Site icon PublicPresse

النيابات العامة.. بين السياسة والقانون

القضاء - قصر العدل زحلة

المحامي أمين عبد الكريم – الجمهورية
كثيرة هي المغالطات القانونية والاشاعات التي تضلّل الرأي العام في لبنان في ظل الكباش القضائي-القضائي والقضائي- السياسي والقضائي- المصرفي الحاصل، وآخرها ما يتعلق بالنيابات العامة في لبنان ودورها وطريقة عملها وصلاحياتها.

مواضيع ونقاشات قانونية عدة يجب توضيحها للرأي العام منعاً لتشتيت المجتمع وخلقِ أفكار مغلوطة في ذهنه لا تمتّ الى القانون بصلة، وحَملهِ على الاعتقاد ان ما قام به بعض قضاة النيابات العامة هو عمل كيدي وغير قانوني، خدمةً لأصحاب النفوذ والمال. وقد ذهب بعض الاعلاميين بعيداً في اتهاماتهم هذه، إذ تم اتهام بعض القضاة بالمخبرين او العملاء لمصلحة بعض أجهزة الاستخبارات الغربية والعواصم الأوروبية تحديداً، بنحوٍ بعيد كل البعد عن المنطق والحقيقة، وذلك فقط لمجرد تأديتهم دوراً ايجابياً في ممارسة مهماتهم وواجباتهم الوظيفية وفقاً لاقتناعاتهم، وفتح ملفات كانت تُعتَبَر منذ زمن بعيد حتى الأمس القريب من الخطوط الحمراء، ما لم يعتد عليه المواطن اللبناني الذي تربى على مقولة “هيدا مين بيسترجي يدقّ فيه”.

أما ما يثير الاستغراب أكثر، فهو قوة الاعلام وقدرته على تضليل الناس وحملهم على تصديق كل ما يسمعونه ويشاهدونه، ولو على حساب مصالحهم الخاصة وودائعهم التي باتت أرقاماً لا قيمة لها تذوب يوماً بعد يوم من خلال هرطقات و”تعاميم” كما لو أن ما يعيشونه اليوم أصبحَ أمراً واقعاً، الى درجة انه تم إقناعهم أن تلك الودائع لم تعُد ملكَاً لهم ولا حق لهم بها. وباتَ المواطنون يتبادلون الأحاديث في مجالسِهم عن “المخالفات” التي يرتكبُها بنظرهم ونظر بعض الاعلام هذا القاضي أو ذاك على رغم من عدم صحة هذه الادعاءات المدفوعة سلفاً وقانونيتها.

واضحٌ هو دور النيابة العامة في القانون اللبناني ولا لُبسَ فيه، حيث وبحسب المادة السادسة من قانون أصول المحاكمات الجزائية، تتولى النيابة العامة ممارسة الحق العام، أي حق المجتمع الذي لا يجوز لها أصلاً التنازل عنه أو المصالحة عليه، والا تكون النيابة العامة مقصّرة في أداء المهمات الموكلة اليها.

وعلى رغم من أن النائب العام لدى محكمة التمييز يرأس كافة النيابات العامة وله حق اعطاء توجيهاته وتعليماته لسائر النيابات العامة لتسيير دعوى الحق العام وفقاً لما جاء في المادة 13 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، الا أن هذا الحق لا يحول دون ممارسة النائب العام الاستئنافي أو المالي ومَن يعاونهما الحق في تحريك دعوى الحق العام فورَ علِمهم بجرمٍ مرتَكَب. ومن غير القانوني مثلاً القول انّ المحامي العام قد خالفَ القانون لمجرد إقدامه على تحريك دعوى الحق العام من دون استئذان أو الاستحصال على موافقة مسبقة من النائب العام الاستئنافي او النائب العام لدى محكمة التمييز، اذ انّ هذا الحق ليس ملكاً لشخص معيّن بل هو ملك للمجتمع ولا يجوز بحسب القانون التنازل عنه لا بفعلٍ إيجابي من خلال الايعاز مثلاً لأحد قضاة النيابة بعدم تحريك دعوى الحق العام ولا حتى بفعلٍ سلبي كالامتناع عن تحريك دعوى الحق العام في جرم يُفترض انه وَقَع وبالتالي وُجِبَت مباشرة التحقيق فيه.

وفي اي حال، يبقى للمتضرر من القرارات والتدابير التي يتخذها قضاة النيابات العامة، الحق الكامل في التقدم بدفوع شكلية أمام قاضي التحقيق لرد الدعوى عنه، كما له الحق في التقدم بطلبات للرجوع عن أي تدبير اتخذ اعتبرَهُ المدعى عليه مُجحفاً في حقهِ أو غير قانوني، خصوصا ان التدابير والقرارات التي يتخذها قضاة النيابة العامة هي قرارات لها طابع اداري ولا تُعتبَر من القرارات القضائية، وبالتالي ان هذه الحملات التي يتم شنّها على بعض القضاة هي مشبوهة وبعيدة من منطق القانون.

Exit mobile version