Site icon PublicPresse

مذكّرة سلامة: على القضاء اللبناني أن “يُحاكِم أو يُسلِّم”

طوني عطية – نداء الوطن
في المبدأ القانوني السليم، “يبقى المتّهم بريئاً حتّى تثبت إدانته”، أمّا في البلدان الملتوية والمنهوبة، فيُصبح انعكاس الآية ممكناً وعادلاً، خصوصاً تجاه الحكّام والمسؤولين. ومن أبرز وصمات الخزي التي قد تلحق بدولة ما وبمنظومتها العميقة، هو اتهام حاكم مصرفها المركزي بالفساد والجرائم المالية، ليس لأنّه المسؤول الأول عن الإنهيار، بل كونه من أكثر شخصيات الشأن العام التي يتمّ اختيارها على قاعدة “رهبانية” ذهبية هي النزاهة والشفافية، التي تعتبر الرافعة والحصانة الأخلاقية والضمائرية في وجه العدالة الغائبة وفساد السياسيين وصفقاتهم. وإذا كان تاريخ القضاء اللبناني في إحقاق العدل وملاحقة الجرائم الدسمة أكانت سياسية أم مالية ومحاكمة كبار مرتكبيها، غير مشجّع، فتصبح المحاكم الدولية أو الخارجية، فرصة لأي مسؤول متّهم لإثبات براءته.

فهل يشكّل هروب رياض سلامة من العدالة الفرنسية مضبطة اتهامية بما يُنسب إليه محليّاً وخارجيّاً؟ وما هي مفاعيل مذكّرة التوقيف الصادرة بحقّه من قبل قاضية التحقيق أود بوريسي؟ وماذا عن تضارب الصلاحيات بين القضاءين اللبناني والفرنسي؟ وهل تحال القضية إلى مجلس الأمن؟

“حاكِم أو سلّم”، في حديث لـ”نداء الوطن”، يشرح أستاذ القانون الدولي د. حسن جوني، تبعات وخلفيات المذكّرة الباريسية المبنية على “إتفاقية تعاون بين لبنان وفرنسا والتي سمحت بمجيء الوفد القضائي الأوروبي إلى بيروت. واستندت إلى اتفاقية مكافحة الفساد ومن ضمنها غسل الأموال، التي تُعد من بين الجرائم الدولية والتي يبلغ عددها اليوم حوالى الـ21”. وأشار إلى أنه في هذه الحالة، تصبح “الصلاحية عالمية لا تأخذ في الإعتبار جنسية المتّهم أو الضحايا، من دون التعرّض لسيادة الدول التي يتمّ التحقيق فيها وملاحقة المتّهمين بتبييض الأموال”.

ويرى جوني أنه طالما “القضاء اللبناني أدعى في شباط الفائت عبر المدعي العام الإستئنافي في بيروت القاضي رجا حاموش على سلامة وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويّك، بجرائم اختلاس الأموال العامة والتزوير واستعمال المزور والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال، ومخالفة القانون الضريبي، يبرز لدينا مبدأ تضارب الصلاحيات بين القضاءين اللبناني والفرنسي”. أمام هذه المعادلة، يلفت جوني إلى وجود مبدأ قانوني دولي مهمّ هو “حاكِم أو سلّم”. أي عندما يعجز القضاء المحلّي عن محاكمة المتّهم أو تطبيق العدالة بحقّه، يتوجّب عليه أن يسلّم الملفّ.

ويستند جوني في رأيه إلى تصريح قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا عن “عدم إيجاد سلامة وبالتالي تبليغه وفق الأصول بوجوب مثوله أمام القضاء في باريس”، معتبراً أنّ “هذه الحجّة لا تمرّ على الفرنسيين، خصوصاً أنّ حاكم المصرف هو شخصية عامة ومعروفة ولديها تنقلاتها وحراسها وأمنها الشخصي. هذا التقصير قد يُفسّر لدى القضاء الفرنسي بأن الدولة اللبنانية غير قادرة على تنفيذ عدالتها أو أنها لا تريد. فهي إما عاجزة أو ليس لديها النيّة”.

في هذا الحالة، ما مصير القضية؟ يقول أستاذ القانون الدولي، إنّ “أمام القضية مسارين: الأوّل أن يعتمد القضاءان الفرنسي واللبناني المحاكمات الغيابية (عملاً بالنظام اللاتيني) بعد إرسال مذكّرات وتبليغات عدّة. وهذا ما قد تلجأ إليه فرنسا في حال تمنّع سلامة عن المثول أمام محاكمها. أما الثاني وهو مستبعد جدّاً، فإحالة القضية إلى مجلس الأمن. في هذه الحالة يحقّ له وفق المادة (2) الفقرة (7) التدخلّ بحريّة بمعزل عن مسألة سيادة الدولة كما حصل في العراق والسودان على سبيل المثال، إذا وجد أن الجريمة تشكّل تهديداً للأمن والسلم الدوليين، وهذا غير متوفّر في قضية سلامة”.

أمّا عن مذكّرة التوقيف الدولية، فيرى أن سلامة قد يعمد عبر وكلائه إلى الطعن بالنقطة الحمراء الصادرة عن الإنتربول، تحت ذريعة أن هدف الملاحقة هو سياسي، عندها تسقط الملاحقة. في المقابل، يستبعد جوني حصول هذا الأمر، “كون القضاء الفرنسي غير مسيّس كالقضاء اللبناني ويتمتّع بمصداقية دولية”، مردفاً أنّ قضية سلامة لا تشبه قضية كارلوس غصن الهارب من السجن. وختم جوني داعياً سلامة إلى “التنحّي عن منصبه وعدم ممارسة مهامه الوظيفية، ريثما يُثبت براءته”.

في المقابل، يرى المحامي د. أنطوان سعد، أنّه يحقّ للقضاء الفرنسي الإدعاء على سلامة بصفته حامل الجنسية الفرنسية. ويرى أنّ “تنازع الصلاحيات لا يتمّ إلا في حال ثبت لدى المودعين أو المدعين الذين يحملون الجنسية الفرنسية بحقّ حاكم المصرف المركزي أمام القضاء اللبناني وتبيّن لهم أن الأخير “يستنكف عن إحقاق الحقّ”. عندها يحقّ لهم التوجّه إلى القضاء الفرنسي.

وفي هذا السياق، سأل سعد: “هل نحن أمام تحقيق حيادي من دون غايات، في حين أننا عرفنا وبعض المتابعين بمسألة المذكرة قبل 10 أيام من صدورها”. واعتبر أنّ المذكرة لم تسلك مسارها القضائي والقانوني السليم، بإحالتها إلى وزارة العدل، ورسالة أخرى إلى حكومة تصريف الأعمال. وبالتالي “لدى مدعي عام التمييز في لبنان غسّان عويدات صلاحية بوقف الملاحقة إذا ما رأى أنها بخلفيات سياسية، وإذا لم يقتنع بالحجج المسندة إليها، وهو ما يمكن أن يستفيد منه سلامة الذي يملك الحق في مراجعة المذكرة”.

واعتبر سعد أنّ “سلامة الذي استجاب لرغبات السلطة السياسية منذ عقود، عجز القضاء اللبناني عن محاكمته، وأن استنساب العدالة هو الحاكم في لبنان على غرار القاضية غادة عون التي تفتح ملفات وتغضّ النظر عن بعضها، تدّعي على مصارف معيّنة دون غيرها. ولا ننسى الإخراج القضائي الذي حصل في قضية تفجير مرفأ بيروت”.

Exit mobile version