وردت أسماء ثلاثة قضاة في ملف إنفجار مرفأ بيروت إتُّهِموا بالإهمال والتقصير. وإلى جانبهم، ورد ــ بخجل ــ إسما رئيسَي هيئة القضايا في وزارة العدل هيلانة إسكندر ومروان كركبي، من دون أن تُعرف مسؤوليتهما فعلاً. ولم يؤت إلا عرضاً على إسم محامي الدولة عمر طرباه، رغم مماطلته لأكثر من سنة في مسألة مراسلةٍ لدفع أتعاب خبير كشف على السفينة “روسوس” التي حملت نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت.
القاضيان المنفردان الجزائيان في بيروت جاد معلوف وكارلا الشوّاح اللذان طلب المحقق العدلي طارق البيطار في ورقة الطلب إلى النيابة العامة التمييزية الإدعاء عليهما بجرم القصد الاحتمالي كما بقية المدعى عليهم في الملف، تأخّر أي إجراء بحقهما أو حتى التدقيق في ملفيهما أو الإستماع إلى إفادتيهما لأكثر من شهرين، مع أنّ دور أحدهما (معلوف) محوري لجهة القرار بإفراغ حمولة السفينة وتعيين حارس قضائي عليها هو رئيس الميناء محمد المولى، وكان يُفترض به بعد تحفّظ المولى لعدم حيازته مفاتيح العنبر، أن يعيّن حارساً قضائياً آخر ويحدّد أمداً زمنياً للحراسة، وهو ما لم يحصل، علماً بأنّ البيطار إستمع إلى إفادتَي معلوف والشواح كشاهدين تمهيداً للادعاء عليهما، ليعاود التحقيق معهما بخلاف ما أشيع بأنّهما سيخضعان للمحاكمة أمام المحكمة الخاصة بالقضاة.
في الفترة الماضية، سادت أجواء في العدلية تدعو الى ضرورة حماية القضاة وتوفير حصانة لهم، لئلّا يتحولّوا كبش فداء للطبقة السياسية التي ستحمي السياسيين المدّعى عليهم، علماً بأن ملف شحنة نيترات الأمونيوم تأرجح لسنوات بين مديرية الجمارك وقاضي الأمور المستعجلة في بيروت (معلوف). فقد أرسل مدير الجمارك الموقوف بدري ضاهر مراسلات عديدة إلى معلوف يطلب فيها تصدير البضائع، فيما كان الأخير يحوّلها إلى هيئة القضايا التي لم تُجب سوى مرة واحدة بالموافقة على إعادة التصدير. وهنا، كان يُفترض بالقاضي اتخاذ قرار بإتلاف هذه المواد الخطرة فوراً بدل التلهّي في مراسلة الدولة اللبنانية وتضييع أربع سنوات في إجراء التبليغات والبحث في اختصاصه وصلاحيته في إتلافها، مستنداً الى اتفاقية هامبورغ. أما القاضية الشوّاح المحالة للادّعاء عليها مع معلوف، فتؤكد مصادر قضائية أنّها لم تتلقّ أي وثيقة أو مراجعة من أحد منذ تولّيها الملف.
القاضي الثالث هو المحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري الذي كان يُعطي إشاراته في الملف، إثر تنحّي المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، قبل أن يطلب القاضي البيطار من النيابة العامة التمييزية، الأسبوع الفائت، التدقيق في شبهات تورطه في جرائم جزائية ساهمت في وفاة أشخاص وجرح آخرين والتسبب بأضرار في الممتلكات العامة جراء اتخاذه قراراً بحفظ ملف التحقيق الذي أجراه أمن الدولة، تمهيداً للادعاء عليه. وقد كانت متابعة ملفه سريعة بخلاف القاضيين الشواح ومعلوف اللذين استُمع إليهما قبل أيام، مع أنّ الإحالة إلى النيابة العامة التمييزية حصلت قبل أكثر من شهرين.
ويوم أمس، إعتبر المحامي العام لدى محكمة التمييز القاضي عماد قبلان “محضر المحقق العدلي المؤرخ في ٢٤ أيلول ٢٠٢١ فارغاً من أي شبهات وليس من شأنه الدلالة على إخلال في الواجبات الوظيفية”، وقرر حفظه. وبرر قبلان في متن قراره بأنّ المحضر الذي يتحدث عنه البيطار فُتِح بإشارة من المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا ومن دون إشارة من النيابة العامة. واعتبر أنّ السبب الذي أُفرغت بموجبه المواد الخطرة كان قراراً قضائياً اتخذه قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، مشيراً إلى أنّ مسؤولية النيابة العامة تبدأ بعد حصول الجريمة المتمثلة بالانفجار وليس قبلها، حيث تُناط الإجراءات الوقائية السابقة لوقوع الجريمة والتي تحول دون وقوع الجرائم بالسلطات الإدارية والضابطة الإدارية الخارجة عن سلطة النيابة العامة. واعتبر أنّ مجرد العلم بوجود نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت “لا يُشكل جرماً جزائياً، إنما الجرم يستوجب القيام بأفعال جرمية أو الامتناع عن القيام بأفعال من قبل شخص مخوّل قانوناً القيام بها، أدت إلى وقوع الجرم أو الانفجار”.
مصادر قضائية مقربة من القاضي البيطار عزت طلبه التحقيق مع خوري الى أنه “أهمل التحقيق الذي ذُكر فيه أنّ هناك مواد شديدة الاشتعال وشديدة الخطورة لو انفجرت ستُدمّر مرفأ بيروت، ورغم ذلك قرر حفظ الملف”. ولفتت الى أنّ هناك أنظمة ترعى المفرقعات وترعى تخزين النيترات جرت مخالفتها ولم يكلّف القاضي خوري نفسه التحقيق فيها، معتبرة أنّه خالف كلاً من المادة ٧٧٠ من قانون العقوبات والمادة ٧٨ من قانون الأسلحة والذخائر التي تتحدث عن كيفية تخزين المفرقعات، ولم يتّخذ أي إجراء بحقّ المخالفين الذين تسبّب إهمالهم بالانفجار.