أعلنت سلطات الإنقلاب في النيجر عن أملها في التوصل إلى إتفاق “وشيك” مع المجموعة الإقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، كما أشارت إلى “محادثات جارية” من أجل إنسحاب “سريع” للقوات الفرنسية.
وفي تصريحات لافتة، قال علي الأمين زين رئيس الوزراء الذي عينه المجلس العسكري في النيجر، في مؤتمر صحفي، اليوم الإثنين، إن السلطات الحاكمة تأمل “التوصّل في غضون أيام قليلة إلى إتفاق” مع “إيكواس”. وقال “لم نوقف الإتصالات مع إيكواس، بل نواصل الاتصالات”، مضيفا “لدينا آمال كبيرة بالتوصّل إلى إتفاق مع إيكواس في غضون أيام قليلة”.
وبشأن تهديد “إيكواس” بالتدخل عسكرياً في بلاده، قال زين “نتوقّع أن نتعرّض لهجوم في أي لحظة. لقد تم إتخاذ كل الترتيبات. ستكون حرباً ظالمة. نحن مصمّمون على الدفاع عن أنفسنا إذا ما تعرّضنا لهجوم”.
وكان رئيس نيجيريا بولا تينوبو، الذي يتولى حالياً الرئاسة الدورية لإيكواس، فتح الخميس الماضي الباب أمام إمكان القبول بفترة انتقالية قصيرة في النيجر.
وعلى غرار ما حصل في بلاده في تسعينيات القرن الفائت حين شهدت نيجيريا فترة انتقالية مدتها تسعة أشهر، قال تينوبو، إنه “لا يرى سبباً لعدم تكرار ذلك في النيجر، إذا كانت السلطات العسكرية في النيجر صادقة”.
إعادة فتح المجال الجوي
وفي شأن متصل، قال متحدث بإسم وزارة النقل في النيجر، إن القادة العسكريين للبلاد أعادوا فتح المجال الجوي أمام جميع الرحلات، بعد إغلاقه في السادس من أغسطس/آب الماضي، لدى استيلائهم على السلطة في انقلاب على الرئيس المنتخب محمد بازوم في 26 يوليو/تموز الماضي.
وكان المجلس العسكري قد أغلق المجال الجوي في محاولة لمنع مجموعة إيكواس من تنفيذ تهديدها بالتدخل العسكري. وكانت “إيكواس” قد هددت مرارا باستخدام القوة لاستعادة النظام الدستوري، في حال لم يتم إعادة تنصيب الرئيس المحتجز محمد بازوم، الذي يخضع للإقامة الجبرية منذ الإطاحة به.
إنتشار مكثف للجيش
في غضون ذلك، قال مصدر عسكري للجزيرة، إن قوات تابعة للجيش كثفت وجودها حول القاعدة العسكرية الفرنسية في نيامي، وسط تصاعد نبرة الاتهامات بين البلدين.
وتزامن ذلك مع إنتهاء سريان الإتفاق الذي ينظم الوجود العسكري الفرنسي في البلاد، بعدما ألغى قادة الانقلاب حزمة من الاتفاقات العسكرية المبرمة مع باريس.
في الأثناء قال مصدر عسكري للجزيرة، إن القوات الفرنسية التزمت بمواقعها داخل قاعدتها منذ انتهاء سريان الإتفاقية. وأضاف أن قوات الدفاع والأمن النيجرية عززت حضورها داخل القاعدة وفي محيطها، وقد صدرت لها أوامر بمراقبة أي تحرك للقوات الفرنسية من القاعدة.
وكان مصدر عسكري في النيجر قال للجزيرة، إن المجلس العسكري وجّه بتسليح الشرطة في العاصمة والمناطق المتاخمة لها، وأبقى على حالة التأهب في صفوف الجيش.
كما أقرت باريس بأن قواتها في نيامي باتت غير قادرة على القيام بمهامها، وحذرت من عواقب تراجع حضور فرنسا في أفريقيا.
وفي تصريح بهذا الخصوص، أكّد رئيس وزراء النيجر محمد الأمين زين أن “محادثات جارية” من أجل إنسحاب “سريع” للقوات الفرنسية المتمركزة في البلاد، آملا بـ”الحفاظ على تعاون” مع فرنسا.
وشدد زين على أن القوات الفرنسية “هي في وضع غير قانوني”، موضحا أن “المحادثات الجارية ينبغي لها أن تتيح انسحاب هذه القوات سريعا جدا”. وأضاف في مؤتمر صحافي “ما يهمّنا هو أن نحافظ على تعاون مع بلد تقاسمنا معه أمورا كثيرة، إذا كان ذلك ممكنا”.
تصريحات الخارجية الفرنسية
في السياق ذاته، قالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، إن قوات بلادها موجودة في أفريقيا لدعم مكافحة من سمتها جماعات إرهابية، ولتنفيذ نشاطات تدريبية. وأضافت أنه لم يعد من الممكن ضمان هذه المهمة، كونها تنفذ مع القوات المسلحة في النيجر، وهو ما بات غير ممكن بحكم الأمر الواقع.
كما قالت، إن التدخل الفرنسي في أفريقيا كان دائما بطلب من السلطات المحلية، وكلما قلّ الحضور الفرنسي هناك زاد انعدام الأمن. وأكدت أن باريس ليست مضطرة إلى الانصياع لسلطات غير شرعية بخصوص سفيرها، وهو باق في نيامي.
وبينما قالت الوزيرة، إن قادة الإنقلاب في النيجر لم يتحركوا بتوجيه من فاغنر أو روسيا، قال وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو، في حوار مع صحيفة “لوفيغارو”، إن المناخ المعادي لفرنسا في أفريقيا وقفت وراءه روسيا بصورة كبيرة.
في الأثناء، قال حَسّومي مسعودو، وزير الخارجية في حكومة الرئيس المحتجز محمد بازوم، إن استعدادات مجموعة “إيكواس” للتدخل العسكري في النيجر دخلت مرحلة متقدمة.
طوق على السفارة الفرنسية
وتوازياً مع هذه التطورات، تواصل شرطة النيجر فرض طوق على السفارة الفرنسية، ومقر إقامة السفير سيلفان إيت وسط العاصمة نيامي، وتقوم بتفتيش المركبات الداخلة والخارجة من المبنيين، قبل السماح لها بالعبور.
وكانت الداخلية المعينة من المجلس العسكري قد طالبت المصالح المعنية باتخاذ ما يلزم من إجراءات لترحيل السفير الفرنسي خارج النيجر، بعد إنقضاء مهلة منحتها إياه وزارة الخارجية، وهو القرار الذي أكدته المحكمة العليا.
وتظاهر آلاف المحتجين من أنصار الإنقلاب لليوم الثالث على التوالي، وواصل بعضهم اعتصاما يستمر أياما أمام القاعدة الفرنسية في العاصمة نيامي، وذلك تلبية لدعوة وجهتها جمعيات مساندة للمجلس العسكري، بهدف التنديد بمواقف فرنسا، ومطالبتها بسحب قواتها من البلاد.
كما طالب المتظاهرون باريس بسحب سفيرها، واحترام سيادة النيجر، علما بأن المجلس العسكري كان اتهم باريس بالتدخل الصارخ في شؤون بلاده، عبر دعم الرئيس المخلوع محمد بازوم.
وشارك أعضاء من المجلس العسكري في المظاهرات المطالبة بإنهاء الوجود العسكري الفرنسي في النيجر، والرافضة للتدخل الفرنسي في “تحديد السلطة الشرعية في البلاد”، وذلك على غرار ما واجهته فرنسا في بوركينا فاسو ومالي.
وفرنسا هي الدولة الأكثر تأثرا بانقلابات غرب أفريقيا، حيث تضاءل نفوذها على مستعمراتها السابقة في المنطقة خلال السنوات الماضية مع تزايد الانتقادات الشعبية. وطردت مالي وبوركينافاسو المجاورتان القوات الفرنسية بعد انقلابين هناك.