Site icon PublicPresse

عون يهاجم المنظومة التي تمنع المحاسبة وتعطّل المؤسسات: إنتقاد مباشر لبرّي وعتب واضح على حزب الله

ميشال عون

للمرة الأولى منذ عودته إلى لبنان، أشهر رئيس الجمهورية ميشال عون سلاح “اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة”. لكنه في كلمة بدت لافتة بمضمونها إتّهم حلفاءه بدفعه باتجاه إعتماد خطة مواجهة جديدة، داعياً إلى حوار حول اللامركزية وخطة تعافٍ والإستراتيجية الدفاعية، علماً بأن كل من إستمع إليه أمس، خرج بانطباع حول انزعاج كبير لدى رئيس الجمهورية من “المنظومة”، مهاجماً الرئيس نبيه بري من دون أن يسميه، وغامزاً مرات عدة من قناة حزب الله. بحسب صحيفة “الأخبار”.

عون إنطلق في خطاب “مصارحة الشعب” بالقول: “يجب أن نبقى في وطن واحد وفي دولة واحدة، إنما يجب أن نتعلّم من التجربة، وأن نعدّل نظام الحكم كي تصبح الدولة قابلة للحياة”، داعياً إلى أن تكون الإنتخابات النيابية المقبلة إستفتاء على أساس “الإنتقال إلى دولة مدنية، ونظام جديد ركيزته الأساسية اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة”، ومشدداً على أن الحلّ لا يزال ممكناً “من ضمن وثيقة الوفاق الوطني، وهو يقتضي أولاً إجراء المحاسبة، أي تحديد المسؤولية عن الإنهيار، وحماية أموال الناس وإعادتها الى المودعين”. وختم بالدعوة إلى حوار وطني عاجل، محدّداً ثلاث مسائل رئيسية من أجل التفاهم والعمل على إقرارها لاحقاً ضمن المؤسسات، وهي: اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، والاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان، وخطة التعافي المالي والإقتصادي، بما فيها الإصلاحات اللازمة والتوزيع العادل للخسائر. مع تشديده على أن “المساءلة والمحاسبة والتدقيق شرط لكي نغلق حسابات الماضي ونعيد للبنانيين حقوقهم وأموالهم”.

الهجوم على مجلس النواب
عون كرّس الجزء الأكبر من كلمته للهجوم على مجلس النواب ومن ورائه رئيسه من دون تسميته. وحدّد أسباب “التعطيل المتعمّد والممنهج وغير المبرّر الذي يؤدي إلى تفكيك المؤسسات وانحلال الدولة، من تعطيل المجلس الدستوري عبر إسقاط أهم محكمة دستورية بالعجز عن اتخاذ قرار حول نص دستوري واضح، على غرار ما حصل بالنسبة الى المادة 57 من الدستور (…) وصار معروفاً من وراء التعطيل، والمسؤولون عن هذا الأمر يعرفون أنفسهم وباتت الناس تعرفهم أيضاً”.

كذلك تناول عملية إسقاط خطة التعافي المالي التي وضعتها الحكومة السابقة، “ما أدى إلى تأخير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وباتت كلفة الحل أكبر، وخسارة الناس تزداد. فيما عدم وجود خطة وتحديد واضح للخسائر مع توزيع عادل لها، إنما يؤدي الى عدم توافر دعم دولي، وهكذا يضرب التعطيل مصالح الناس”.

وتطرق عون إلى تعطيل الحكومة الذي تسبّب “بشلل الإدارة، في وقت ينتظر فيه الموظفون حقوقهم، والمستشفيات مستحقاتها، والمرضى العلاج”، ليطرح أسئلة مباشرة مثل: “من المسؤول عن عدم وضع موازنة العام الفائت، وما هو مصيرها هذه السنة؟ من عرقل التدقيق الجنائي؟ وهل الهدف من المماطلة إخفاء أو تغطية أصحاب المليارات المسروقة والمهدورة؟ من المسؤول عن عرقلة الحوار مع سوريا لإعادة النازحين السوريين؟”.

وقال عون إن “العرقلة في مجلس النواب تساهم في تفكيك الدولة، فقد كان من المفترض أن يصدر قانون الكابيتال كونترول منذ سنتين وشهرين ويساهم في إنقاذ الوضع المالي”، مكرراً سؤال المجلس النيابي عن مصير “قانون إستعادة الأموال المحوّلة إلى الخارج، وقانون كشف الفاسدين وحسابات وأملاك القائمين على الخدمة العامة وقانون الشيخوخة”. واتهم عون مجلس النواب بعدم التجاوب مع دعواته المتتالية لإقرار قوانين تصبّ في خانة خدمة الناس، سائلاً “أين هي هذه القوانين، وهل مكانها فقط في الأدراج واللجان؟”. كذلك تحدث عن “التفكك والإنحلال اللذين طاولا القضاء عبر تكريس تشكيلات طائفية في المراكز ومخالفة القوانين وتجاهل معايير الكفاءة والأقدمية”، قائلاً إنه لا يمكنه توقيع “تشكيلات فضيحة”. وأعاد التذكير بسوء الرقابة المالية والتأخير بالمصادقة على قطوعات حسابات الدولة منذ عام 1997، مستغرباً “ألّا يكون أيّ طرف قد سأل عنها أو حاسب”.

وبعد تعداده لأسباب التعطيل، خلص رئيس الجمهورية إلى أن “شلّ المؤسسات أصبح نهجاً قائماً بذاته ونتيجته خراب الدولة”. وسأل عما “إذا كان اللبنانيون لا يزالون متّفقين على وحدة الدولة، أم سقط النظام وأصبح كل واحد يبحث عن مصلحته؟”.

من ناحية أخرى، أصرّ عون على موقفه السابق بفصل القضاء عن السياسة سائلاً بأيّ “شرع أو منطق أو دستور يتم تعطيل مجلس الوزراء، ويُطلب منه إتخاذ قرار ليس من صلاحياته ويتم تجميد عمله بسبب مسألة لا تشكّل خلافاً ميثاقياً؟”، مؤكداً أن “على الحكومة أن تعمل، وعلى مجلس النواب أن يراقب عملها ويحاسبها عند الضرورة، وليس المساهمة في تعطيلها، فيما يعمل بعض المسؤولين على استمرار الشلل فيها”. ودعا إلى إجتماع الحكومة “اليوم قبل الغد لمعالجة المشاكل على طاولة مجلس الوزراء”.

وانتقد بري من دون أن يسميه عبر القول إن هذه الدولة “تُبنى باحترام القوانين وليس بتجاوز السلطة ولا بهيمنة سلطة على سلطة أخرى. الدولة تعني القانون والإستقرار في الوقت نفسه، ولا يجوز لأحد أن يخيّر اللبنانيين بين أحد الأمرين”.

رسالة إلى حزب الله
وكانت لحزب الله حصة من خطاب رئيس الجمهورية، ففيما أشار الى أنه “لا أريد مخاصمة أحد، لا أشخاص ولا جهات، ولا أريد تفكيك الوحدة في أيّ طائفة”، غامزاً من قناة حرص حزب الله الدائم على الحفاظ على التحالف مع حركة أمل، قائلاً “إن المراوحة قاتلة، ولن أقبل أن أكون شاهداً على سقوط الدولة واختناق الناس، وسأبقى أعمل حتى آخر يوم من ولايتي ومن حياتي لمنع ذلك. الحل يكمن بالحوار وبالطرق السلمية، وبدايته تكون في إجتماع وعمل مجلس الوزراء وكل مؤسسات الدولة”. وتطرق إلى ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، مشدداً على ضرورة تعاون كل الجهات للدفاع عن الوطن، لكن “المسؤولية الأساسية هي للدولة التي وحدها تضع الاستراتيجية الدفاعية، وتسهر على تنفيذها”. أما بشأن الخلاف مع السعودية، فعبّر عن رغبته بأفضل العلاقات مع الدول العربية، وتحديداً مع دول الخليج، وسأل “ما هو المبرر لتوتير العلاقات مع هذه الدول والتدخل في شؤون لا تعنينا؟”.

ردود الفعل على الخطاب
ورصدت “الأخبار” ردود فعل أولية على كلمة رئيس الجمهورية، وحسب مصادر في حركة أمل فإن بري كان يتوقّع هجوماً حاداً من عون عليه، وخاصة بعد ما حصل في المجلس الدستوري. وطلب بري من كل المسؤولين لديه عدم الرد إلا في حال تناوله “بالشخصي”، قائلاً إنه في حال حصل ذلك “سأتولّى أنا الإجابة. لكن ممنوع على أيّ مسؤول في الحركة أن يفتح سجالاً مع التيار من باب الهجوم على كلام عون”. وأشارت مصادر حركية الى أن “الكلمة أتت أقلّ مما كان متوقعاً، وبخلاف ما جرى الترويج له”.

أما حزب الله الذي إلتزم الصمت بعد موقف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من “لا قرار الدستوري” رغم الهجوم عليه، فقد اعتبرت مصادر الحزب أن “كلمة عون مقبولة جداً وضمن الحدود”، وأن “الاختلاف واضح معنا، لكن ضمن الثوابت الوطنية”.

لكن الأوساط القريبة من تيار “المستقبل” كما حزب “القوات اللبنانية” وجدت في خطاب عون تكراراً لعناوين عامة بما يتعلق باللامركزية المالية والإدارية والاستراتيجية الدفاعية. واعتبرت أن عون يميل إلى التخفيف من حدّة التوتر أكثر من الذهاب الى مواجهة. وأن الخطاب لا يقول بأن عون يتّجه صوب فكّ التحالف مع حزب الله.

Exit mobile version