Site icon PublicPresse

ملابسات جريمة قتل الشيخ الرفاعي تتكشف.. دُفنت جثته على عمق 3 أمتار

بعد مضي أكثر من خمسة أيام على إختفائه، عُثر على جثة الشيخ أحمد الرفاعي مدفونة على عمق 3 أمتار تحت كومة من التراب، بالقرب من مكان ترمى فيه النفايات في منطقة تقع فوق عيون السمك وقريبة من بلدة القرقف شمال لبنان فجر يوم أمس السبت. وقد سُحبت القوى الأمنية الجثة بعد إستقدام جرافة للمساعدة في الحفر، وعملت فرق الإسعاف على نقلها إلى المستشفى الحكومي.

وانشغل الرأي العام اللبناني بخبر إختفاء الشيخ الرفاعي المعروف في أوساط “ثوار 17 تشرين” ومجموعاتها في الشمال. وبعدما سرت شائعات عن أن “الجريمة سياسية ومرتكبها حزب الله وسرايا المقاومة”، إلا أن شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، تمكنت بالتنسيق مع الجيش اللبناني من كشف خلفيات إختطاف ومقتل الرفاعي، ومن إحتواء تداعيات الجريمة على الإستقرار العام تحديداً في قرى وبلدات عكار.

ووسط تكتم شديد، تعاملت شعبة المعلومات مع تفاصيل التحقيقات حفاظاً على الأمن في بلدة الفقيد القرقف والقرى المحيطة بها. مما أدى إلى تحفظ الكثير من المرجعيات في تصريحاتهم ولعل أبرزها ما صرّح به مفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا ناصحاً الجميع إنتظار البيان الرسمي الذي سيصدر عن الجهات المعنية.

وفي التفاصيل، أنه بعد 5 أيام على إختفاء الرفاعي، تمكّنت شعبة المعلومات من كشف كافة ملابسات القضية بالإستناد عطإلى معطيين أساسيين: تتبع حركة الإتصالات وتنقل هاتف الضحية منذ خروجه من منزله في بلدة القرقف، حيث رُصد هاتفه بداية في مستشفى حلبا بعد تقديمه مساعدة مالية لأحد المرضى، لينتقل بعدها إلى مسجد البركة في البداوي حيث أدى صلاة المغرب، لينتقل بعدها إلى شارع الميناء في طرابلس خلف مبنى الجامعة العربية في تمام الساعة 6:40 مساء، لتكون الوجهة التالية منطقة البحصاص عند مدخل مدينة طرابلس، في تمام الساعة 6:45 مساء. قبل الإنتقال إلى منطقة رأسمسقا في الكورة وتحديداً عند وادي هاب الذي يصل الكورة بمنطقة أبي سمراء، ثم العثور على قناع وقفازات يد عليها آثار دماء خلف الجامعة العربية واكتشاف مصدرها.

وبناء على هذين المعطيين، تحرّكت القوة الضاربة في فرع المعلومات باتجاه بلدة القرقف منتصف ليل الجمعة، حيث داهمت منزل رئيس البلدية الشيخ يحيى الرفاعي، وتمّ توقيفه بالإضافة إلى إبنه محمد وإبن شقيقه عبد الكريم، الذي تشير المعلومات إلى أنّ القناع والقفازات يعودان له. بعدها أوقف فرع المعلومات نجل يحيى الرفاعي المدعو علي في بلدة ببنين، حيث تمّ نقل الجميع للتحقيق معهم، فأفرج مساء عن رئيس البلدية قبل أن يعود ويتم توقيفه صباح امس السبت.

وخلال التحقيقات، إعترف علي الرفاعي بإقدامه على قتل الشيخ الرفاعي بمعاونة إبن عمه عبد الكريم، لتتواصل معهم التحقيقات لمعرفة مكان الجثة وهو ما إستلزم بعض الوقت، بخاصة مع محاولة علي عرقلة التحقيق بداية عبر الإرشاد إلى مكان سيارة الضحية، والتي وجدت قرب مستشفى هيكل في الكورة، ثم عبر محاولة التراجع عن إفادته صباح السبت ليعود بعد ذلك إلى الإقرار بكافة التفاصيل ومنها مكان وجود الجثة في عيون السمك.

وأشارت مصادر متابعة إلى أنّ أربعة أشخاص تمّ توجيه الإتهام إليهم بشكل مباشر بالضلوع المباشر تحريضاً وتنفيذاً في الجريمة. ثلاثة منهم من آل الرفاعي، والرابع من آل ميقاتي. حيث إعترفوا أنّ أسباب الجريمة تعود إلى خلافات سابقة حول شؤون بلدية وعقارية، بينما أشارت مصادر أخرى أنّ مخابرات الجيش اللبناني حصلت على تسجيل بصوت الشيخ أحمد الرفاعي يذكر فيه أن تهديدات بالقتل قد وُجهت إليه من بعض الموقوفين قبل أيام من الجريمة.

قصة الخلاف في بلدة القرقف العكارية، وتحديداً بين الشيخين يحيى الرفاعي وأحمد شعيب الرفاعي، ليست وليدة الساعة. بل بدأت عام 2012 عندما تقدّم عدد من أبناء القرية بشكاوى رسمية ضد الشيخ يحيى الذي يشغل منصب رئيس البلدية متهمين إياه بهدر المال العام والإثراء غير المشروع وتحويل المشاريع العامة إلى إستثمارات خاصة، فضلاً عن بيع مشاعات البلدة. وفي شكوى مفصلة قُدّمت إلى النيابة العامة المالية (الرقم 5072/2018)، طالب المعترضون بإلزام رئيس البلدية بوضع الأموال التي تقاضاها من بيع المشاع في صندوق البلدية تحت إشراف لجنة من الأهالي. كما قُدمت دعوى ضده أمام وزارة الداخلية والبلديات والتفتيش المركزي والهيئة العليا للتأديب (الرقم 850/2019)، تطلب التحقيق معه في أسباب “كسبه المادي بصورة فاحشة”، وخصوصاً أنه كان موظفاً في دائرة الأوقاف الإسلامية في عكار قبل فصله عام 2009 عقب خلافات وتبادل إتهامات بينه وبين رئيس دائرة الأوقاف الإسلامية الشيخ مالك جديدة.

ومع تصاعد الشكاوى والإعتراضات تطورت الخلافات إلى إشتباكات وصدامات حيث أحرق مجهولون سيارة الشيخ أحمد شعيب الرفاعي في حزيران 2019، الذي أصدر بياناً في حينه أكّد “أن كاميرا المراقبة في المنطقة وثّقت الحادثة وإلتقطت المعتدين”.

وحذّر في حينه من “التدخل بوقف الملاحقات أو تضليل التحقيق، ولا سيما أن الحادثة ليست الأولى من نوعها، إذ سبق أن أُحرقت سيارتا وليد عبود الرفاعي وخضر التلاوي، وكلاهما كانا على خلاف مع رئيس البلدية، وللأسف سجلت الجريمتان ضد مجهول ولم يوقف أحد”. وطالب وزيرة الداخلية في حينه ريا الحسن بـ”كفّ يد رئيس البلدية وإحالته إلى التحقيق في الدعاوى المقدمة ضده والمسجلة لدى قلم الوزارة”، مؤكداً أن “بلدة القرقف تعاني الإرهاب السياسي والمالي والإجتماعي والأمني، حيث تقام دولة ضمن الدولة عبر إستخدام رئيس البلدية نفوذه وعلاقاته ومصالحه”.

وقد وُجه الإتهام بإحراق السيارة إلى سائق زوجة رئيس البلدية الشيخ يحيى الرفاعي، فتم توقيفه وإخضاعه للتحقيق. الأمر لم يتوقف عند إحراق سيارة الشيخ أحمد الرفاعي، بل شهدت البلدة عملية تبادل لإطلاق النار بشكل كثيف في 11 شباط 2021، أي قبل سنتين تحددياً من حادثة إختطاف الرفاعي، وذلك بعد إستقدام شباب من ضيع أخرى توالي رئيس البلدية، الأمر الذي تسبب في حينه بحال من القلق والخوف في كافة البلدات والقرى العكارية.

ومع تواتر الأخبار حول مقتل الرفاعي، سادت حالة غليان في بلدة القرقف مما دفع الجيش اللبناني إلى إستقدام تعزيزات مؤللة كبيرة إلى البلدة منفذاً إنتشاراً في كافة شوارعها منعاً لأي ردّات فعل محتملة. كذلك شهدت القرى المحيطة تعزيزات مماثلة وبخاصة في بلدتي ببنين وفنيدق.

هذا ونعى مفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا، الشيخ الرفاعي، شاكراً الجيش اللبناني والقوى الأمنية على جهدها في كشف الحقيقة وتوقيف الجناة. ومؤكداً أنه “لا خلفيات سياسيّة وحزبية” وراء جريمة قتل الرفاعي.

Exit mobile version