Site icon PublicPresse

خصخصة الرقابة على المصارف

محمد وهبة – الأخبار
في 10 تشرين الثاني من السنة الجارية، أحال نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، مشروع قانون يتعلق بـ”إصلاح أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها”. وقال الشامي في الرسالة الموجّهة للأمانة العامة، إن المشروع معدّ من لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان. وبدا كأن الشامي يتبنّى المشروع، رغم أنه ليس من معدّيه، بينما كان واضحاً أن النسخة الأولى منه صيغت على يد خبراء في صندوق النقد الدولي، ثم أعيد تنقيحها في لجنة الرقابة على المصارف وتبنّاها مصرف لبنان أيضاً، من دون أن يكون هناك أي مراسلات رسمية بين الأطراف المعنية.

يعتري المشروع الكثير من الملاحظات التي تجعله مفخّخاً. وقد بدا لوهلة كأنه مصمّم من أجل منح لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان إبراء ذمة تجاه تحديد الخسائر وتجاه أيّ مسؤوليات قانونية يرتّبها ذلك، من خلال خصخصة الرقابة على المصارف ونقل مسؤولية تحديد الخسائر من اللجنة إلى شركات خارجية. وقد أضيفت لهذه الغاية مجموعة بنود وعبارات لتعطيل مجموعة من القوانين الموجودة أصلاً والتي تحمل وظيفة أساسية تكمن في تحديد الخسائر وإحالة المخالفات إلى القضاء. عملياً، بدا المشروع من خلال الخصخصة وإبراء الذمة كأنه يدمج بين عمليتَي تحديد الخسائر وتوزيعها بشكل غير عادل وغير هادف.

معظم ما ورد في المشروع المقترح، موجود أصلاً في عدد من القوانين السارية منذ عقود. لكن إعادة ترتيبها في هذا القانون تنطوي على هدف أساسي يكمن في إلغاء أيّ فصل بين تحديد الخسائر وعملية توزيعها. فالمادة 38 تشير بوضوح إلى أن أحكام القانون المقترح «تحلّ مكان أحكام أيّ قوانين أو أنظمة أخرى تتعارض مع مضمونه مثل: قانون التجارة البرية، قانون النقد والتسليف، قانون الموجبات والعقود، القانون 2/67 المتعلق بالمصارف التي تتوقف عن الدفع والقانون 28/67 المتعلق بإنشاء المؤسسة الوطنية لضمان الودائع، والقانون 110 المتعلق بإصلاح الوضع المصرفي». الهدف من هذا الإحلال، بحسب تفسير عضو سابق في لجنة الرقابة على المصارف، يكمن في تعطيل مواد هذه القوانين المذكورة، لجهة توزيع المسؤوليات والوظائف. فالمادة 134 من قانون النقد والتسليف التي تأتي في القسم الرابع بعنوان «موجبات المصارف»، تتحدث بشكل واضح عن مسؤولية لجنة الرقابة على المصارف في تقدير خسائر المصارف، بينما المشروع المقترح يمنح هذه الصلاحية لشركة تقييم خارجية تعيّنها اللجنة أو تسمح هذه الأخيرة للمصارف بتعيينها. ومن جملة المواد التي يعطّلها المشروع المقترح، المادتان 19 و20 من قانون النقد والتسليف المتعلقتان بحالات إقالة الحاكم ونوابه بسبب الإخلال بالواجبات الوظيفية أو لخطأ فادح في تسيير الأعمال، إذ إنه بحسب المادة الثامنة من القانون 28/67 تطلق هاتان المادتان على لجنة الرقابة على المصارف أيضاً.

وكان لافتاً أن المشروع لم يعطّل قانون الدمج المصرفي، ما يعني أن أحكامه قد تستخدم لاحقاً لتمويل عمليات الدمج بواسطة المال العام، وهذا ما حصل منذ إقرار هذا القانون.
إذاً، ثمة سؤال أساسي في هذا المجال: أيّ دور تتركه لجنة الرقابة لنفسها طالما أنها هي المعنية بتحديد الخسائر، وأنها مسؤولة قانوناً عن عملها؟ عملياً، ما ستقوم به بحسب المشروع المقترح، هو أنها ستطبّق المادة العاشرة من المشروع المقترح التي تمنحها صلاحية تعيين مقيّمين مستقلين أو الطلب من المصارف تعيين مقيّم مستقلّ.

وما يعزّز هذا الاستدلال، أن مشروع القانون المقترح يؤمّن الحماية القانونية للجنة ولسائر المسؤولين. فالمادة 35 من المشروع تشير إلى أنه «لا يترتّب على الهيئة المختصة ولجنة الرقابة على المصارف والمدير المؤقت والمصفي/ لجنة التصفيات والمقيمين المستقلين وشركائهم في عقد شراكة والجهات الخارجية التي يتعاقدون معها وأيّ مفوض مراقبة يجري تدقيقاً في الحسابات تطلبه لجنة الرقابة على المصارف، والأعضاء والموظفين في المؤسسات أعلاه وممثليها السابقين أو الحاليين، أيّ مسؤولية بخصوص أيّ عمل أو إغفال حصل خلال ممارسة صلاحياتهم ومسؤولياتهم الملحوظة في القانون، إلا إذا صدر حكم مبرم يثبت أن العمل أو الإغفال لم يحصل عن حسن نية أو أنه ناتج من احتيال أو إهمال فأدرح من قبلهم». هكذا أصبحت المحاكمة عن الأخطاء والإهمال والشبهات الأخرى تتطلّب محاكمة تثبتها. وبهذا المعنى، فإن هذه المادة صارت تساوي براءة ذمة شاملة وكاملة لكل الذين مارسوا مسؤوليات أو سيمارسونها. وهذه الحماية القانونية تمتدّ في بنود مشروع القانون المقترح. فالمادة 16 تشير في نهايتها إلى أنه سيتم منح الهيئة المختصة صلاحية تخطي تقرير التقييم المستقل لإعادة العملية، على أن تكون نتائج التقييم الثانية نهائية وملزمة.
وبراءة الذمة هذه، أو الحماية القانونية، لن تكون محصورة بلجنة الرقابة على المصارف وبحاكم مصرف لبنان ونوابه، بل تشمل أيضاً أصحاب المصارف. فمع تعطيل المادتين 205 و206 من قانون النقد والتسليف ستلغى الإجراءات القانونية. فالمادة الأولى تقول إنه لا يمكن لأيّ مصرف «التذرّع بالرقابة التي يقوم بها المصرف المركزي للتملّص من المسؤوليات المدنية أو الجزائية التي قد تكون وقعت عليهما. ولا يمكنهما التوسّل بهذه الرقابة كعنصر دعاية»، والثانية تقول إنه تتم «ملاحقة مخالفات قانون النقد والتسليف أمام المحاكم الجزائية”.

كل ذلك يتمّ بدلاً من تطبيق القانون 110 الذي ينشئ محكمة مصرفية خاصة للتعامل مع حالات الإفلاس والتصفية في المصارف. وبموجب المادة 42 من مشروع القانون المقترح، حدّدت حالات إعادة التقييم بعد تحديث نسبة الخسائر في توظيفات المصارف في سندات اليوروبوندز… لكن ما الداعي لذلك ما دام هذا الأمر يقع ضمن صلب عمل لجنة الرقابة حالياً؟ أليست اللجنة معنية بمراقبة المصارف والتأكد من مستويات الربحية والخسائر والملاءة المالية والسيولة وسائر المؤشرات؟ فالسيولة الخارجية للمصارف محدّدة الآن بالتعميم 154، والملاءة المالية محدّدة الآن بالتعميم 44. عملياً، بموجب المادة 42 من المشروع المقترح، ستصبح خسائر المصارف محدّدة من قبل المصارف.

وبحسب المادة 40، سيكون أمام المصارف شهران فقط لإصلاح أوضاعها، بينما سيتبيّن أن هناك مصارف سقطت حكماً بموجب إقرار القانون فقط ومن دون تقييم. وهذه التصفية الفورية لجزء كبير من القطاع ترتبط بمسألة أساسية هي «تصفية الودائع. ففي مطلع القانون المقترح، جرى إقرار «مفهوم المودع الواحد» الذي يجمع حسابات المودع الفردية والمشتركة مع غيره في كل المصارف، بحساب واحد يكون خاضعاً للضمانة. وستطبق على كل حسابات المودع في كل المصارف بموجب مفهوم المودع الواحد وبموجب المادة 28 من مشروع القانون، الضمانة المحدّدة في حالة التصفية والتي تغطّيها مؤسّسة ضمان الودائع «المفلسة عملياً مثل كل المصارف» يقول المسؤول السابق. عملياً، سيشطب القسم الأكبر من الودائع عبر هذا المفهوم، فضلاً عن أن القانون لا يشير بأيّ شكل من الأشكال إلى كيفية الحفاظ على الحدّ الأدنى من الوديعة بقيمة 100 ألف دولار.

وللمقارنة، فإنه في أميركا وأوروبا يطبّق مفهوم الحساب الواحد، أي أن كل حسابات المودع، مهما تعدّدت في المصارف، تكون مغطاة. وقيمة التغطية في أميركا للحساب الواحد تبلغ 250 ألف دولار، أما في أوروبا فتبلغ 100 ألف يورو. وفي لبنان، فإن ضمانة المؤسسة الوطنية لضمان الودائع ما زالت تبلغ 75 مليون ليرة.

في الواقع، يجب التمييز بين تحديد الخسائر وتوزيعها. التحديد هو من صلب دور لجنة الرقابة على المصارف، بينما التوزيع هو عملية إعادة تركيب للحسابات لدى الجميع. الفصل بينهما من الوجهة القانونية أمر مهمّ وحيوي. تحديد الخسائر هو أمر تقني، أما مسألة توزيعها فهو شأن سياسي.

Exit mobile version