
محمد وهبة، رلى إبراهيم – الأخبار
“لبنان على مفترق طرق خطير”. هذه العبارة التي وردت في البيان الختامي لبعثة صندوق النقد الدولي التي إختتمت زيارتها للبنان، أمس، قيلت مراراً وتكراراً في السنوات الثلاث الأخيرة. ومن السخرية أن تردادها اليوم من ممثلي الصندوق يسبغ عليها الصدقيّة. فكل مفترق في السنوات الأربع الماضية، كان أخطر من الذي سبقه، فيما عمدت قوى السلطة إلى تجاهل كل التحذيرات. هذا تحديداً، ما يجعل الصندوق بوصفه ديكتاتوراً مالياً يُخضِع الدول حول العالم، واقفاً على يسار السلطة في لبنان، أو أقلّ إجراماً منها. إنما لا شيء يبشّر بأن لكلام الصندوق جدوى ما. فرئيس الحكومة نجيب ميقاتي يتحدّث عن ثلاثة إحتمالات، من بينها واحدٌ يسري منذ فترة طويلة، وهو: “لا تطبيق للإتفاق مع صندوق النقد الدولي”. أما ممثلو الصندوق، فلم يسعهم سوى إعادة وصف واقع الإنهيار في لبنان عن الركود المستمر، والهجرة الكبيرة، والفقر التاريخي. كذلك، كرّروا وصفتهم التي تمزج الإصلاحات بالتقشّف والخصخصة ونبذ الرذائل التي يتعمّد مصرف لبنان وقوى السلطة القيام بها.
بالنسبة إلى الصندوق، طريق النهوض غير ممكن من دون مصارف، وهذا يتطلّب الإعتراف بالخسائر ومعالجتها عبر “تسلسل هرمي” يقضي بذوبان الرساميل أولاً، ثم يتضمّن حماية صغار المودعين… وفي ما خصّ المالية العامة، فالطريق أيضاً واضح: يجب أن تكون الخزينة اللبنانية قادرة على خدمة الدين مستقبلاً بعد النهوض. أي أن تواصل أسر لبنان الفناء من أجل سداد هذا الدين. إذاً، قدَر المقيمين في لبنان بات معروفاً؛ فإما أن يستمروا بكونهم فريسة لقوى السلطة، أو أن يتحوّلوا إلى ضحية جديدة لصندوق النقد الدولي. حصار كهذا يختلف عن الحصار الذي تمارسه الإدارة الأميركية في ممارسة العقوبات ومنع إقراض لبنان بهدف تشغيل خدمات عامة.
هذه الخلاصة الوحيدة التي يمكن إستنتاجها من بعثة صندوق النقد الدولي إلى لبنان، التي ختمت أمس زيارتها له بمؤتمر صحافي، إتّسم بالكلمات الدبلوماسية الباردة رغم سلبيّتها، وبالتحذير الذي سبق أن ردّده ممثلو الصندوق على مسامع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وفي لقاءاتهم مع ممثلي الكتل النيابية وهيئات رسمية ومدنية واقتصادية.
وبحسب مصادر مطّلعة، فإن ميقاتي والنواب بدوا مستائين من كلام ممثلي الصندوق المتعلق بتخلّف لبنان عن تطبيق الإصلاحات المطلوبة وتعمّد الحكومة التباطؤ في تنفيذ الشروط المسبقة. وتضيف المصادر، انه لم يكن بإمكان ميقاتي وبري وسائر النواب والمسؤولين تقديم إجابة واضحة عن المعوّقات التي حالت دون إقرار الخطوات الواردة في الاتفاق المبدئي مع الصندوق وبدء تطبيقها. وخلال لقائهم رئيسَي لجنتَي المال والموازنة إبراهيم كنعان، والإدارة والعدل جورج عدوان، قال ممثلو الصندوق كلاماً سياسياً عن “حكومة معطّلة لعدم تجانس أعضائها، وبالتالي هي غير قادرة على إعداد خريطة طريق للإنقاذ المالي والإقتصادي، فيما المجلس النيابي معطّل أيضاً وغير قادر على إقرار الإصلاحات” وفق المصادر. لذا، شدّد ممثلو الصندوق على ضرورة إنتخاب رئيس للجمهورية، يليه تشكيل حكومة متجانسة، وتعيين حاكم لمصرف لبنان فور إنتهاء ولاية رياض سلامة.
وتقول المصادر إن الوفد بدا حذراً من تفاقم الوضع في ظل “عدم تسجيل أي تبدّل في المسار الحكومي أو في السياسة المالية المعتمدة، ما يوحي بأن ثمة مسعى للتنصل من برنامج صندوق النقد” بحسب ما نقلت المصادر عن ممثلي الصندوق. وهذا التنصّل ورد تلميحاً على لسان ميقاتي بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري، أمس، مشيراً إلى 3 خيارات: “الإتفاق مع صندوق النقد الدولي، الإتفاق مع بعضنا البعض، أو ألّا نتفق بتاتاً… وهذا ما نقوم به”.
وكان واضحاً أن ممثلي صندوق النقد الدولي يعترضون بشدّة على النسخة المطروحة من مشروع قانون الكابيتال كونترول. فهم سبق أن أرسلوا ملاحظاتهم إلى نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب عبر لائحة طويلة تنقض كل ما تم تعديله في جلسات اللجان المشتركة برئاسة بوصعب. كذلك، أوضح ممثلو الصندوق أنهم غير راضين عن التعديلات على قانون السرية المصرفية، وقد علّق رئيس البعثة في إحدى الجلسات قائلاً: “ينبغي على الجهات المعنية الإطلاع على البيانات المتعلقة بمعاملات الأفراد وودائعهم المصرفية”، غامزاً مما قام به ميقاتي لجهة تعطيل قرارات قضائية متعلقة برفع السرية المصرفية عن مصرفيين ونافذين.
ممثلو الصندوق أشاروا في بعض اللقاءات إلى أن كل ما يحصل يقود إلى الإستنتاج بأنه أثناء زيارتهم المقبلة في أيلول المقبل: “لن يكون لديكم أيّ أموال لتبديدها. أنتم الآن اقتربتم من مرحلة الفوضى الإجتماعية. الآن نحن قلقون من ألّا تستطيعوا تمديد إتفاقات دعم رواتب القوى العسكرية والأمنية”. فهم، لا يصدّقون “التعاطي المفرط القساوة من قبل القوى السياسية”، لافتين إلى أن المشكلة “تكمن في أن هذه الطبقة السياسية مختارة من قبل الشعب. وهذه الطبقة لا تستيطع مكاشفة شعبها بأنه لم تعد هناك ودائع. إذ لا يتم البدء بخطّة إعادة الودائع إلا بعد انتهاء برنامج لبنان مع الصندوق، ونحن لا نريد أن يكون ضمن الاتفاق أيّ شيء له علاقة بتوزيع الخسائر وردّ الودائع…
لقراءة المقال كاملاً.. أنقر/ي هنا