رلى إبراهيم – الأخبار
لسنوات طويلة، تصرّفت هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، والتي أنشئت بهدف التحقيق في العمليات التي يُشتبه في أنها تشكّل جرائم تبييض للأموال، وكأنّها غير موجودة سوى عندما يصل الأمر الأميركي. وقبل وضع حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة وشركائه على لائحة العقوبات الأميركية، لم تجرؤ الهيئة أو أي عضو في المجلس المركزي على طلب تجميد حسابات الحاكم. ولطالما استخدم أعضاء الهيئة ذريعة أن أصواتهم “مغيبة”، كون رئيس الهيئة هو نفسه حاكم المصرف. لكن تغيّرت المعادلة سريعاً ما إن صدر القرار الأميركي بوضع سلامة ومعاونيه على لائحة العقوبات. فقد طلب نائب الحاكم الأول وسيم منصوري، بصفته رئيس هيئة التحقيق الخاصة بعد تسلّمه حاكمية المصرف بالإنابة، “تجميد الحسابات العائدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالانفراد أو بالاشتراك لكل من رياض ورجا وندي سلامة وماريان الحويك وآنا كوزاكوفا لدى جميع المصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان، ورفع السرية المصرفية عنها تجاه المراجع القضائية المُختصة، على أن لا يشمل هذا القرار حسابات توطين الراتب”. وقد اتُّخذ القرار بإجماع أعضاء هيئة التحقيق وأُبلغ إلى النائب العام لدى محكمة التمييز، والهيئة المصرفية العليا بشخص رئيسها، والمصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان.
يفترض تالياً، غداة صدور القرار، أن تلتزم المصارف برفع السرية المصرفية عن كل الحسابات لديها وتزوّد مصرف لبنان بكشوفات حولها حتى المغلقة منها. وهو ما سيكشف حقيقة حسابات ماريان الحويك ورجا سلامة في بنك الموارد وحركة العمليات المالية التي كانت تحصل إضافة إلى حسابات مصرفية لرجا سلامة والحويك في مصارف أخرى أيضاً، كما أظهرت التحقيقات السويسرية. وسيتبين ما إذا كان نجل سلامة، ندي، قد فتح حسابات في لبنان، مثله مثل كوزاكوفا.
وسيسري مفعول كشف الحسابات لمدة لا تقل عن 10 سنوات، إضافة إلى تطبيق مفاعيل القانون 44/2015 المتعلّق بمكافحة تبييض الأموال لناحية رفع هيئة التحقيق الخاصة تقريراً بما ستزوده المصارف بها إلى النيابة العامة التمييزية، إذا ثبت ما يثير الريبة بشأن مصادر الأموال وحركتها أو ثبتت أي شكوك حول الطبيعة الجرمية للعمليات. ليصبح القرار بيد النائب العام التمييزي، سواء لناحية حفظ الأوراق في قضايا تبييض الأموال وغيرها فيتم تحرير الأموال، أو لجهة صدور قرار مبرم بمنع المحاكمة عن قاضي التحقيق أو عن الهيئة الاتهامية. وفي حال صدور حكم أو قرار مبرم بإبطال التعقّبات أو بالبراءة بحق أصحاب الحسابات المجمّدة والأموال الممنوع التصرف بها تصبح الحسابات والأموال محرّرة.
من جهة أخرى، وفي حال كان الأمر يتعلق بمقيم خارج لبنان كما هي حال ندي سلامة، فإن “القانون الذي يُطبق في أي جرم هو القانون الخاص”، بحسب ما يقول المحامي كريم ضاهر، إذ “يفترض أن يراسل لبنان البلد الذي يقيم فيه المشتبه به لإبلاغه بهذه الارتكابات، آخذين في الإعتبار إذا كان يملك جنسية لبنانية وبالتالي يحاسب في بلده عملاً بسيادة التحقيق اللبناني. وإذا كان ثمة تهرب ضريبي، عندها يسري على المسألة القانون 55/2016 المتعلق بتبادل المعلومات الضريبية الذي يلزم لبنان بإرسال معلومات إلى البلد الذي يقيم فيه المتهرّب”.
ضاهر تساءل لماذا تحركت هيئة التحقيق اليوم، مشيراً إلى أن “هناك مسؤولية كبيرة جداً على كل من غطّى وساهم في إخفاء معالم الجريمة، ولا سيما أعضاء هيئة التحقيق الخاصة الذين كان يفترض بهم الإبلاغ عن إرتكابات الحاكم، ولا سيما تضارب المصالح والإحتماء بالقانون 83 الذي يحمي كاشفي الفساد أمام المدّعي العام التمييزي لناحية عدم الإفصاح عن هوياتهم. فالسكوت عن هذه الجرائم يجعل منهم شركاء أو مشتركين في الجرم، وبالتالي تجب محاسبتهم”.
الأمر نفسه يسري على رؤساء مجالس إدارات المصارف ومديري المؤسسات المالية والمحاسبين المجازين والكتابِ العدلِ الذين يُعتبرون مشاركين في الجرم ويُعاقبون وفق المادة 3 من القانون 44 بالحبس من 3 إلى7 سنوات في حال التسهيل أو التحريض أو الاشتراك في عمليات تبييض الأموال. وبحسب المادة 4 من القانون نفسه، فإن المصارف ملزمة بتطبيق إجراءات العناية الواجبة على العملاء وتحديد هوية صاحب الحق الاقتصادي واتخاذ الخطوات اللازمة للتحقّق منها بالاستناد إلى وثائق أو معلومات أو بيانات موثوقة. كما الاحتفاظ بصور عن المستندات المتعلقة بالعمليات كافة وبالمعلومات أو بالبيانات أو بصور عن الوثائق المتعلقة بهوية المتعاملين لمدة خمس سنوات على الأقل بعد إنجاز العمليات أو انتهاء علاقة التعامل، وعليها المراقبة المستمرة ومراجعة علاقات التعامل وتطبيق الإجراءات في حال نشوء شك حول صحة المعلومات المصرّح عنها والمتعلقة بتبييض الأموال، والإبلاغ عنها، ما يجعل المصارف عرضة للعقوبات المحددة في المادة 13، والتي تصل إلى الحبس والتغريم. كل ذلك منوط بما ستفصح عنه المصارف لهيئة التحقيق والتقرير الذي سترفعه الهيئة إلى النيابة العامة التمييزية لتتحرّك بدورها لحماية الحق العام.