
لا يمكن التّكهن بالحصيلة النهائية للإشتباك المسلّح الذي إندلع ليل أمس بين حركة “فتح” وإسلاميين في مخيم عين الحلوة، في مدينة صيدا. لكن، مقتل قائد “قوات الأمن الوطني الفلسطيني” في صيدا، العميد أبو أشرف العرموشي، مع أربعة من مرافقيه، ظهر اليوم، خلال متابعته الميدانية للمعارك الدائرة، فتح الباب على مزيدٍ من التصعيد، الذي يُلقي بثقله على سكان المخيم والمدينة بكاملها.
الإشتباك الأضخم منذ آذار الفائت، بدأ ليل السبت بعد إصابة ثلاثة إسلاميين كانوا ينتمون سابقاً إلى جماعة “جند الشام” وإتهام عنصر فتحاوي بإطلاق النار عليهم. والمتهم بإطلاق النار محمد زبيدات، الملقب بـ”الصومالي”، هو شقيق الفتحاوي محمود زبيدات، الذي قُتل في آذار الفائت، على يد أحد الإسلاميين، الملقّب بـ”الخميني”. ورغم تسليم الأخير للجيش، رفض آل زبيدات الإكتفاء بذلك، وأعلنوا أن ثأرهم لا يزال قائماً، بسبب عدم تسليم أشخاص آخرين شاركوا “الخميني” بقتل إبنهم.
وفي هذا السياق، بادر “الصومالي” إلى إستهداف كل من: عيسى حمد وعبد فرهود ومحمود خليل الملقّب بـ”أبو قتادة”، أثناء مرورهم في حي الجميزة. وهو ما أدى إلى إصابة الثلاثة بالرصاص، قبل مقتل فرهود من جراء إصابته. وعلى الأثر، اندلع اشتباك عنيف في المخيم تبادل خلاله فتحاويون وإسلاميون إطلاق القذائف الصاروخية والرصاص بكثافة.
وجرت إتصالات بهدف التهدئة طوال ساعات الليل بين الجيش وفصائل فلسطينية، أسفرت عن اتفاق بتسليم المتهم زبيدات إلى الدولة. ونتيجة لذلك، شهد المخيم منذ الفجر حتى ظهر اليوم هدوءاً حذراً قطعه رصاص قنص. إلا أن الاشتباك تجدّد بشكل أعنف مع ساعات الظهر، بعد الإعلان عن مقتل العرموشي ومرافقيه في كمين في حي البساتين، وهو في طريقه من مقره إلى مركز “قوات الأمن الوطني” في البراكسات.
حدّة الإشتباكات أدّت إلى سقوط شظايا قذائف ورصاص طائش في أرجاء مدينة صيدا. وهو ما تسبب بتضرر عدد من المنازل والسيارات. لذلك، قطعت القوى الأمنية حركة السير على أوتوستراد الحسبة المحاذي للمخيم في المدينة، والتزم كثير من المواطنين منازلهم. كما قامت إدارة “مستشفى صيدا الحكومي” بإجلاء المرضى وطواقم الممرضين والأطباء بعد إصابة مبناه برصاص وقذائف طائشة. كذلك، تسبّب الرصاص العشوائي بإصابة جندي في الجيش، كان يقف عند الحاجز الواقع بين مدخل المستشفى ومدخل المخيم.
أمّا المخيم، فشهد حركة نزوح كبيرة، فيما تم تأجيل دفن عبد الرحمن فرهود الذي قُتل ليل أمس، من عصر اليوم، إلى موعد يُحدد لاحقاً. ومن المتوقّع أن يشهد المخيم مزيداً من التدهور الأمني، بعد اغتيال العميد الفتحاوي.
حركة “فتح” نعت العرموشي ومرافقيه: مهند قاسم وطارق خلف وموسى فندي وبلال عبيد الذين “إغتالتهم أيدي الغدر والإجرام والإرهاب بعملية آثمة جبانة متعمَّدة خلال أدائهم الواجب الوطني في صون أمن وأمان شعبنا في مخيم عين الحلوة”. واعتبرت الحركة في بيان أن “الجريمة النكراء الجبانة التي نفّذتها جهات مشبوهة، تجسد حلقة في مسلسلها ومخططها الدموي الذي يستهدف أمن واستقرار مخيماتنا وقادة وكوادر حركة فتح وقوات الأمن الوطني الفلسطيني”، متعهدةً بأنها “لن تسمح بأن تمر الجريمة الآثمة من دون محاسبة مرتكبيها”.
وشهدت ساعات ما بعد الظهر، إشتداداً لحدّة الإشتباكات مع فتح جبهات جديدة، من جبل الحليب، حيث مقرات “فتح”، باتجاه معقل الإسلاميين، في حي حطين.
ورداً على إتهامها بالمشاركة في المعارك ضدّ “فتح”، أصدرت “عصبة الأنصار الإسلامية” بياناً أكدت فيه أنها “لم تشارك في الإشتباكات الحاصلة في المخيّم وهي عملت منذ اللحظة الأولى لحصول الحدث على وقف إطلاق النار وتهدئة الوضع في المخيم عبر اتصالات مع مسؤولين لبنانيين وفلسطينيين”.
إلى ذلك، أعلنت وكالة “الأونروا” تعليق خدماتها وعملياتها في مخيم عين الحلوة غداً الإثنين “في ضوء الأحداث الجارية واستخدام الأسلحة الثقيلة”، لافتةً إلى تعرض “مدرستين تابعتين للأونروا تستوعبان حوالى 2000 طالب لأضرار”.
وشددت الوكالة، في بيان، على “ضرورة الوقف الفوري لهذه الإشتباكات حماية للمدنيين”، داعيةً جميع الأطراف المعنية إلى “إحترام حرمة مباني الأمم المتحدة”.
وفي صيدا، أعلنت مدارس المدينة في بيان “توقف الدروس يوم غدٍ الإثنين في المدرسة الصيفية، حرصاً على سلامة التلامذة والمعلمين والعاملين في المدرسة، نتيجة الأوضاع الأمنية، في مخيم عين الحلوة، وبعد مراجعة رئيس المنطقة التربوية في الجنوب أحمد صالح. على أن يُعوّض هذا اليوم في موعد آخر يُحدد لاحقاً”.
الجيش يحذر
وحذر الجيش من أنه سيرد على مصادر النيران بالمثل، بعد تعرض مراكز وعناصر له لإطلاق نار، في محيط مخيم عين الحلوة، خلال الإشتباكات.
وقال الجيش، في بيان، إنه “على أثر وقوع إشتباكات داخل مخيم عين الحلوة – صيدا، سقطت قذيفة في أحد المراكز العسكرية، كما تعرضت مراكز ونقاط مراقبة تابعة للجيش لإطلاق نار، ما أدى إلى إصابة عدد من العسكريين بجروح”.
وأضاف: “تحذّر قيادة الجيش من مغبة تعريض المراكز العسكرية وعناصرها للخطر مهما كانت الأسباب، وتؤكد أن الجيش سيرد على مصادر النيران بالمثل”.
ميقاتي
وشدد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، على مطالبته القيادات الفلسطينية بضبط الأمن في مخيم عين الحلوة وتسليم المُخلّين به إلى الدولة وإنهاء ظاهرة الإشتباكات المُتكررة، واصفاً توقيت الإشتباك الحالي بـ”المشبوه”.
ورأى ميقاتي، في بيان، أن “توقيت الاشتباكات الفلسطينية في مخيم عين الحلوة، في الظرف الإقليمي والدولي الراهن، مشبوه، ويندرج في سياق المحاولات المتكررة لاستخدام الساحة اللبنانية لتصفية الحسابات الخارجية على حساب لبنان واللبنانيين، كما أن تزامن هذه الاشتباكات مع الجهود التي تبذلها مصر لوقف الخلافات الفلسطينية – الفلسطينية، هو في سياق الرسائل التي تستخدم الساحة اللبنانية منطلقاً لها”.
وأكد ميقاتي رفض هذه الإشتباكات “لعدة أسباب: أولها أنها تكرّس المخيم بؤرة خارجة عن سيطرة الدولة وهذا أمر مرفوض بالمطلق ويتطلب قراراً صارماً من القيادات الفلسطينية باحترام السيادة اللبنانية والقوانين ذات الصلة وأصول الضيافة. أيضاً فإن هذه الاشتباكات تشكل ضربة في صميم القضية الفلسطينية التي سقط من أجلها آف الشهداء وقدّم لأجلها الشعب الفلسطيني التضحيات الجسام في الوطن والشتات”.
وطالب ميقاتي القيادات الفلسطينية بالتعاون مع الجيش بـ”ضبط الوضع الأمني وتسليم العابثين بالأمن إلى السلطات اللبنانية، وهذا هو المدخل الطبيعي لإعادة بسط الأمن والاستقرار داخل المخيم وفي محيطه، كما في سائر المخيمات الفلسطينية في لبنان”.
كذلك، طلب من الجيش والأجهزة الأمنية “ضبط الوضع في المخيم لما فيه مصلحة لبنان واللاجئين الفلسطينيين على حدٍّ سواء”.
وختم ميقاتي بيانه بأن الحكومة تجهد لتحسين ظروف عيش اللاجئين الفلسطيينين في لبنان “عبر إقرار الإستراتيجية الوطنية للاجئين الفلسطينين، إلا أنه على كافة الجهات الفلسطينية المعنية أن تنهي ظاهرة الاشتباكات المتكررة”.
وقف إطلاق النار
وتوصلت “هيئة إلى إتفاق على وقف لإطلاق النار في مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا، وتشكيل لجنة تحقيق في اغتيال العميد الفتحاوي أبو أشرف العرموشي وتسليم الفاعلين إلى الدولة اللبنانية.
وتمّ التوصل إلى الإتفاق في إجتماع للهيئة بحضور وفد من قيادة حركة أمل وممثل عن حزب الله وممثل عن الشيخ ماهر حمود. ووفق البيان، توافق المجتمعون “على الآتي:
– وقف فوري لإطلاق النار في مخيم عين الحلوة والعمل من كافة الأطراف على سحب المسلحين من الطرق والعمل على ضبط الوضع داخل المخيم.
– تشكيل لجنة تحقيق فلسطينية بإشراف هيئة العمل الفلسطيني المشترك تسعى للوصول إلى الحقيقة حول اغتيال العميد أبو أشرف العرموشي ورفاقه وتسليم الفاعلين إلى الأجهزة والسلطات الأمنية المختصة في الدولة اللبنانية.
– الإلتزام بما أقر بإجتماع هيئة العمل الفلسطيني المشترك في منطقة صيدا الذي انعقد اليوم حول حادثة الأمس، وتعهد جميع المجتمعين بالإجماع بتنفيذ ما ورد أعلاه في البيان وتسليم جميع المتورطين إلى أي جهة إنتموا”.
ورغم التوصل إلى توافق على وقف إطلاق النار، لا تزال الإشتباكات مستمرة بين الطرفين.
الرئاسة الفلسطينية
وصفت الرئاسة الفلسطينية اليوم قاتلي العميد الفتحاوي في مخيم عين الحلوة في صيدا اليوم بالمجموعات الإرهابية المتطرفة، معربةً عن دعما للحكومة اللبنانية في فرض النظام والقانون.
ورأت الرئاسة، في بيان، أن ما حدث “مجزرة بشعة وإغتيال غادر وإرهابي لمناضلين من قوات الأمن الوطني أثناء أدائهم واجباتهم الوطنية في الحفاظ على صون الأمن والأمان لشعبنا في مخيم عين الحلوة، والسهر على أمن الجوار اللبناني”، مشددةً على أنه “تجاوز لكل الخطوط الحمراء وعبث بالأمن اللبناني وأمن المخيم من قبل مجموعات إرهابية متطرفة دأبت منذ سنوات العمل على إدخال المخيم في تنفيذ أجندات هدفها النيل من الاستقرار الذي يشهده المخيم”.
وأكدت الرئاسة أن “هذا الأمر غير مسموح به ولن يمر دون محاسبة مرتكبي هذه المجزرة”، معربةً عن دعمها “ما تقوم به الحكومة اللبنانية من أجل فرض النظام والقانون”.
كما أكدت حرصها الشديد على “سيادة لبنان، بما يشمل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، والحفاظ على الأمن والقانون. عملنا طوال السنوات الماضية وبجهد كبير للحفاظ على إستتباب الأمن والإستقرار وبالتنسيق مع الدولة اللبنانية وأجهزتها الرسمية والأمنية، وسنبقى على هذا الطريق للحفاظ على أمن وسيادة لبنان وحماية أبناء شعبنا في المخيمات وتحت سيادة القانون والأمن اللبنانيين”.