Site icon PublicPresse

أوروبا والهجرة: الأمن قبل السياسة والتنمية!

فراس الشوفي – الأخبار
تغرق الأمم الأوروبية، أكثر فأكثر، في أزمة المهاجرين. مشاعر الحقد والخوف تتعاظم عند سكّان القارة تجاه الوافدين الجدد من الشرق وإفريقيا، حتى صارت أبواب السياسة مشرّعة أمام قوى اليمين، بعد عقود من الرّكود. أما أحزاب “اليسار الجديد”، فقد دخلت سباق الشعبوية، حاملةً سلاح التحريض على الوجوه الداكنة، في البلاد الباردة.

صار المشهد سورياليّاً، إلى درجة انقلاب الحزب الديموقراطي المسيحي في ألمانيا، على سياسات اللجوء والاندماج التي صاغتها إنجيلا ميركل نفسها، في تنافس الديموقراطيين المسيحيين الحاد مع حزب البديل الألماني، اليميني المتطرّف.

المستقبل بالنسبة إلى الأوروبيين ليس أفضل. فهم يساهمون في تمدّد الحرب في أوكرانيا إلى البلقان والقوقاز، وتستعر صراعات الممرّات من المحيط الهندي إلى شواطئ الأطلسي الإفريقية. بعد ليبيا، والسودان، ها هو الساحل الإفريقي يعسّ قبل الاشتعال الكبير، منذراً بموجة لجوء جديدة نحو “الحلم” الأوروبي. وعلى أية حال، يبقى قيظ الصحراء الكبرى وبرودة قاع البحر المتوسط، بالنسبة إلى المهاجرين، أكثر أماناً من حروب النفوذ والجنرالات والمعادن.

الحال هنا على الشاطئ الشرقي للمتوسط، تختصره قبرص هذه الأيام، وهي تستجير بالاتحاد الأوروبي مع تدفّق المراكب من شواطئ لبنان وسوريا، وبعدما فتح الأتراك “حنفيّة” اللجوء أخيراً، في لعبة ابتزاز جديدة للأوروبيين، بعيداً من البرّ التركي هذه المرّة.

طبعاً، تمنع العنجهيّة الفرنسية والبريطانية والألمانية، تحديداً، حكومات باريس ولندن وبرلين الحالية، عن النظر إلى الأزمة في أسبابها. وبدل ذلك، تكشّر أوروبا الغربية عن أنيابها في مواجهة أزمة الهجرة، بحلول أمنيّة، تأخذ شكل الضغوط على دول أوروبا الجنوبية مثل إسبانيا وإيطاليا واليونان لمكافحة الهجرة ودمج أعداد من المهاجرين لا توافق عليها الحكومات. وكذلك، على شكل اتفاقات أمنية مع دول شمال إفريقيا ولبنان لكبح موجات اللجوء ورفع الأسوار وحصار البحر، مقابل الدعم المالي واللوجستي للأجهزة الأمنية والعسكرية، في دولٍ ومجتمعات تتراقص فوق الدم، جراء الحروب والاقتصاد والتغيّر المناخي والهيمنة الاستعمارية.

ويترافق هذا المسار، الخطير، مع خطط التقليص الواضحة للمنح والهبات والاستثمارات التي كانت تصرفها أوروبا الغربية والولايات المتحدة، على المنظمات الدولية وبعض أشكال الدعم/ (البنج)، في المشرق العربي وشمال إفريقيا، للحكومات والمنظمات غير الحكومية العاملة في فلكها. والآن بدأ الدعم يتركّز في هذه البلدان على التعاون العسكري والأمني. على سبيل المثال، ما يحصل في لبنان وسوريا، حيث يساهم الأوروبيون في الضغط على دمشق بكل أشكال الحصار وإغراق لبنان بالنازحين، وترك البلد والدولة للانحلال. المهم، التعاون الأمني والعسكري لمنع الهجرة ومراقبة البحر. وكأنّ لبنان سجنٌ كبيرٌ للبنانيين والسورييّن معاً، يختار منه الأوروبيون من يأتي إليهم ومن يهاجر، خدمةً للماكينة الصناعيّة في ألمانيا وسوق العمل في فرنسا وبريطانيا والتحدّي الديموغرافي في أوروبا الشمالية عموماً.

أمّا الذرائع الأوروبية لمثل هذه السياسات، فهي الحاجة إلى تغطية تكلفة اللاجئين الأوكران، الذين لا تضيق الصّدور بهم في أوروبا. فالصليب الأحمر الدولي، مثلاً (تغذيه بشكل رئيسي سويسرا وألمانيا والولايات المتحدة)، أغلق أخيراً، أكثر من ثلاثين مقرّاً حول العالم في دولٍ بأمسّ الحاجة إلى الدعم والرعاية، بذريعة تركيز الأولويات على أوكرانيا.

الاعتقاد بأن الدول الأوروبية العميقة لا تدرك مخاطر لعبة الانغماس في الفوضى السياسية والإهمال في حوض المتوسط وجنوبه، والرهان على نتائج إيجابية، ليس أمراً معقولاً. لكنّ الأرجح، أن السّعار الأوروبي الحالي، يندرج ضمن إطار التخبّط العام في القارة العجوز، وغياب الحول والقوّة، وأساسه انفصام أخلاقي، يبرّر لحامله العنف والعنصرية والهيمنة!

Exit mobile version