exit mobile version