في ختام القمة المالية العالمية التي إستضافتها باريس، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن التوصل لصيغة نهائية بين الدول الغنية بشأن تأمين مبلغ 100 مليار دولار لمكافحة آثار التغير المناخي، كانت قد تعهدت بتأمينه قبل نحو ثلاث سنوات. وحضر القمة نحو 50 رئيس دولة وحكومة، إذ تمت مناقشة وضع حجر الأساس لنظام مالي عالمي جديد، يمكّن الدول النامية من مواجهة تبعات تغير المناخ ومكافحة الفقر.
خلال الجلسة الختامية لقمة “ميثاق مالي عالمي جديد” في باريس الجمعة، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن الدول الغنية وضعت الصيغة النهائية لتعهد متأخر بقيمة 100 مليار دولار لتمويل مكافحة تغير المناخ في الدول النامية.
والتعهد البالغ 100 مليار دولار أقل بكثير من الاحتياجات الفعلية للدول الفقيرة، لكنه أصبح رمزا لإخفاق الدول الغنية في تقديم الالتزامات المالية لمكافحة تغير المناخ. وتسبب ذلك بعدم ثقة في مفاوضات المناخ الأوسع نطاقا بين البلدان التي تحاول تعزيز تدابير خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ختام القمة عن “إجماع تام” على “إصلاح عميق” للنظام المالي العالمي.
لكن اللقاءات انتهت في الوقت الحاضر بسلسلة من التعهدات المحددة التزمت بها مجموعات من الدول، من غير أن يصدر الإعلان المشترك الذي أملت به الرئاسة الفرنسية لفترة.
وجمع ماكرون مجدداً الجمعة حوالي أربعين رئيس دولة وحكومة بينهم الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في لقاء كان من المفترض أن يترجم على أرض الواقع الطروح المنبثقة عن مؤتمر الأطراف للمناخ الأخير (كوب27) المنعقد في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في مصر، قبل موعد المؤتمر المقبل المرتقب في نهاية السنة في الإمارات.
وصدرت بعض الإعلانات عن الاجتماع المنعقد في قصر برونيار، المقر السابق لبورصة باريس الذي اعتبره عدة مشاركين غير مؤات للقمة من حيث موقعه وضيقه.
وفي هذا السياق، يعتزم البنك الدولي إدراج بند جديد في اتفاقاته مع الدول الأكثر هشاشة، ينص على تعليق سداد الديون في حال وقوع كارثة.
“إنتاج جديد بإستخدام القديم”
وكانت رئيسة وزراء بربادوس ميا موتلي تدفع منذ أشهر باتجاه تعديل النظام المالي لتضمينه بندا مماثلا.
وعلقت في مقابلة مساء الخميس قبل عرض موسيقي ضخم من أجل المناخ أمام برج إيفل “إنه يوم جيد، لأن الجميع تقريبا وافق على صوابية بنود الكارثة الطبيعية”.
غير أن “شبكة العمل المناخي” الدولية انتقدت قمة “أنتجت جديدا باستخدام القديم” وانتقد فكرة تعليق السداد “بدل إلغاء تام للدين”.
وصرح ماكرون الذي يود إحراز تقدم في هذه المسألة خلال اجتماع تعقده المنظمة البحرية الدولية قريبا “إننا نؤيد ضريبة دولية على الشحن البحري لأنه قطاع غير خاضع للضريبة”.
لكن هذه المسألة الشائكة لا تزال بعيدة عن تحقيق إجماع، وأوضح ماكرون “إذا لم تنضم إلينا الصين والولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية الأساسية التي تملك أيضا شركات كبرى (في هذا المجال)، عندها سنفرض ضريبة من غير أن يكون لها مفعول”.
من جهته، أسف الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في خطاب طويل لعدم تحرك الأسرة الدولية على صعيد مكافحة التغير المناخي وتقليص التباينات الاجتماعية، منتقدا كذلك حمائية الغرب.
وحمل بشدة على المؤسسات المالية الدولية مؤكدا “الثري يبقى ثريا والفقير يبقى فقيرا”.
“قرارات ملزمة”
وكانت القمة حققت تقدما في بعض المجالات الخميس، إذ وعدت دول غنية بتقديم 2,5 مليار دولار للسنغال لمساعدته على الحد من اعتماده على الطاقات الأحفورية، كما سيتم تخفيض دين زامبيا، فيما يعتزم صندوق النقد الدولي زيادة تمويله للدول الفقيرة بمقدار مئة مليار دولار.
غير أن هارجيت سينغ من شبكة العمل المناخي رأى أن طموحات القمة “تقوم أكثر مما ينبغي على الاستثمارات الخاصة وتعطي المصارف الإنمائية المتعددة الأطراف دورا مبالغا به” معتبرا أن “هذا يعني تجاهل الدور المحوري الذي ينبغي أن تلعبه الماليات العامة”.
وتهدف هذه القمة إلى تعزيز تمويل الأزمات للدول منخفضة الدخل وتخفيف أعباء ديونها وإصلاح الأنظمة المالية بعد الحروب، إضافة إلى إتاحة أموال لمواجهة تغير المناخ، من خلال تحقيق توافق في الآراء حول كيفية تعزيز عدد من المبادرات المتعثرة لجهات مثل مجموعة الـ20 ومؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب) وصندوق النقد والبنك الدوليين والأمم المتحدة.
وكان ماكرون قد أعلن عن هذه المبادرة في كانون الثاني/نوفمبر 2022، في نهاية مؤتمر COP27 المناخي (الذي استضافته مصر)، الذي انتهى بعدم رضى النشطاء والمدافعين عن البيئة، لكنه تمكن من تأمين اتفاق دولي تاريخي على إنشاء صندوق لدعم الدول الفقيرة بمواجهة تأثيرات التغيرات المناخية. ومن المفترض أن تشمل المواضيع التي ستناقشها قمة “الميثاق المالي الجديد” المعقودة اليوم في باريس، إلى جانب ملفات أخرى، أليات تمويل هذا الصندوق.
وفقا لخبراء، يكمن أحد الأهداف الرئيسية لهذه القمة في مناقشة الهيكل المالي الدولي والمؤسسات النقدية العالمية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي)، التي نشأت بفعل اتفاقات “بريتون وودز” (1944) في أواخر الحرب العالمية الثانية، وتكييفها لمواجهة التحديات العصرية.
يأتي هذا في وقت وجدت فيه دول الجنوب (الفقيرة) نفسها محاصرة، بمواجهة أزمات متتالية (كوفيد، التضخم الاقتصادي العالمي، الحرب في أوكرانيا)، كان لها أثر ثقيل للغاية على اقتصاداتها وعمليات التنمية فيها. في نفس الوقت، تعتبر هذه الدول أن الحصول على تمويلات لمشاريع داخلية من هاتين المؤسستين (البنك وصندوق النقد الدوليين) صعب للغاية، وأنها تحتاج لمساعدات سريعة وعاجلة لمواجهة موجات الجفاف والفقر والكوارث البيئية المتتالية، وللتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.
وقالت الناشطة البيئية من أمريكا الجنوبية ساندرا غوزمان خلال التظاهرة “سمعنا لسنوات هؤلاء القادة يقطعون وعودا خلال هذه القمم” مضيفة “ثمة فرق كبير نلمسه الآن، وهو أن ضغط الناس يدفع هؤلاء القادة على الحضور إلى هنا بالتزامات محددة”.
غير أن ثريا فتاح المتحدثة باسم “350.أورغ” رأت أنه “لا يمكن أن نطلب من القادة التعبئة وفي الوقت نفسه التنديد تماما” بالقمة، مضيفة لفرانس برس “ما هو واضح أن هذه القمة لن تقود إلى أي قرارات ملزمة وقوية”.