هاجم الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش الأسبوع الماضي “مجموعة فاغنر” الروسية، التي تتهم بالسعي إلى تجنيد الصرب للقتال في أوكرانيا. إنتقاد علني نادر لموسكو من قبل صربيا التي توصف بأنها من أكثر الدول الأوروبية مساندة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
“لقد طفح الكيل لماذا تتصلون (مجموعة فاغنر) بالصرب للقتال في أوكرانيا؟ وأنتم تعلمون جيدا أن ذلك غير قانوني؟”. الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش لم يتردد في توجيه هذه الكلمات الإثنين الماضي 16 يناير/كانون الثاني، بشأن محاولات مجموعة فاغنر الروسية تجنيد مرتزقة من صربيا.
“نقد قوي ونادر” بحسب المتخصص في جيوسياسية دول البلقان لدى جامعة أكسفورد للدراسات ديميتار بيتشيف، الذي أضاف بأن “صربيا هي واحدة من أفضل أصدقاء روسيا خارج نطاق الدول السوفياتية السابقة، خصوصا أن ألكسندر فوتشيتش تربطه علاقات جيدة مع موسكو”.
الرئيس الصربي الشعبوي فوتشيتش لم يستسغ ما بثته منذ فترة وجيزة قناة “آر تي البلقان” الموالية لروسيا، والتي أظهرت في شريط فيديو جنودا قيل إنهم من الصرب يقاتلون إلى جانب الروس في أوكرانيا.
المتخصص في العلاقات بين روسيا وصربيا في مركز بلغراد للسياسة الأمنية فوك فوكسانوفيتش يقول: “لقد كانت خطوة ذكية منهم، حيث قاموا بتضمين إعلان للتوظيف في شكل تقرير يقدم كل المعلومات الضرورية للانضمام إلى مجموعة فاغنر الروسية في أوكرانيا، وبالتالي الالتفاف على عدم قانونية هذا الإعلان في صربيا لأن القانون يمنع الصرب من المشاركة في النزاعات بالخارج”.
إعلان علني تقريبا، يضاف إلى مؤشرات أخرى تؤكد وجود مرتزقة روس في صربيا مؤخرا. فقد أثار افتتاح مجموعة فاغنر مكتبا لها في بلغراد الشائعات لأول مرة في ديسمبر/كانون الأول 2022. ويقول فوك فوكسانوفيتش: “كان هناك حديث عن إنشاء شركة صورية قد تستخدم في الواقع لتعزز هذه المجموعة وجودها بقوة أكبر في صربيا. لكن لا شيء يمكن إثباته على الإطلاق في هذا الصدد”.
في بداية شهر يناير/كانون الثاني، ظهر رسم جداري وسط بلغراد عليه الجمجمة والعظمتين المتقاطعتين اللتين تمثلان شعار مجموعة فاغنر. وتبنته حركة “دورية الشعب” اليمينية المتطرفة في صربيا والتي أوضحت إلى أنه يشير إلى أن هذه المجموعة الصغيرة تمثل المرتزقة الروس في صربيا.
وهذا لا يثير الاستغراب لأن “دورية الشعب” قد شاركت في تنظيم مظاهرة لدعم روسيا بعد وقت قصير من بدء الحرب في أوكرانيا في مارس/آذار 2022. “كما تمت دعوة بعض أعضائها إلى المبنى الذي تشغله مجموعة فاغنر في سانت بطرسبورغ، كما يشير فوك فوكسانوفيتش.
لكن لا يبدو في الوقت الحالي أن جهود فاغنر وحلفاءها في صربيا قد نجحت في استمالة المئات من المحاربين الصرب إلى حد الآن. يقول مدير مركز دراسات جنوب شرق أوروبا في جامعة أكسفورد آثون آناستاسكيس “يبدو أن عدد المرتزقة الصرب الذين يقاتلون في أوكرانيا لحساب روسيا منخفض للغاية”.
هل لا يزال الصرب يدعمون روسيا؟
لكن بالنسبة لألكسندر فوتشيتش، فإن المشكلة الحقيقية تأخذ شكلا مختلفا. ففي الوقت الذي وصلت فيه العلاقات بين أوروبا وروسيا إلى أدنى مستوياتها وفي ظل محاولات بلغراد تسويق صورة حسنة لصربيا لدى الاتحاد الأوروبي إلا أن مسألة عضويتها في هذا الاتحاد لم تشهد تقدما منذ عام 2013. وليس لدى صربيا أية رغبة في الظهور كبلد يوفر ملاذا آمنا لمجموعة فاغنر أو يقدم لروسيا ما تحتاجه من المرتزقة.
“ألكسندر فوتشيتش مستاء من محاولات التجنيد الروسية هذه لأن فاغنر قد تجعل بلاده هدفا لواشنطن وبروكسل”، كما يعتقد فوك فوكسانوفيتش، والذي يضيف: “بأن فوتشيتش حاول طمأنة المعسكر الغربي حين أكد أن “شبه جزيرة القرم ودونباس هما أوكرانيتان” في مقابلة أجريت يوم الأربعاء 18 يناير/كانون الأول مع قناة بلومبرغ الأميركية.
ومع ذلك، لم تختر موسكو صربيا بالصدفة للعثور على مجندين. حيث أن بلغراد حافظت على علاقات جيدة مع روسيا، وكثيرا ما رفضت دعم العقوبات الدولية ضد موسكو. ويشير أوثون أناستاساكيس إلى أن صربيا “أيضا الدولة الوحيدة في القارة التي لا تزال تنظم رحلات جوية من موسكو إليها”.
كما أن جزء من الصرب لم يغفر لواشنطن وأوروبا اعترافهما، في عام 2008، باستقلال كوسوفو، المتنازع عليه. وضع كوسوفو هو أيضا بين أدوات التأثير الرئيسية التي تستخدمها موسكو على بلغراد. روسيا هي أقوى حليف لصربيا في مجلس الأمن الدولي عندما يتعلق الأمر بمناقشة كوسوفو.
ويعتقد فوك فوكسانوفيتش أن “غزو روسيا لأوكرانيا لم يغير الكثير من الأمور في صربيا. حيث يُنظر إلى هذه الحرب أنها أساسا هي محاولة روسية لزعزعة النظام الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة بشكل أحادي”.
ألكسندر فوتشيتش ضحية فخ نصبه بنفسه؟
الرئيس الصربي طالما أيد روسيا خلال النزاع في أوكرانيا كما سمح بإعطاء مكانة كبيرة للدعاية الروسية في المشهد الإعلامي.
إلا أنه يحاول أحيانا تبني موقفا مؤيدا لأوروبا على الساحة الدولية، ليبدو كأنه الحصن الوحيد في أوروبا ضد المشاعر المؤيدة بقوة لروسيا في بلاده، كما يقول فوك فوكسانوفيتش، الذي يرى أن فوتشيتش كان يلعب على الطاولات الأوروبية والروسية في نفس الوقت.
لكن مع الحرب في أوكرانيا، أصبح هذا الموقف غير مقبول أكثر من أي وقت مضى. يقول أوثون أناستازاكيس: “تأمل واشنطن وبروكسل أن تستفيدا من هذا الصراع لجذب صربيا أكثر نحو المعسكر الغربي”. وسيكون هذا منطقيا من الناحية الاقتصادية لأن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لصربيا”.
إلا أن فوتشيتش لا يستطيع أن ينتقد بشدة فلاديمير بوتين، لأنه سيواجه صعوبة في مواجهة الرأي العام الذي ساعده في إثارة موجة من “محبة بوتين”. ويختم فوك فوكسانوفيتش “لقد وقع ألكسندر فوتشيتش في فخه السياسي الخاص”.