Site icon PublicPresse

وقائع ملاحقة سلامة: صفعة للحاكم من سويسرا

رلى إبراهيم – الأخبار
إلى صدور مذكرة توقيف دولية بحقه في باريس أمس، تلقّى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة صفعة أخرى في الملف المتعلق بالتحقيقات المفتوحة ضده وضد شقيقه رجا وآخرين، بعدما ردّت المحكمة الجزائية الفيدرالية السويسرية في مدينة بيلينزونا كل الطلبات التي قدّمها محامو الحاكم لفكّ التعاون القضائي بين سويسرا وكل من لبنان وألمانيا وفرنسا ولوكسمبورغ.

لثلاثة أعوام، راهن سلامة على نجاحه في تعليق طلبات المساعدات القضائية بين سويسرا والدول الأوروبية ولبنان، مقدماً دفوعاً شكلية عدة، ومتذرعاً تارة بالحفاظ على القضاء السويسري، وتارة أخرى بأنه “مظلوم” يتم الاعتداء على حقوقه. إلا أن الأحكام الصادرة عن المحكمة السويسرية في 6 نيسان 2023 أسقطت كل حججه وأحلامه لسبب رئيسي، وهو أن “الإثبات على الجرائم واضح وكبير بحيث لا يحتمل الشكّ”، لافتة إلى أن تنفيذ طلبات المساعدة المتبادلة بين هذه الدول “ضرورة”، في إطار التحقيق في جرائم متنوعة، تبدأ بغسل الأموال واختلاس الأموال العامة ولا تنتهي بالتزوير والإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي. وفرضت المحكمة على المستأنف، أي سلامة، تعويضاً يتراوح بين أربعة آلاف فرنك سويسري و5 آلاف على كل من طلبات الاستئناف الأربعة لتغطية التكاليف، ومنحته مهلة محددة لتقديم استئناف جديد. علماً أن السؤال بات يدور حول مدى قانونية هذا الاستئناف بعد صدور مذكرة توقيف دولية بحقه، واتهام القاضية الفرنسية أود بوروزي له بجرائم تبييض أموال وتزوير واختلاس وإثراء غير مشروع، إذ من المرجح ألا تُقبل أي دفوع شكلية يقدّمها وكلاؤه بعد الآن.

من رجا إلى رياض
في معرض شرح القضاة الجزائيين الفيدراليين لقرارات رفض طلبات الاستئناف التي قدّمها سلامة، أعاد هؤلاء ذكر تفاصيل طلبات المساعدات المتبادلة. فقد أرسل لبنان إلى سويسرا، مطلع 2021، طلباً للتعاون في سياق فتح تحقيق أولي في تهم غسل الأموال الجسيم واختلاس الأموال العامة والتزوير واستخدام التزوير والإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي، بحسب القانون اللبناني، ضد سلامة وشركة “فوري” (لصاحبها رجا سلامة) وآخرين ممن يشتبه باختلاسهم أموالاً عامة من البنك المركزي اللبناني ابتداء من عام 2002، وبمبلغ يزيد على 300 مليون دولار دُفعت كعمولات ورسوم وفقاً لعقد بين المصرف والشركة. وجرى الأمر بتسهيل من أحد المصارف بدءاً من عام 2008.

ويتمحور الطلب اللبناني حول الحصول على وثائق مصرفية تسمح بكشف حركة السحوبات والدفوعات الخاصة بـ”فوري” إلى حساب خاص بها في سويسرا بعد تلقيها عمولات من “المركزي”، وإلى حساب لشركة “SI-2-SA” المسجلة باسم رياض سلامة، تلقى في 25 تشرين الأول 2011 دفعة قدرها 900 ألف فرنك سويسري، وحساب ثالث له تلقى في 4 تشرين الأول 2013 مليونين و154 ألفاً و360 دولاراً. و”صادف” في اليوم نفسه تغذية حساب “فوري” بالمبلغ نفسه. لذلك، اتخذ مكتب العدل الفيدرالي قراراً في 12 آذار 2021 بتنفيذ طلب المساعدة المتبادلة. لكن، في 9 حزيران 2021، طلبت سويسرا تزويدها بمعلومات إضافية قبل الاستجابة لكل طلبات لبنان في القضية، وسط وعود لبنانية بتنفيذ الطلبات فور تلقي المستندات المطلوبة. إلا أن أي ردّ لم يصل إلى السلطات السويسرية حتى الساعة. لاحقاً، أُبلغت شركة “SI-2-SA” بضرورة تقديم وثائق مصرفية متعلقة بها تنفيذاً للمساعدة المتبادلة مع لبنان، ومُنحت حقّ الاطلاع على المستندات التي ستُنقل مع طلب موافقتها على نقل هذه المستندات. وقد أتى جواب الشركة بالخضوع لكل ما تقرره السلطات السويسرية بهذا الشأن.

في 28 حزيران 2022، أبلغت السلطات السويسرية الشركة بتوافر وثائق إضافية بشأن العلاقة بين الحساب المفتوح باسمها وبين أحد المصارف السويسرية وأطلعتها عليها لإبداء الرأي. إلا أن “SI-2-SA”، “كما كان متوقعاً” لم تستجب للتبليغ، فأمرت السلطات بتسليم الدولة اللبنانية المستندات المصرفية المتعلقة بالشركة. في أيلول 2022، استأنفت شركة سلامة القرار أمام المحكمة الجزائية الفيدرالية، وطلبت إلغاء التعاون وعدم قبول الطلب اللبناني. واستمرت الشركة المستأنفة بتقديم الدفوع رغم تلقيها ردوداً برفض الاستئناف. واستندت المحكمة السويسرية في ذلك على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المبرمة في 31 تشرين الأول 2003 والتي دخلت حيّز التنفيذ في لبنان في 22 أيار 2009.

من جهته، تذرّع المستأنف، أي سلامة، في طلب الاستئناف بانتهاك مبدأ المعاملة بالمثل، مشيراً إلى أن لبنان رفض تقديم معلومات إضافية تطلبها سويسرا في 9 حزيران 2021، وبالتالي يفترض بالسلطات السويسرية معاملته بالمثل. ورغم أن القضاة السويسريين لفتوا إلى ضرورة ضمان مبدأ المعاملة بالمثل نظراً لعدم وجود أي معاهدة بين البلدين، إلا أنه “في المسائل الجزائية يمكن التنازل عن هذا الشرط عندما يكون تنفيذ الطلب ضرورياً بسبب طبيعة الجرم المرتكب، ولا سيما إذا كان جرماً كغسل الأموال واختلاس الأموال العامة. في هذه الحالة، يكون منح المساعدة مبرراً”.

في سياق آخر، تذرّع سلامة أيضاً بمخالفة مبدأ التناسب. إذ يُفترض، برأي وكيله، إرسال المستندات المتعلقة حصراً بتحويل مبلغ قدره 900 ألف فرنك سويسري تنفيذاً للطلب اللبناني، وليس كل الكشوفات الخاصة بالحساب منذ فتحه حتى نهاية عام 2021. هنا، رأت المحكمة السويسرية أن مبدأ التناسب يتأثر بما إذا كانت المعلومات المطلوبة ضرورية أو مفيدة، وهو أمر متروك لتقدير سلطات الادعاء في الدولة التي تطلب التعاون، أي لبنان. وفي حين يمنع مبدأ التناسب السلطة السويسرية من تجاوز الطلبات الموجهة إليها ومنح الدولة الطالبة أكثر مما طلبت، إلا أنه لا يمنعها من تفسير الطلب بشكل واسع إذا ثبت استيفاؤه جميع شروط منح المساعدة المتبادلة، بما يجعل من الممكن تجنب الطلبات الإضافية المحتملة. على هذا الأساس، يخضع استعراض المساعدة المتبادلة لمبدأ “المنفعة المحتملة” الذي يلعب دوراً حاسماً في تطبيق المبدأ. وتشدد السلطات السويسرية على “وجوب تمكن السلطات من التحقق من كل تفاصيل الحقائق الواردة في الطلب، بما فيها مصدرها وحركتها النهائية، لتعزيز اكتشاف الحقائق والمعلومات ووسائل الإثبات وكشف حقائق أخرى إن وجدت، وهي قد تكون مناسبة للاستخدام في التحقيق الأجنبي أيضاً. وعندما يهدف الطلب إلى توضيح مسار الأموال ذات الأصل الجرمي، فمن المستحسن من حيث المبدأ إبلاغ الدولة الطالبة بجميع المعاملات التي تتم باسم الأشخاص والشركات ومن خلال الحسابات المتورطة في القضية”. في هذه الحالة، تتمثل المساعدة المتبادلة المطلوبة في الحصول على المستندات المصرفية المتعلقة بالعلاقة المفتوحة في اسم المستأنف (“SI-2-SA”) الذي يعتبر سلامة المالك المستفيد منه مع المصرف السويسري من أجل السماح للدولة الطالبة بإعادة تشكيل مسار الأموال التي يحتمل أن تكون ناتجة من جرائم. ورأت المحكمة أن ادعاء الظلم الذي يتلطى وراءه سلامة لا أساس له من الصحة. وفي الختام، قضى القرار النهائي بتحمل الطرف الخاسر تكاليف الدعوى والحكم التي حُددت بـ5 آلاف فرنك سويسري.

لقراءة المقال كاملاً.. أنقر/ي هنا

Exit mobile version