في خطوة وُصفت بأنها تصعيد لمعركة “كسر العظم” بين روسيا والغرب على خلفية الحرب في أوكرانيا، أعلنت شركة غازبروم الروسية، اليوم الجمعة، أن خط ضخ الغاز إلى أوروبا “نورد ستريم1” قد توقف عن العمل إلى أجل غير مسمى.
ويأتي هذا الإجراء الروسي بعد ساعات من إعلان وزراء مالية مجموعة الدول السبع (أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا واليابان)، في بيان مشترك، أنهم يخططون لتطبيق حد أقصى لسعر النفط الخام والمنتجات البترولية الروسية.
وردت موسكو على هذا الإعلان بالتهديد بقطع النفط عن الدول التي ستنخرط في هذه العملية، كما لوّحت بالتوازي بقطع الغاز عن أوروبا في حال حددت سعرا أقصى للغاز الروسي.
وجاء في بيان لشركة غازبروم أنه تم الكشف عن أعطال في آخر توربين يعمل بخط “نورد ستريم1″، وأنه تم إبلاغ شركة “سيمنز” الألمانية بشأن الحاجة إلى إصلاح الخط الذي يوفر جزءا من احتياجات أوروبا من الغاز. ونشرت الشركة صورة لما قالت إنه العطل الذي لحق بأحد توربينات الخط، والذي أدى إلى وقف ضخ الغاز عبره إلى أوروبا.
في المقابل، نقلت وكالة رويترز عن شركة سيمنز للطاقة أنها لا تشارك في أعمال الصيانة التي تجريها غازبروم الروسية.
وكانت غازبروم قد أوقفت ضخ الغاز عبر الأنبوب الأربعاء الماضي، وقالت إن ذلك سيستمر 3 أيام، وكان متوقعا أن يستأنف عمل الخط هذه الليلة.
ويسلط وقف إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر “نورد ستريم1” الضوء على أهمية هذا الخط الذي ينقل الغاز عبر قاع بحر البلطيق إلى ألمانيا ومنها إلى دول أخرى والذي بدأ تشغليه في عام 2011، ويبلغ طوله 1200 كيلومتر وتقدر طاقته السنوية بنحو 55 مليار متر مكعب، في وقت تحتاج فيه ألمانيا مثلا إلى 85 مليارا في السنة.
شكوك أوروبية
وقد سارع مسؤولون أوروبيون للتشكيك في أن يكون الإجراء الروسي مجرد مسألة فنية، فقد قالت المفوضية الأوروبية إن إغلاق روسيا الأنبوب بذرائع وصفتها بغير الصحيحة هو تأكيدٌ جديدٌ على أنها مورد غير موثوق، ودليلٌ على استخفافها وتفضيلها حرق الغاز بدلا من احترام العقود الموقعة.
كما قال وزير الاقتصاد الألماني إن روسيا لا يمكن الاعتماد عليها، مشيرا إلى أن مخزون بلاده من الغاز يتجاوز 80%.
وفي السياق، قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الألماني إن وقف تدفق الغاز عبر “نورد ستريم1” جزءٌ مما سماها الحرب النفسية الروسية على أوروبا.
كما قال عضو لجنة الخارجية في البرلمان الألماني رودريش كيسيويتر للجزيرة إن قرار وقف إمدادات الغاز من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان متوقعاً.
وفي الموقف الأميركي من التطورات الراهنة، نقل موقع “بلومبيرغ” (Bloomberg) عن منسق البيت الأبيض لشؤون الطاقة أن مخزون أوروبا من الطاقة غير كاف للشتاء، مضيفا أنه يتعين الاستعداد لذلك.
وتابع المسؤول الأميركي أن واشنطن ستعطي الأولوية لأوروبا في مبيعات الغاز الطبيعي المسال.
وتعليقا على التطورات الأخيرة، قال موقع بلومبيرغ إن قرار روسيا وقف إمدادات الغاز عبر هذا الخط يمثل تصعيدا كبيرا في أزمة الطاقة بأوروبا، معتبرا أن القرار الروسي يعرض العائلات والمصانع والاقتصادات في أوروبا للخطر.
واعتبرت صحيفة “وول ستريت جورنال” (Wall Street Journal) أن إغلاق هذا الخط سيجبر الأوروبيين على تسريع مساعيهم للاستقلال عن الغاز الروسي قبل الشتاء.
وقالت الصحيفة إن قرار روسيا قد يحرمها من نفوذها الاقتصادي ويزيل مخاوف أوروبا بشأن تشديد العقوبات على موسكو، لكنه قد يجبر أوروبا على ترشيد الطاقة ويضر الشركات ويدفع اقتصاد القارة نحو الركود.
بدورها، قالت صحيفة “فايننشال تايمز” (Financial Times) البريطانية إن إغلاق “نورد ستريم1” يزيد مخاوف أوروبا من أن روسيا تهدف لخفض الإمداد قبل الأشهر الأكثر برودة. مضيفة أن تخزين الغاز وحده لا يكفي لتلبية الطلب في أوروبا خلال الشتاء دون صادرات الغاز الروسي العادية.
تسعير النفط الروسي
وفي وقت سابق اليوم، أعلن وزراء مالية مجموعة الدول السبع في بيان مشترك عقب اجتماع عن بُعد أن دولهم ستضع “بصورة عاجلة” حدا أقصى لسعر النفط الروسي. وأكد البيان أن مجموعة السبع تسعى لتأسيس تحالف واسع لزيادة فعالية تحديد سقف لسعر النفط الروسي.
وفي حين قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إن قرار مجموعة السبع بشأن أسعار الطاقة سيوجه ضربة مالية لروسيا تعوق حربها في أوكرانيا، أشار وزير المالية الألماني كريستيان ليندر إلى أن القرار يهدف لتجفيف مصدر مهم من مصادر تمويل الحرب في أوكرانيا وكبح ارتفاع أسعار الطاقة ما يقلل نسبة التضخم.
ويأتي اجتماع وزراء مالية الدول السبع، في وقت أعلنت فيه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن مقترح لتحديد سقف لأسعار الغاز على المستوى الأوروبي، ضمن حزمة جديدة من العقوبات على روسيا.
في المقابل، سارعت روسيا للتحذير من عواقب فرض سقف لأسعار صادراتها من الطاقة نحو أوروبا ومناطق أخرى. وقال الكرملين إن تحديد سقف لسعر النفط سيؤدي إلى توتر كبير في سوق الطاقة العالمية، مضيفا أن الدولة ستوقف بيع النفط للبلدان التي تحدد سقفا لأسعار النفط الروسي.
وتعليقا على مساع أوروبية لتحديد سقف لسعر النفط، قال ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، إنه لن يكون هناك غاز روسي في أوروبا.
وتسعى دول الاتحاد الأوروبي لخفض إمدادات النفط الروسية تدريجيا وصولا لوقفها بشكل كامل نهاية هذا العام، بينما حظرت الولايات المتحدة استيرادها في أيار الماضي، علما بأن الاتحاد الأوروبي أقر، في حزيران الماضي، حظرا تدريجيا على النفط الروسي ينص بصورة خاصة على وقف الواردات الأوروبية منه بحرا خلال 6 أشهر.
وقدرت وكالة الطاقة الدولية أن عوائد روسيا من صادراتها النفطية زادت، في حزيران الماضي 700 مليون دولار، مقارنة بأيار بسبب ارتفاع الأسعار.
وقبل أن تبدأ موسكو حربها على أوكرانيا في 24 شباط الماضي، كانت أوروبا وجهة لما يقرب من نصف صادرات روسيا من النفط الخام والمنتجات البترولية، وفقا للوكالة الدولية للطاقة.