آمال خليل – الأخبار
ليل الثلاثاء الماضي، عقب إنتهاء الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات النيابية، عادت بهية الحريري نائبة سابقة إلى صيدا بعد غياب ستة أيام أمضتها في أبو ظبي، في ضيافة ابن شقيقها الرئيس سعد الحريري. وهي تعمّدت التغيّب عن المدينة في وقت كانت تشهد فيه واحداً من أكثر الانتخابات حساسية في تاريخها، وأسفرت عن إعادة انتشار سياسي بين الحلفاء والخصوم على السواء.
تأتي العودة وسط غضب عارم يسود أجواء المرشح الخاسر يوسف النقيب، الذي عُدّ مرشحاً “مقنّعاً” لآل الحريري وتيار المستقبل، واتهامات لآل الحريري بـ”عدم الوفاء” للرجل، فيما يجري تدقيق في الأصوات لتحديد حجم ما جناه النائبان المنتخبان أسامة سعد وعبد الرحمن البزري من أصوات “الست” بعد عزوفها عن خوض الانتخابات.
امتعاض النقيب يعود الى ما يراه تراجعاً عن اتفاق أبرمه مع الحريري لوراثة مقعدها. وفي هذا السياق، نشرت ابنته آية النقيب منشوراً على مواقع التواصل الاجتماعي اتهمت فيه الحريري وفريقها بـ”تسديد طعنة غدر”. قيما أعرب النقيب، في احتفال لتكريم ماكينته الانتخابية، عن “الحزن ممن يقولون كلاماً جميلاً في الوجه ويمارسون التقية في الخفاء”، و”الأسف على فريق بادلته كل الوفاء وبادلني بوعود بالتصويت لي ودعمي وعملوا معي في الماكينة، ثم كذبوا وتجسّسوا عليّ”. كما صوّب على الجماعة الإسلامية التي أبرم معها اتفاقاً لتجيير أصوات مناصريها له، واتهم قيادتها في صيدا بـ”إستغلال الدين لغايات مالية ومؤسساتية». وختم: “في قلوبنا أشياء لا تقال ولن تقال”. وفي تسجيل صوتي، اتهم النقيب الحريري بـ”الكذب” عليه، وأنها “طلبت من أنصارها التصويت للخصوم”. فيما جرى تداول تغريدة لابنة المرشح المنسحب حسن شمس الدين انتقدت فيها سعد الحريري. وفي السياق نفسه، شن مناصرون لتيار المستقبل حملة ضد الحريري “للتسبب بخسارة تيار المستقبل مقعده في صيدا وتسليمه بسهولة إلى عبد الرحمن البزري”.
ورغم بيانات أصدرتها الحريري تكراراً، نفت فيها التدخل لمصلحة أي مرشح، غير أن ماكينة النقيب ضمّت عدداً من أركان فريقها، وبعضهم من آل الحريري. وبحسب أحد هؤلاء، فقد “نال النقيب موافقتها قبل الترشح. وعندما سألناها إن كانت ستزعل إذا اشتغلنا له، ردّت: أزعل إن لم تشتغلوا ليوسف”.
النقيب الذي رأس لفترة طويلة الماكينة الانتخابية لتيار المستقبل في المدينة، لجأ إلى الأساليب نفسها التي اتبعها التيار الأزرق في المدينة في كل الاستحقاقات النيابية والبلدية منذ 1992، من توزيع مال انتخابي واستقدام من استفادوا من توظيفات في السعودية ولبنان، ولا سيما في “أوجيرو” ومؤسسات جمعية المقاصد الإسلامية التي يرأسها، ومجنّسين سُجّلوا في قيود صيدا في عهد الرئيس رفيق الحريري، إلى جانب اعتماد خطاب مناطقي ومذهبي لشد العصب وتحفيز الناخبين… وهو مضى في تحالفه الانتخابي مع القوات اللبنانية في دائرة صيدا – جزين، مطمئناً إلى إيعاز ضمني من الحريري بالتصويت له لضمان فوزه في وجه البزري والمرشح المدعوم من ثنائي أمل وحزب الله نبيل الزعتري. فما الذي تبدّل في حسابات مجدليون؟
من أبو ظبي، تابعت “الست” إنتخابات صيدا. البداية كانت مع رئيس بلدية صيدا محمد السعودي، المقرب من الحريري، الذي أدلى بصوته رافضاً دعوات المقاطعة. بعد ربع ساعة، كان النقيب يدلي بصوته في ثانوية نزيه البزري، ويصرّح بأن سعد وبهية الحريري “معهما حق بعدم الترشح والتدخل. لكن نحن يحقّ لنا ذلك، وهذا يثبت الديموقراطية في تيار المستقبل”. حتى ذلك الحين، لم يكن المشهد مستفزاً، إلى أن عاد النقيب إلى باحة الثانوية متأبطاً يد الرئيس فؤاد السنيورة الذي حضر للاقتراع، وكان إلى جانبه أثناء تصريحه لوسائل الإعلام. بدا السنيورة مزهوّاً بـ”العرس الديموقراطي”، فيما أولياء نعمته خارج المشهد. وبثقة وتحدّ، رفض الاتهامات بغدره بآل الحريري، و”لم يخلق بعد من يتهمني بمثل هذه الاتهامات. ما أقوم به لمصلحة الحفاظ على إرث الشهيد رفيق الحريري والرئيس سعد الحريري أيضاً ولعودته للمشاركة في الوطن”. وأكمل استفزازه بدعوة المقاطعين “للعودة إلى رشدهم وسيعلمون أنهم كانوا مخطئين”، وصرّح علناً، للمرة الأولى، بدعمه للنقيب “المخلص لنهج الرئيس رفيق الحريري”. فيما كان سابقاً يؤكد في مجالسه الخاصة أنه ساهم في ترشحه وإتمام تحالفه مع القوات برعاية السفارة السعودية في بيروت لوراثة مقعد بهية من جهة، وتأمين رافعة للمرشحة على المقعد الكاثوليكي في جزين المدعومة من معراب غادة أيوب.
إستفز السنيورة الحريريين في عقر دارهم، مستغلاً تغيّبهم عن الانتخابات الصيداوية للمرة الأولى منذ 30 عاماً. ووفق رواية أحد المقربين من الحريري، تبلغت الست عند الثالثة من عصر الأحد أن نسبة الاقتراع لم تزد على 13 في المئة وأن البزري هو صاحب النسبة الأعلى من الأصوات. عندها، وبدفع من أصدقاء مشتركين بين الحريري والنائب أسامة سعد، بدأ مقربون من المستقبل تجيير بعض الأصوات للأخير بهدف رد الصفعة للسنيورة وتطويق البزري، علماً بأن الأرقام التي جرى الحديث عنها مبالغ فيها. كما جرى الحديث عن تصويت مناصرين لحزب الله وسرايا المقاومة لسعد أيضاً، وهو ما دفع بالمرشح الخاسر نبيل الزعتري، المدعوم من الرئيس نبيه بري، الى شن حملة على الحزب متهماً إياه بالتقاعس عن دعمه بالصوت الشيعي، ما أدى إلى حصوله على 3242 صوتاً تفضيلياً فقط. وتردد أن النائب محمد رعد كان أول من هنأ سعد بالفوز في اتصال هانفي، قبل أن يزوره وفد من الحزب في منزله أول من أمس.
الفائز الأكبر بالأصوات كان البزري، رئيس بلدية صيدا السابق والنائب الحالي للمرة الأولى. إذ نال 8526 صوتاً تفضيلياً. استعاد الطبيب الصيداوي المقعد الذي يعود تاريخياً لآل البزري، والذي انتزعه آل الحريري في انتخابات 1992 واحتفظوا به منذ ذلك الوقت. استفاد البزري من اعتكاف الحريري ليسترجع بعض مناصري والده نزيه البزري الذين تسربوا نحو الحريرية، كما جذب مناصري الجماعة وإسلاميي المدينة الذين رفضوا دعم النقيب لتحالفه مع القوات اللبنانية، إضافة الى كمية من الأصوات المسيحية التي تربط عائلاتها علاقة تاريخية بآل البزري.
ويبدو أن البزري يستعجل تجيير تفوقه بالأصوات لخلق وضعية تساعد على ترشيحه لمنصب رئاسة الحكومة. فقد ضجت مواقع التواصل أمس بفيديو له ينتقد فيه حزب الله “الذي لم يكن معي يوماً منذ عام 1992”. كما كان لافتاً أيضاً انتقاده “النظام السوري”، وإشارته الى “أنني زعيم في صيدا، ونحن نقرر كيف يتم التعامل معنا”. وقد أثارت هذه التصريحات استغراب أوساط صيداوية تساءلت ما إذا كان يقصد منها تسويق نفسه لدى خصوم حزب الله في المجلس الجديد كمرشح لرئاسة الحكومة.
وكان البزري إستقبل أول من أمس وفداً من قيادة حزب الله في الجنوب هنّأه بالفوز. وبحسب مصادر، أكد البزري أمام الوفد “إحترامه للحزب والمقاومة”، لكنه قال إنه “مقتنع بأن الحزب لم يقف إلى جانبه أبداً، وأن ذلك يعني بالنسبة إليه أن هناك مشكلة في العلاقة مع الحزب في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ما يتعلق بالشأن الداخلي”.