Site icon PublicPresse

مرفأ بيروت لا يحتاج إلى البنك الدولي

رلى إبراهيم – الأخبار
خلال آب الماضي وصل إلى مرفأ بيروت نحو 89 ألف حاوية مقارنة مع نحو 40 ألفاً في آذار الماضي. وهو رقم قياسي لم يسبق أن حقّقه المرفأ منذ اندلاع الأزمة في صيف 2019. وتُرجم ذلك زيادة في إيرادات المرفأ التي وصلت إلى 14 مليون دولار شهرياً بعدما كان سقفها في السنوات الثلاث الأخيرة لا يتجاوز 10 ملايين دولار. هكذا، استعاد المرفأ عافيته بعد 3 أعوام على انفجار 4 آب 2020، وما لحقه من أعطال في محطة الحاويات وحركة السفن وتضرّر موقعه الاستراتيجي كمركز رئيسي لإعادة تصدير البضائع في المنطقة من البواخر الكبيرة التي لا يمكن للموانئ الصغيرة استقبالها، وصولاً إلى البواخر الأصغر. كل ذلك حصل من دون مساهمة دولية، وبلا كل البرامج التي طُرحت بعنوان “إعادة إعمار المرفأ”. فقد تبيّن أن المرفأ ليس بحاجة إلى إعادة إعمار، بل إلى تطوير كان يُعمل عليه قبل الأزمة وقبل الإنفجار.

في الواقع، حصل هذا النهوض في المرفأ رغم مساعي وضع اليد والعرقلة الأجنبية. فمن بعد العرض الألماني، ثم العروض الأخرى، تبيّن أن البنك الدولي أعدّ مخطّطاً بعنوان “إعمار مرفأ بيروت وتطويره” قدّمه للبنان على شكل هبة. الهدف الواضح من مشروع البنك الدولي، تعطيل هذا المرفق العام لمصلحة تحويله إلى منطقة سياحية تطغى عليها المطاعم والمتاجر، مقابل الإبقاء على مساحة صغيرة منه لتعمل كـ”ميني مرفأ”. مشروع كهذا، سيُخرِج مرفأ بيروت من الخريطة التجارية العالمية وسيلغي موقعه المكتسب من خريطة المرافئ في المنطقة، وهو أمر لا يصبّ سوى في مصلحة العدو الإسرائيلي لإنعاش مرفأ حيفا، وهذه نوايا لم يُخفِها المجتمع الدولي سابقاً.

رئيس مجلس إدارة المرفأ عمر عيتاني رفض عرض البنك الدولي. وقد سبق أن رُفض العرض الذي تقدّمت به ألمانيا بعد أشهر على الانفجار، إذ قضى يومها بتقسيم المرفأ إلى قسمين: قسم يشكّل محطة الحاويات ومرفقاتها، وقسم آخر يتمّ تطويره لبناء مدينة صغيرة نموذجية عبر ردم مساحات إضافية من البحر بما يشبه مشروع “سوليدير”، على أن تتولى شركات ألمانية الإدارة لمدة 20 عاماً. وتلا العرض الألماني، عرض شفهي فرنسي وآخر صيني إنما بقيا من دون أيّ مستندات رسمية.

واقع الحال، أن المجتمع الدولي يجول في البلد منذ ثلاثة أعوام باحثاً عن سبل لخصخصة المرفأ وتحجيم دوره، مقدّماً إغراءات على شكل عروض “إعادة إعمار” وهمية، إذ لا يحتاج المرفأ إلى أي إعمار وهو يعمل بشكل طبيعي وبكامل طاقته ويحقق إيرادات قياسية، إذ أُنجز “تلزيم إدارة وتشغيل وصيانة محطة الحاويات لشركة cma cgm الفرنسية منذ عام ونصف عام، وتمّ تشغيل الرافعات الـ16. وأيضاً بعد عودة محطة البضائع إلى العمل كالمعتاد وترميم مباني المنطقة الحرة وقيام الشركات الخاصة بصيانة المساحات المستأجرة من قبلها في المرفأ” بحسب عيتاني. وبالتالي جلّ ما يحتاج إليه المرفأ اليوم هو «صيانة يمكن تسديد كلفتها من خلال النفقات التشغيلية، وتعديل خطّة السير داخل المرفأ وتطوير وتحديث بعض البرامج والأنظمة بما يتناسب مع المعايير العالمية. وتلك اقتراحات موجودة في مشروع مُعَدّ من قبل الإدارة، ما يؤكد عدم الحاجة إلى أي مساعدة دولية مهما كانت”. وقد بوشر العمل على إعداد دفتر شروط لترميم محطة الركاب في الرصيف الرقم 5، علماً أنها تعمل اليوم واستقبلت أخيراً باخرة ركاب كبيرة فأُدخلت وتأمّنت عودتها بسلاسة.

مزايدة خردة الإنفجار
بعيداً من “كذبة” الحاجة إلى إعادة إعمار المرفأ والغايات التي تقف وراءها، ثمة مشاكل في المرفأ مثل انخفاض عدد الموظفين من 1200 إلى 170 وصعوبة التوظيف بسبب القوانين التي تمنع ذلك، بحسب عيتاني. وهذا الرقم مرجّح للانخفاض أكثر مع خروج عدد إضافي من الموظفين قريباً إلى التقاعد ممن يشغلون مواقع مهمة: «من شأن ذلك أن يؤثّر على الإنتاجية، لذا هناك ضرورة قصوى لإيجاد حلّ تفادياً لتعطّل عمل الإدارة» يقول عيتاني.

هناك معضلة أخرى عصية على التفسير تتمثّل بترك الخردة الناتجة عن مخلّفات الانفجار على أرض المرفأ لثلاث سنوات من دون رفعها، علماً أن الرفع لا يكبّد الدولة أي قرش بل بالعكس يحقّق لها إيرادات. فالخردة هي بمثابة «ثروة» من النحاس والحديد يتنافس المقاولون عادة على شرائها. إنما هذه المعضلة باتت قريبة من الحل، إذ إنه يوم الثلاثاء الماضي، أطلقت وزارة الأشغال وإدارة المرفأ وهيئة الشراء العام، مزايدة عموميّة لبيع الخردة التي قدّرها الجيش بأكثر من 18 ألف طن. وكما في مسألة إعادة إعمار المرفأ، حاولت سابقاً إحدى الشركات الفرنسية وتدعى “recigroup” الاستيلاء على الخردة، وغلّفت نواياها بمحاولة إظهار الرغبة بمساعدة لبنان على رفع الأنقاض عن أرض المرفأ، وطالبت بأجر قيمته 6 ملايين يورو لقاء ما أسمته “معالجة الخردة” واشترطت منحها حقّ الاستفادة منها وبيعها وقبض ثمنها!

وزارة الأشغال من جهتها رفضت الطلب، لكن دخلت شركة أخرى من شباك ألماني، إذ حاولت شركة “كومبي ليفت” (combi lift) الألمانية التوسط لدى وزير الأشغال السابق ميشال نجار وأكّدت استعدادها لتأمين هبة لتسديد الـ 6 ملايين يورو التي يطلبها الفرنسيون، مقابل الموافقة على دراسة الفرنسيين وإعطائهم الإذن ببيع أنقاض المرفأ! علماً أن “كومبي ليفت” هي الشركة نفسها التي فرضت على الدولة عقداً بقيمة 3 ملايين دولار لنقل المستوعبات التي تحتوي على موادّ خطرة من المرفأ قبل أن يتبين لاحقاً أنها مجرد مستودعات تركها أصحابها وتحتوي على بضائع مثل أجهزة التلفاز والصابون ومستحضرات الشعر والاستحمام وغيرها.

مزايدة الخردة لن تشمل هياكل السيارات المحطّمة التي يبلغ عددها نحو 1200 سيارة، إذ يفترض أن يقوم الجمرك بعرضها في المزاد العلني. إنما ثمة مشكلة في تسكير قيودها. وهناك من يقول إن هذه المسألة تحتاج إلى قانون صادر عن مجلس النواب في ظل تعطّل التشريع، في حين أن إدارة المرفأ أعدّت دفتر شروط لبيع السيارات، وتبحث عن آلية تسمح لها بإطلاق مناقصة عبر قرار حكومي طالما أن عائدات تلك المناقصة ستُحوّل مباشرة إلى الخزينة العامة.

من يستفيد من الحجز على ملايين الدولارات؟ أنقر/ي هنا

Exit mobile version