Site icon PublicPresse

ما حدود “الإنزال” القضائي الأوروبي؟

عماد مرمل – الجمهورية
ولّدت مهمة بعثة القضاة الأوروبيين التي ستزور لبنان الأسبوع المقبل، بلبلة واسعة في الساحة الداخلية، التي بدت وكأنّها بوغتت بـ”الإنزال” القضائي الأجنبي.

إنطلاقاً من الحسابات المتضاربة، وأحياناً المفاهيم الملتبسة، إنقسمت الآراء المحلية بين متحمس لزيارة الوفد الأوروبي ومعترض عليها. المتحمسون وجدوا فيها تعويضاً عن قصور القضاء اللبناني وتقصيره في ملاحقة الفاسدين ومحاسبتهم، والمعترضون وضعوها ضمن سياق السعي إلى فرض وصاية أجنبية على السلطة القضائية في لبنان.

وبين هؤلاء وأولئك، هناك من يذهب في إتجاه إعطاء تفسير آخر لدور البعثة الأوروبية، قوامه انّها “تستكمل تحقيقات في قضايا مرفوعة أساساً لدى البلدان التي تمثلها، وانّ لبنان ليس أمامه خيار سوى التجاوب معها إحتراماً لإتفاقيات دولية في هذا الصدد، بعيداً من فرضيات سياسية غير واقعية، وبمعزل عمّا إذا كان القضاء اللبناني يؤدي واجباته أم لا”.

ويقول الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة شكري صادر لـ”الجمهورية”، انّ كثيراً من المواقف التي هاجمت مهمّة الوفد القضائي الأوروبي واعتبرتها إنتهاكاً للسيادة اللبنانية، إنما تندرج في سياق الشعبوية وإثارة نعرات وطنية مفتعلة، ملاحظاً انّ أصحاب هذه المواقف لم يكلّفوا خاطرهم درس حيثيات المهمّة ومرتكزاتها القانونية، “وللأسف كل واحد فاتح على حسابه في هذا البلد”.

ويوضح صادر، أنّ الدولة اللبنانية سبق لها أن وقّعت على إتفاقيات دولية للتعاون القضائي، وأدخلتها في النظام القانوني اللبناني، وبالتالي هي أصبحت ملتزمة بها وملزمة باحترامها، ومن بينها الإتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وتبييض الأموال التي أبرمها مجلس النواب عام 2008، وصارت جزءاً عضوياً من القانون الوطني.

ويشير صادر إلى أنّ هذه الإتفاقية تلحظ انّ جرائم الفساد وتبييض الأموال هي بطبيعتها عابرة للحدود، وانّه يجب حصول تعاون دولي لتسهيل كشف ملابساتها. مؤكّداً انّ الوفد القضائي الأوروبي يستعد لتنفيذ مهمته في لبنان تحت هذا السقف، وبالتالي لا انتهاك للسيادة ولا من يحزنون.

ويلفت صادر، إلى انّ هناك دعاوى مرفوعة ضدّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في اللوكسمبورغ وفرنسا والمانيا، ربطاً بشبهات مالية، حيث تمّ ضبط نحو 120 مليون يورو يُشتبه في أنّها أموال غير مشروعة، وبالتالي فإنّ الوفد القضائي يأتي إلى لبنان لمتابعة ملفات مفتوحة في تلك الدول وليس للخوض في ملفات داخل لبنان، “أي إنّهم معنيون فقط بالشق المتعلق بهم، ولا يخصّهم إذا كان سلامة قد سرق حقاً أموال اللبنانيين أم لا. وعلى البعض هنا ان يدرك انّ الأمور ليست فالتة في البلدان التي يأتي منها القضاة الأوروبيون، وإذا جرّب اي واحد منهم التشبيح خارج إطار القضية التي يتولاها تجري محاسبته، “وبتنفك رقبتو”.

ويشير صادر، إلى أنّ من حق القضاة الأوروبيين طلب إستجواب شخصيات لبنانية على صلة بالملفات التي يحققون فيها، وذلك تحت إشراف القضاء اللبناني، مراعاة لمقتضيات السيادة، مؤكّداً ان ليس في الأمر أي شكل من أشكال الوصاية كما يروّج البعض.

ويشدّد على أنّ مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات “ليس إبن مبارح، وهو يجلس على كرسي يمثل القضاء اللبناني، وإذا كان لا يتعدّى على غيره فإنّه كذلك لا يسمح لغيره بأن يجلس معه على الكرسي نفسه”.

وينبّه صادر إلى أنّ أي محاولة من قِبل لبنان لعرقلة مهمّة الوفد القضائي و”للحس توقيعه” على الإتفاقيات، سيرتبان تداعيات عليه، وسيؤديان إلى فقدانه الصدقية الدولية.

Exit mobile version