رنى سعرتي – نداء الوطن
“لا معاشات بالدولار”. هكذا جزم الحاكم المؤقت لمصرف لبنان الأمر، مؤكداً لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي مرّة أخرى على تشبث المجلس المركزي بقرار عدم صرف دولار واحد من الإحتياطي الذي تراجع وفقاً للميزانية العمومية لمصرف لبنان بقيمة 600 مليون دولار في الاسبوعين الاخيرين من تموز لأسباب مجهولة.
وإذا كان مصرف لبنان بحلّته الجديدة لن ينفق قرشاً واحداً سواء بالليرة أو الدولار لتأمين رواتب واجور القطاع العام او غيرها اواخر آب، فان تلك الرواتب ستحوّل من حساب الخزينة بالليرة على غرار ما حصل مع أوجيرو امس، الى مصرف لبنان الذي سيسددها أيضاً للموظفين بالليرة.
علينا أن نختار
مصادر نواب الحاكم سألت: لماذا لا يتم دفع الرواتب بالليرة؟ معتبرة ان الأمر متروك لوزارة المالية لإدارة أي فجوة محتملة ناتجة عن سياسة مالية متساهلة. وحول تأثير زيادة الكتلة النقدية المتداولة في السوق على سعر الصرف، قالت المصادر:
هل نخاف على حجم الكتلة النقدية المتداولة، أو على هدر الاحتياطي الإلزامي؟ سيتعين على الناس الاختيار والتصرف وفقاً لذلك، على ان نتصرف نحن في الوقت المناسب. مصادر متابعة اكدت ان هناك آليات تدرس لمنع تأثير التوسع بالكتلة النقدية بالليرة على سعر صرف الدولار.
ورغم ان الفارق بين صيرفة التي تقاضى موظفو القطاع العام رواتبهم بالدولار وفق سعر صرفها اواخر تموز (85500 ليرة)، ليس كبيراً نسبة الى سعر صرف السوق السوداء حالياً (89500)، فان هذا الامر وحده ليس العائق الوحيد، بل حجم الكتلة النقدية المتداولة في السوق الذي سيعود للارتفاع مجدداً مع تسديد الرواتب كاملة بالليرة، علماً انه كان تراجع في الاسبوعين الاخيرين من تموز من 79 تريليون ليرة الى 61 تريليوناً. مما يعني ان عرض الدولارات في السوق سينخفض اواخر الشهر الحالي أوّلاً نتيجة توقف تسديد الرواتب بالدولار، وثانياً مع تقلّص إنفاق المغتربين او السياح بسبب قرب انتهاء فترة موسم الصيف، مما سيضغط مجدداً على سعر الصرف وسيزيد الطلب على الدولار «والتناتش» عليه لدى الصرافين فقط مع توقف صيرفة.
نقص بالليرة
في هذا الاطار، أوضح نقيب الصيارفة مجد المصري لـ”نداء الوطن” انه مع توقف عمل صيرفة منذ اوائل شهر آب، لم تشهد السوق طلباً متزايداً على الدولار لدى الصيارفة، لا بل هناك شحّ ملحوظ بالسيولة النقدية بالليرة وصعوبة في تأمينها بسبب الطلب المتزايد عليها حالياً، بغرض تأمين مستحقات القطاع الخاص للدولة من رسوم وضرائب وغيرها. عازياً استقرار سعر الصرف الى عدم ضخ السيولة النقدية بالليرة من قبل مصرف لبنان في السوق (توقف طبع العملة).
واعتبر المصري انه في حال تم تسديد رواتب واجور القطاع العام بالليرة نقداً اواخر الشهر من دون اي ضخ للدولارات في السوق من قبل مصرف لبنان، فان ذلك سيؤدي حتماً الى ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، مشيراً الى ان الهندسات المالية التي سيعتمدها مصرف لبنان في الفترة المقبلة هي التي ستحدد توجّه سعر الصرف، “في حال اراد الحفاظ على استقراره عند المستويات الحالية من خلال ضخ الدولارات المطلوبة وسحب الكتلة النقدية بالليرة من السوق، او عدم التدخل وجعل عامل العرض والطلب يحدد السعر الحقيقي للدولار”. متوقعاً لدى مقاربة الاوضاع الحالية، مساراً تصاعدياً للدولار في الفترة المقبلة.
شفافية نوّاب الحاكم
من جهته، اعتبر رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر ان رواتب القطاع العام التي كانت تسدد على سعر صيرفة كانت تشكّل “متنفّساً” نوعاً ما للموظفين، خصوصاً عندما كان الفارق كبيراً بين صيرفة (45 ألف ليرة و60 ألف ليرة) والسوق السوداء، إلا ان هذا الفارق تقلّص مؤخراً بعدما تمّ اعتماد سعر صرف صيرفة الحقيقي لتسديد الرواتب.
وأوضح ان الاصلاحات الفعلية التي نشهدها في مصرف لبنان ومحاولة توجيه الامور نحو المسار السليم لناحية اعادة اموال المودعين وعدم المسّ بها والتوقف عن مخالفة قانون النقد والتسليف، جميعها تشكل عوامل ايجابية ضمن مرحلة انتقالية ستصبّ في مصلحة موظفي القطاع العام الذين فقدوا حقهم بصيرفة فعلاً (رغم انها كانت تموّل من اموال المودعين)، لكنهم في المقابل قد يستعيدون الامل في استرجاع ودائعهم المحتجزة.
ولمس الاسمر نوعاً من الشفافية في طريقة عمل نواب الحاكم، “وهو الامر الذي افتقدناه لمدة طويلة”، متمنياً ان تستمرّ هذه الشفافية في التعاطي، وان تقود الخطوات الاصلاحية الى نتائج ايجابية على الصعيد العام.
كما أكد على موقف الاتحاد العمالي العام الرافض للمسّ بأموال الاحتياطي ولو حتّى بطريقة «مشرّعة»، سائلاً: هل يعقل ان تشرّع الدولة الاستدانة من مصرف لبنان والدوائر العقارية وغيرها من مؤسسات الدولة مقفلة؟ أليس من الاجدى استعادة موارد الدولة وجباية الايرادات بدلاً من اقراض 1,2 مليار دولار؟ وفيما عبّر الاسمر عن قلقه لناحية امكانية عدم تأمين رواتب واجور القطاع العام اواخر الشهر، رأى ان تسريب هذا النوع من الاخبار من قبل المسؤولين هو وسيلة للضغط على القطاع العام لكي يغض النظر عن توقف صيرفة، ونوع من المقايضة.
وأكد ان القطاع العام لن يعترض على توقف تسديد الرواتب وفقاً لسعر صرف صيرفة كما ان الاتحاد العمالي العام على تواصل مع نائب الحاكم الاول، وسيصار الى عقد لقاء بين الطرفين للاطلاع على اجواء العملية الاصلاحية ومدى انعاكسها على وضع موظفي القطاع العام.