رلى إبراهيم – الأخبار
حتى مساء أول من أمس، كان يبدو أن ثمّة خيارين لا ثالث لهما أمام حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة الذي يواجه إتهامات بغسل أموال وإختلاس في لبنان والخارج: إما التغيّب عن جلسة الهيئة الإتهامية في بيروت، التي إجتمعت أمس لتقرير الإجراء الذي ستتّخذه بشأنه، ما كان سيدفع الهيئة إلى إصدار مذكّرة توقيف غيابية بحقه، أو حضور الجلسة وتوقيفه. لكنّ أحداً لم يكن يتوقّع أن يلجأ سلامة إلى التقدم بدعوى أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز لمخاصمة الهيئات الإتهامية الثلاث التي تعاقبت على تسلّم ملفه خلال العطلة القضائية، إذ حضر وكيل سلامة المحامي حافظ زخور وسلّم رئيس الهيئة الإتهامية القاضي ماهر شعيتو نسخة عن الدعوى، بحضور رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر. سريعاً، أعلن شعيتو رفع يده عن الملف في إنتظار أن تبت الهيئة العامة في الدعوى. وبما أن الهيئة العامة معطّلة ولا تجتمع، نجح سلامة مجدداً في الإفلات من العقاب وابتكار مخرج عبر “ضربة معلم”، إذ يُجمع أكثر من قاضٍ على أن مخاصمة الهيئة الاتهامية تتطلب أن تكون هذه الهيئة قد اتخذت قراراً نهائياً في الملف، وهو ما لم يحصل في موضوع سلامة، وبالتالي ليس ثمة قرار ليخاصمها عليه. لكنه تعمّد مخاصمتها لمعرفته المسبقة بأن من يُفترض أن يرفض هذه الدعوى نظراً إلى عدم صحتها، أي الهيئة العامة، غير موجود. وحتى في حال إنتهاء مناوبة الهيئة الاتهامية برئاسة شعيتو وتعيين هيئة جديدة تعيد النظر في الملف، سيعمد سلامة إلى مخاصمتها مجدداً قبيل إتخاذها أي قرار. وبحسب أحد القضاة المطّلعين على الملف، من نصح سلامة باعتماد هذا الخيار لا يمكن أن يكون وكيله، بل أحد القضاة المخضرمين العارفين بالدهاليز القضائية.
التواطؤ القضائي لا يقتصر على هذا الجزء فقط، إذ إن المراجعة التي قدّمها سلامة ضد الهيئة الإتهامية بيّنت بوضوح أن هناك من يعلمه بتفاصيل ما يحصل داخل الهيئة الإتهامية، وهو ما بدا بوضوح من معرفته بموعد صدور قرار الهيئة الإتهامية الأول الساعة السادسة مساءً، وتفاصيل حول إنسحاب قاضية (لمى أيوب) وإنتداب قاضٍ مكانها (محمد شهاب) لاستصدار قرار جرّاء طلب إسكندر فسخ قرار القاضي شربل أبو سمرا. بذلك، فإن كل النقاط التي يسجّلها سلامة، رغم ثبوت التهم ضده باختلاس وتبييض الأموال وسوء إستخدام النفوذ وإستخدام المال العام لمنفعة خاصة، يتحمّل وزرها الجهاز القضائي. ومسؤولية “تنييم” الملف في الهيئة العامة رغم أن المحاكم يُفترض أن تتمتع بالاستمرارية، يتحمّلها رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود الذي يعطّل الهيئة العامة، ما حال دون حضور رؤساء الغرف في محاكم التمييز. علماً أن ردّ دعوى مخاصمة سلامة لعدم صحتها لم يكن يحتاج إلى أكثر من ربع ساعة.
ما جرى أمس مجرد “فصل” من المسرحية التي يتوالى عرضها والتي لا يبدو أن “بطلها” سيقع في النهاية. ففي الفصول السابقة، إستجوب المحامي العام الإستئنافي في بيروت رجا حاموش سلامة وادّعى عليه من دون توقيفه، وأحال الملف إلى القاضي شربل أبو سمرا الذي إستجوب الحاكم وتركه رغم قدرته على توقيفه منذ الجلسة الأولى. بطل المسرحية المتروك من دون محاسبة ينجح في كل مرة بالإفلات من “خروم الإبر”، والسبب ببساطة هو أن من يُفترض أن يحاسب سلامة، أي القضاء، هو من يبتكر له مخارج الإفلات من العقاب.