وقال الناطق العسكري للحوثيين يحيى سريع، إن “هذه الطائرة هي الثامنة من هذا النوعِ والتي تنجح قواتنا في إسقاطها” خلا ما وصفها بـ”معركة الفتحِ الموعود والجهاد المقدس إسناداً لغزة”. وأضاف سريع أنهم “بصدد تعزيز قدراتهم الدفاعية للتصدي للعدوانِ الأميركي البريطاني والرد عليه باستهداف تحركاته العسكرية المعادية في منطقة العمليات البحرية”.
في السياق، إعتبر مقال نشرته وكالة “بلومبيرغ”، هجمات الحوثيين ضد السفن بالبحر الأحمر بأنها “سابقة المروعة”، معتبراً بأن الجماعة قلبت حرية البحار في منطقة حاسمة ولكنها في المقابل دفعت ثمناً متواضعاً للغاية. وانتقد الولايات المتحدة انها لم تقم بما يكفي ضد حلفاء إيران في اليمن.
وأشار كاتب المقال بول براند، “أن الحوثيين شكلوا تحديًا كبيرًا للأمن البحري العالمي، حيث عطلوا الشحن عبر باب المندب. على الرغم من الجهود الأمريكية في إطار عملية حارس الرخاء، فقد قطعت الجماعة حركة المرور في قناة السويس وهددت بالكوارث البيئية”.
وبحسب الكاتب، تسلط هذه الأزمة الضوء على انخفاض تكلفة فرض القوة بالإضافة إلى ما يصفه بـ “التآزر الاستراتيجي” بين خصوم الولايات المتحدة. واعتبر بأن المفاجأة الأكبر الأكثر شؤمًا بالنسبة للنظام العالمي هي شن جماعة الحوثي، أخطر تحدٍ لحرية البحار منذ عقود.
وبدأ الحوثيون حملتهم ضد الشحن عبر باب المندب، الذي يربط البحر الأحمر وخليج عدن، في أواخر عام 2023. ورأى الكاتب “إنهم يهاجمون ظاهرياً من منطلق التعاطف مع الشعب الفلسطيني، ولكن أيضًا لكسب مكانة داخل ما يسمى محور المقاومة، وهي مجموعة من الوكلاء في الشرق الأوسط الذين زرعتهم إيران”.
في يناير/كانون الثاني، ردت واشنطن بعملية “حارس الرخاء”، والتي تتميز بجهود دفاعية (إلى حد كبير من قبل المدمرتين الأميركيتين) لحماية الشحن من الطائرات بدون طيار والصواريخ، وكذلك الضربات الجوية ضد قدرات الحوثيين الهجومية داخل اليمن. وكانت النتائج متوسطة في أفضل الأحوال.
لقد خفض الحوثيون حركة المرور في قناة السويس بأكثر من النصف، مما أدى إلى حرمان مصر من عائدات الرسوم. وبعد مرور ما يقرب من عام، تبدو الجماعة أقل ردعًا من كونها أكثر جرأة: فقد عطلت مؤخرًا ناقلة نفط، مما يهدد بالتسرب مع عواقب بيئية كارثية. وقد أصبح الممر المائي الذي يحمل من 10٪ إلى 15٪ من التجارة العالمية منطقة قتل.
تجمع هذه الملحمة بين الديناميكيات القديمة والجديدة، فباب المندب كان منذ فترة طويلة بؤرة للصراع. وتحيط بهذا المضيق حالة من عدم الاستقرار في جنوب شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي. وقد أدى هذا الوضع إلى نشوب الصراع والتدخل الأجنبي لعقود من الزمان، لكن حملة الحوثيين تكشف أيضًا عن مشاكل عالمية أحدث.
مساعدة إيران وحلفائها
إن أحد هذه الأسباب أو المشاكل هي انخفاض تكلفة إظهار القوة، فالحوثيون ليسوا قوة عسكرية تقليدية؛ فهم لا يسيطرون حتى على اليمن بشكل كامل. ومع ذلك، فقد إستخدموا الطائرات بدون طيار والصواريخ للسيطرة على الوصول إلى البحار الحيوية.
وقد تلقى الحوثيين المساعدة في القيام بذلك من إيران، التي قدمت الأسلحة والمعرفة اللازمة لتصنيعها. لكن أزمة البحر الأحمر لا تزال تُظهر كيف يمكن للجهات الفاعلة التي تبدو صغيرة أن تستخدم قدرات رخيصة نسبيًا لتوسيع نطاقها التدميري.
والميزة الثانية، هي التآزر الاستراتيجي بين أعداء الولايات المتحدة. فقد أصبح الحوثيون أكثر شراسة بفضل التوجيه من إيران وحزب الله. فمنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، سمحوا لمعظم الشحن الصيني بالمرور دون ضرر. كما تلقى الحوثيون التشجيع، ويبدو أنه دعم مباشر، من روسيا الحريصة على الإنتقام من واشنطن.
ووفق الكاتب، تجني بكين وموسكو مكافآت جيوسياسية عندما تتحمل أميركا أعباء الصراعات في الشرق الأوسط، لذا فإن كليهما على استعداد للسماح لهذه الأزمة بالتفاقم، أو حتى جعلها أسوأ.
هناك عامل ثالث يزيد من تأجيج الأمور، هو نفور أميركا من التصعيد، والذي يتجذر في الإفراط في التوسع العسكري. فلقد تم تقليص قوة عظمى عالمية إلى مجرد حرب غير حاسمة مع مجموعة من المتطرفين اليمنيين، ومن التهرب أن نزعم أن هذا التطرف ذاته يجعل الحوثيين “غير قابلين للردع”.
إن المشكلة الأساسية هنا هي أن واشنطن ترددت في اتخاذ تدابير أقوى، مثل إغراق سفينة الاستخبارات الإيرانية التي تدعم الحوثيين، أو استهداف البنية الأساسية التي تدعم حكمهم داخل اليمن، خوفاً من تأجيج الموقف الإقليمي المتوتر.
لقد حد هذا النهج من خطر التصعيد في الأمد القريب، ولكنه سمح لطهران والحوثيين بإبقاء المواجهة على نار هادئة عند درجة الحرارة المفضلة لديهما. كما يعكس هذا النهج التعب الكامن الذي يعاني منه الجيش الأميركي الذي يفتقر إلى ما يكفي من الصواريخ المجنحة والقنابل الموجهة بالليزر والطائرات الهجومية والسفن الحربية لمواصلة الحملة بشكل أكثر عدوانية دون المساس باستعداده للصراعات في أماكن أخرى.
الحوثيين وحرية البحار
وبالتالي، هناك سمة رابعة: وهي ما وصفه الكاتب بـ “تعفن المعايير” التي اعتبرها المجتمع الدولي أمرا مفروغا منه. ففي الواقع، كان الضرر التجاري العالمي الذي تسبب فيه الحوثيون محدودا، وذلك بفضل قدرة شبكات الشحن التي تدعم الاقتصاد العالمي على التكيف.
لكن السابقة مروعة، فقد قلب الحوثيون حرية البحار في منطقة حاسمة ودفعوا ثمناً متواضعاً للغاية.
إن حرب روسيا في أوكرانيا تؤكد في الوقت نفسه على مبدأ أساسي آخر، وهو القاعدة ضد الغزو القسري، حيث تتحدى جهات منحرفة القواعد العالمية التي تدعم الرخاء النسبي والأمن والاستقرار في عالمنا بعد عام 1945.
ربما لا يكون التصحيح الدرامي للمسار من قبل الولايات المتحدة وشيكًا. فلا يزال الرئيس جو بايدن يطارد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وهذا من شأنه على الأقل أن يحرم الحوثيين وغيرهم من وكلاء إيران من ذريعة العنف، حتى لو لم يكن أحد متأكدًا حقًا مما إذا كان سينهي هجمات الشحن في البحر الأحمر. وهو يأمل في اجتياز الانتخابات الرئاسية دون المزيد من المتاعب مع طهران.
ولكن هذا النهج المتخبط قد لا يدوم طويلا بعد ذلك. فمهما كان من سيتولى الرئاسة في عام 2025 فسوف يضطر إلى مواجهة حقيقة مفادها أن أميركا تخسر الصراع على البحر الأحمر، مع كل العواقب العالمية الخبيثة التي قد تترتب على ذلك.