هيام القصيفي – الأخبار
مع دخول الملف الرئاسي مرحلة الجمود، والضغط الخارجي للذهاب إلى خيار رئاسي ثالث بدل المرشحين المنتمين إلى معسكرين مختلفين، تصبح وضعية قائد الجيش أكثر حساسية، وتحت المعاينة أكثر من غيره من المرشحين المحتملين، المفتوحة المهل أمامهم إلى أن يصدر قرار إجراء الانتخابات الرئاسية.
ثلاثة أشهر وأيام معدودة تفصل العماد جوزف عون عن التقاعد. ومن الطبيعي أن تكون هذه الأشهر هي الأكثر ضغطاً، تحديداً بينه وبين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. الثاني الذي بقي مرشحاً محتملاً منذ تولي العماد ميشال عون رئاسة الجمهورية، خرج من السباق الرئاسي، لكنه يتمسك بدوره ناخباً أساسياً، متقاطعاً مع المعارضة ومحاوراً حزب الله، ومفاوضاً قطر وباريس من موقعه. أما الأول الذي لم يعلن ترشيحه رسمياً، وإن كان بدأ عمله في قيادة الجيش مرشحاً “طبيعياً”، فقد بدأ يتصرف منذ مدة غير قصيرة، كمرشح أول، وكخيار ثالث ثابت يجري التسويق له، بين مرشّحي الثنائي والمعارضة.
وفي الحالتين، لم يغفل باسيل وعون في الآونة الأخيرة تبادل الانتقادات والرسائل الواضحة في ما بينهما، بعد سنوات من الخلافات والمماحكات التي بقيت محكومة بسقوف مضبوطة. لكنّ لرئاسة الجمهورية اليوم معنى آخر، وإذا كان باسيل يتصرف كرئيس تيار سياسي ورئيس كتلة نيابية وازنة، فإن قائد الجيش يخطو خطوات “سياسية” لأول مرة بهذا الوضوح، منذ أن بدأ معركته الرئاسية قبل انتهاء عهد العماد ميشال عون.
لا يمتلك قائد الجيش من الأوراق الرابحة حتى الآن سوى دعم خارجي من قطر، أما لقاء الموفد الفرنسي جان إيف لودريان به، فلم يكن الهدف منه تزكيته مطلقاً. والدعم الآخر محلي من القوات اللبنانية ليس بصفته مرشحها الأول، إنما مرشح الضرورة، وبعض النواب الذين لا يتركون مناسبة إلا ويعلنون تأييدهم العلني له. لكنّ الأخير لا يملك عدة عمل فعلية تقوم على إعداد البنية التي تفترضها المعركة الرئاسية، إذ إن كل ما يمتلكه قرار خارجي بتوليته رئيساً، فتنتهي معركته قبل أن تبدأ. أكثر من ذلك، لا قدرة لديه اليوم على القيام بغير ما يفعله هو وفريقه السياسي والإعلامي. أما تجميع الأوراق الأمنية واتهامه بلعب ورقة النازحين، فهي تنتهي في لحظة قرار خارجي بإخراجه من السباق الرئاسي.
في المقابل لا يزال باسيل يتصرف وكأنه يملك عدة أوراق رابحة، أُولاها وأهمها عدم وجود قرار خارجي بإجراء الانتخابات الرئاسية، وهذا الأمر يصبّ إيجاباً لصالحه. كذلك الأمر بالنسبة إلى اختيار قائد الجيش مرشحاً وحيداً، إذ يعرف تماماً أن العواصم المعنية لم تُجمِع بعد عليه، ولا سيما أنه “خيار متعب” في استخدام الآليات الدستورية والالتفاف عليها. وهو أمر قد لا يكون بالسهولة ذاتها التي تم فيها انتخاب الرئيس ميشال سليمان، لتغيّر ظروف المرحلة كما تبدّل تركيبة المجلس النيابي والقوى التي تسيطر عليه.
والورقة الثانية محلية وهي موقف الثنائي الشيعي الذي أعاد تمسكه بمرشحه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. ويزداد تعويل باسيل على هذا الموقف الذي يساهم في تطويل مهلة المراوحة. لأن الاشهر المتبقية من ولاية عون هي فرصته الأخيرة للإطاحة بأحد أكثر المرشحين معارضة له. والوقت الذي يستنزف الجميع من دون استثناء، يعطي لرئيس التيار هامش مناورة كبيرة، في محاولته تقليل حظوظ قائد الجيش وطيها، واستباق كل ذلك بسحب فكرة التمديد له، كما بدا الترويج له. ويبدو حتى الآن قاطعاً في عدم استثمار “مسيحية” الموقع من أجل الحفاظ على قائد الجيش فيه بعد انتهاء ولايته.
ولا يمتلك باسيل إلى الآن أوراقاً أخرى محلية، لأن هامش التقاطع مع المعارضة يقف عند حدود الاتفاق على المرشح جهاد أزعور. وليس في مقدوره تليين موقف أطياف المعارضة والتغييريين حول رفض قائد الجيش. لأن لكل من الأحزاب المسيحية ولا سيما القوات موقفاً واضحاً من عدم ممانعة وصوله، فيما بدا نواب تغييريون وآخرون مستقلون يؤيدونه علناً. لكنه يراهن في الوقت ذاته على أن بعض المؤيدين اليوم إنما يلجأون إلى المناورة الاستباقية لعلم الجميع أن الوقت لم يحن بعد لوصول قائد الجيش إلى قصر بعبدا.
ورغم ذلك لا يزال باسيل يتحضّر لــ”الخطة باء”، خشية أن يصبح قرار اختيار عون أمراً واقعاً، لذا يفاوض ويتحدث عن شروط ويطرح أسئلة عما سيرافق وصول قائد الجيش إلى قصر بعبدا، وعن فريق الرئيس المقبل وإحتمال تشكيله كتلة سياسية، أو حتى مشاركته في الانتخابات النيابية المقبلة عبر كتلة نيابية، وأسئلة أخرى تصبّ في المنحى ذاته. وهي أسئلة لا تزال من دون أجوبة واضحة من جانب الذين يتبنون ترشيح عون. ولا أحد يمتلك هذه الأجوبة، لأن البحث الجدي لم يصل بعد إلى قرار حاسم في شأن حتمية إجراء الإنتخابات.