أودع الرئيس سعد الحريري اقتراح تشكيلته الحكومية لدى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مانحاً الأخير “مهلة” ساعات للقبول بها كما هي، او رفضها. بسلبية تامة، عبّر الحريري عن ممانعته أي نقاش في أي إسم إقترحه لأي حقيبة، رغم انه يطلب الثقة لحكومته المفترضة من قوى عيّن لها وزراءها من دون التشاور معها. أسقط الحريري جزءاً مما جرى التوافق عليه سابقاً. لكن، رغم ذلك، يبقى إحتمال قبول تشكيلته قائماً، بدفع خارجيّ عبّرت عنه القاهرة التي “نصحت” الرئيس المكلّف بتأجيل إعتذاره
الأخبار –
كل المؤشّرات أمس كانت تدل على أن الرئيس المكلّف سعد الحريري سيزور بعبدا حاملاً تشكيلة “الإحراج” فـ”الإخراج”، وخصوصاً انه استبقها بالترويج لمقابلة تلفزيونية على قناة “الجديد” اليوم بعنوان “من دون تكليف”. الزيارة نفسها لم تخلُ من هذه المؤشرات: مدتها القصيرة نسبياً، ردّ الحريري الحازم على كلام رئيس الجمهورية عن ضرورة التعاون لإنقاذ البلد، بما مفاده أن “هذه هي التشكيلة ولك أن تقبلها كما هي أو ترفضها”، من دون ان يبدي مرونة من نوع الاستعداد لمناقشة إسم معين مثلاً، ناهيك عن وضعه “مهلة” ساعات (سلّم التشكيلة عصر أمس وطلب الجواب قبل ظهر اليوم) لعون من أجل الردّ ايجاباً أو سلباً. وحتى عندما أشار رئيس الجمهورية الى ان التشكيلة تضمّنت تراجعاً عن توزيع الحقائب تم الاتفاق عليها سابقاً من ضمن مبادرة الرئيس نبيه بري، وتضمّ أسماء جديدة “بدنا نشوفها ونتشاور”، كان جواب الحريري مجدداً: “لأ… بكرا”، وهو ما دفع عون لاحقاً إلى التعليق أمام الصحافيين بالقول: “بيأمر”.
مصادر بعبدا أوضحت أن “تشكيلة الحريري تضمنت تغييرات كثيرة في ما يتعلق بالأسماء وتوزيع الحقائب، وهي مختلفة إلى حد كبير عن الصيغة التي أعطاها للخليلين وجرى نقاشها مع الوزير جبران باسيل”. وعلمت “الأخبار” أن التغييرات طالت حقائب سيادية من بينها وزارة الخارجية التي كان مقرراً أن تكون من حصة الدروز (وليد جنبلاط)، فعادت إلى حصة المسيحيين، والداخلية التي كانت مقررة للأرثوذوكس فعادت إلى السنّة. وفيما لم تطرأ تعديلات على الحقائب الشيعية الخمس (المالية، التنمية الإدارية، السياحة (أو الثقافة) العمل، الأشغال)، أشارت مصادر مطلعة إلى أن الأسماء الشيعية التي تضمّنتها (مايا كنعان، يوسف خليل، جهاد مرتضى، عبد الله ناصر الدين وإبراهيم شحرور) لم يُتفق عليها مع حزب الله. ومن بين الأسماء التي تضمنتها اللائحة: سعادة الشامي (الإقتصاد)، أنطون شديد (الدفاع)، فراس أبيض (الصحة)، فراس أبي ناصيف (الإتصالات)، فاديا كيوان (الخارجية)، كارول عياط (الطاقة) ووليد العاكوم (الداخلية).
مصادر بعبدا لفتت إلى أن “الرئيس عون تساءل أمام الحريري عمّا إذا كانَت القوى الأخرى ستقبل بهذه التوزيعة وبهذه الأسماء”، مشيرة إلى أن “بعض الأسماء جديدة، وبعضها الآخر كانَ مطروحاً، ورفضه الرئيس عون سابقاً”، مرجحة أن “التشكيلة لن تمُر”. واعتبرت تحديد مهلة للرئيس للرد “إشارة سلبية وغير مألوفة”، متسائلة كيف يُمكن أن “تُدرسَ لائحة حكومية في أقل من 24 ساعة”؟
هكذا، بدا الحريري أمس كأنه ينفّذ سيناريو الإعتذار كما رُوّج له منذ أيام بحذافيره: يزور القاهرة ويتبلّغ من المصريين موقفاً مؤيداً لقراره بالإعتذار، ويعود ليرفع تشكيلة يعرف أن عون سيرفضها، فيعتذر ويُعلِن عن الأسباب في مقابلته التلفزيونية. لكن ماذا سيفعل الحريري إذا لم يتبلّغ من رئيس الجمهورية اليوم جواباً نهائياً، علماً بأن لا مهل محددة تجبر الأخير على ذلك، فهل يعتذر قبلَ الجواب؟”. مقرّبون من رئيس الجمهورية رجحوا بأن عون “لن يعطي للحريري ما يريده. الأكيد أنه لن يقبَل بالتشكيلة كما هي، لكنه لن يرفضها، بل سيفتح باباً لمناقشتها، إنطلاقاً من أنها قابلة للأخذ والرد”. أكثر من ذلك، فإن مصادر معنية بالتأليف، رداً على سؤال لـ”الأخبار” عن إحتمال القبول بالتشكيلة لإحراج الحريري الذي قال في تصريحه إنها “قادرة على وقف الإنهيار”، لم تستبعد ذلك تماماً، مشيرة إلى أن هذا “إحتمال قائم”!
أضف إلى ذلك أن الأجواء التي جاءت من القاهرة التي استقبلت الحريري أمس للقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، ألقت شكوكاً على خطوة الاعتذار، وأوحت بإمكان تعديل مجريات المسار الحكومي، ولا سيما أن الحريري “لا يستطيع تجاهل موقف القاهرة التي نبّهته من الاعتذار، لأن مصر هي آخر حاضنة عربية له”، وفي الوقت ذاته “لا يمكنه أن يخسَر سنده الوحيد في الداخِل، الرئيس نبيه برّي الذي يُعارض فكرة الاعتذار، وحاول مراراً إقناعه بالتراجع عنها”.