كلّف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس، مفاوض الإتحاد الأوروبي السابق في ملف “بريكست”، ميشال بارنييه، تشكيل الحكومة الفرنسية المقبلة بعد قرابة شهرين على إنتخابات تشريعية مبكرة.
وبارنييه (73 عاماً) أكبر رئيس حكومة في تاريخ فرنسا الحديث وكُلف تشكيل “حكومة جامعة في خدمة البلاد”، على ما أضافت الرئاسة الفرنسية.
ويخلف بارنييه، وزير الخارجية الفرنسي السابق، غابريال أتال (35 عاماً) الذي يصغره بنصف عمره تقريباً واستمرت ولايته ثمانية أشهر فقط.
ولقي نبأ تعيين السياسي المخضرم المنتمي لحزب “الجمهوريين” اليميني وغير المرتبط بحزب ماكرون الوسطي، إستياء لدى اليسار الذي قد يسعى لإطاحته في تصويت طرح الثقة.
وأفرزت الإنتخابات إئتلافاً يسارياً في مقدمة القوى السياسية في فرنسا لكن دون حصوله على غالبية صريحة في البرلمان.
وانقسمت الجمعية الوطنية بين ثلاث كتل: تحالف الجبهة الشعبية الجديدة الذي يجمع الأحزاب اليسارية والذي يملك أكثر من 190 مقعداً، يليه معسكر الرئاسة الذي فاز بـ160 مقعداً، والتجمّع الوطني اليميني المتطرّف الذي يملك 140 مقعداً.
وبالتالي، فإنّ أيّاً من الكتل لم يقترب من الأغلبية التي تبلغ 289 مقعداً في المجلس الذي يتألّف من 577 مقعداً.
وكان قد تم التداول بإسم شخصيتين كأبرز الخيارات لرئاسة الحكومة، وهما رئيس الوزراء الإشتراكي السابق برنار كازنوف والقيادي في حزب الجمهوريين اليميني كزافييه برتران. لكن حسابات البرلمان الجديد لم تصب في مصلحتيهما.
ففي فرنسا يعين رئيس الجمهورية رئيس الوزراء، قبل تصويت في البرلمان لنيل الثقة.
مارين لوبان تقرر
لكن بارنييه اليميني ومفاوض الإتحاد الأوروبي السابق في ملف بريكست، شوهد ظهر الخميس مغادراً بعد محادثات في الاليزيه مع ماكرون ليعود إلى السياسة من الباب العريض رئيساً للوزراء.
وابتعد عن الساحة السياسية الفرنسية منذ فشله في ضمان دعم حزبه “الجمهوريين” لمواجهة ماكرون في الانتخابات الرئاسية عام 2022، في حملة اتجه فيها أكثر نحو اليمين واقترح وقف الهجرة.
ووزير الخارجية السابق المخضرم ومفوض الإتحاد الأوروبي السابق “متوافق مع ماكرون” ولديه حظوظ في نيل تأييد البرلمان، حسبما قال مستشار للرئيس لوكالة فرانس برس طالباً عدم ذكر إسمه.
وأكد وزير في الحكومة المنتهية ولايتها طالبا أيضا عدم الكشف عن اسمه أن بارنييه “يحظى بشعبية كبيرة بين أعضاء اليمين في البرلمان دون أن يكون مصدر إزعاج لليسار”.
ويبدو أن ماكرون يعوّل على عدم قيام حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف بزعامة المرشحة السابقة في الانتخابات الرئاسية مارين لوبان بإطاحة بارنييه في حال طرح الثقة.
وقالت لوبان “سننتظر سماع خطاب بارنييه بشأن السياسة العامة” أمام البرلمان قبل تحديد موقف بشأن منحه الثقة أم لا.
وقال رئيس “التجمع الوطني” جوردان بارديلا إن سيتم الحكم على بارنييه “بناء على الأدلة” عندما يخاطب البرلمان.
وستكون تركيبة الحكومة الجديدة تحت المجهر لأي مؤشرات على تنازلات لخصوم ماكرون السياسيين.
وقالت مارين تونديلييه زعيمة الخضر في تصريحات سابقة “نعلم في نهاية المطاف من يقرر. اسمها مارين لوبن. إنها الشخص الذي قرر ماكرون الرضوخ له”.
مهمة “صعبة”
وقال جان لوك ميلانشون اليساري الراديكالي، الذي ينتمي حزبه “فرنسا الأبية” وحلفاء آخرين إلى كتلة اليسار، إن تكليف ماكرون السياسي اليميني يعني أن الانتخابات “سُرقت من الفرنسيين”.
ورحبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين بتكليف بارنييه تشكيل الحكومة الفرنسية. وقالت في منشور على إكس “أهنئكم. أعلم أن ميشال بارنييه يضع مصلحة أوروبا وفرنسا في قلب اهتماماته، كما تظهر خبرته الطويلة. أتمنى له كل النجاح في مهمته الجديدة”.
ويأتي قرار ماكرون مع إقتراب إنتهاء مهلة تقديم موازنة العام 2025 إلى البرلمان بحلول الأول من أكتوبر/تشرين الأول على أبعد تقدير.
كما أنه دليل آخر على سعيه للإقرار بالرفض الذي قوبل به حكمه المتواصل منذ سبعة أعوام، لكن من دون التخلي عن إصلاحات كافح من أجلها، لا سيما رفع السن الرسمي للتقاعد من 62 إلى 64 عاما السنة الماضية والذي أثار استياء واسعا.
وقال رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب الذي أعلن في وقت سابق من هذا الأسبوع نيته السعي لخلافة ماكرون في الانتخابات الرئاسية عام 2027، إن “مهمة بارنييه تبدو صعبة، لكن الصعوبات لم تخيفه أبدا”.
وبعد أن حرمت انتخابات تموز/يوليو ماكرون من أغلبيته النسبية في البرلمان، أخّر الرئيس الوسطي تعيين رئيس وزراء جديد لفترة غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، خلال الألعاب الأولمبية في يوليو/تموز وأغسطس/آب وما بعدها.
وفي حديث لصحيفة لو فيغارو مستخدما لغة الركبي عبر أتال عن أمله في أن يتمكن خليفته من “تغيير محاولة” السياسات التي لم يتمكن من استكمالها خلال فترة ولايته.