وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر في زيارة رسمية لثلاثة أيام، يسعى من خلالها إلى طي صفحة القطيعة و”إعادة بناء” علاقات لا تزال مثقلة بأعباء الماضي. وسيتفادى ماكرون التركيز على مسألة الذاكرة، الملف المعقد على ضفتي المتوسط، والذي تسبب بفقدانه الكثير من التقدير الذي حظي به لدى الرأي العام الجزائري قبل توليه الرئاسة، خصوصا إثر تصريحاته في تشرين الأول 2021 التي انتقد فيها النظام الجزائري وشكك في وجود أمة جزائرية قبل الإستعمار.
حط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس الرحال بالجزائر في زيارة تستغرق ثلاثة أيام، تهدف إلى طي صفحة القطيعة و”إعادة بناء” علاقة لا تزال مثقلة بأعباء الماضي. وتتزامن الزيارة مع الذكرى الستين لانتهاء الحرب وإعلان استقلال الجزائر في 1962.
ويرافق ماكرون وفد كبير يضم سبعة وزراء، وحطّت طائرة ماكرون نحو الساعة 15,30 (14,30 ت غ) في مطار هواري بومدين بالعاصمة حيث استقبله نظيره الجزائري عبد المجيد تبون. وسيتجه الرئيسان إثر ذلك إلى مقام الشهيد الذي يخلد ذكرى حرب الإستقلال عن فرنسا (1954-1962)، قبل مأدبة عشاء في القصر الرئاسي.
عازماً على توجيه هذه الزيارة نحو “الشباب والمستقبل”، يلتقي ماكرون أيضا رواد أعمال جزائريين شباب قبل أن يتوجه إلى وهران الواقعة في الغرب، وهي ثاني مدن البلاد المشهورة بروح الحرية التي جسدتها موسيقى الراي في الثمانينيات.
وتعتبر هذه الزيارة هي الثانية لماكرون إلى الجزائر بعد توليه الرئاسة، حيث ترجع زيارته الأولى إلى كانون الأول 2017 في بداية ولايته الأولى. وقد بدت حينها العلاقات بين البلدين واعدة مع رئيس فرنسي شاب ولد بعد عام 1962 وتحرر من ثقل التاريخ ووصف الاستعمار الفرنسي بأنه “جريمة ضد الإنسانية”، في تصريحات أدلى بها أثناء زيارة للجزائر سبقت توليه الرئاسة خلال شباط 2017.
مطالب الإعتذار وتصريحات ماكرون
إلا أن الآمال سرعان ما تلاشت مع صعوبة توفيق ذاكرة البلدين بعد 132 عاما من الاستعمار والحرب الدموية ورحيل مليون فرنسي من الجزائر عام 1962. وضاعف ماكرون المبادرات في ملف الذاكرة، معترفا بمسؤولية الجيش الفرنسي في مقتل عالم الرياضيات موريس أودين والمحامي الوطني علي بومنجل خلال “معركة الجزائر” عام 1957.
كما استنكر “الجرائم التي لا مبرر لها” خلال المذبحة التي تعرض لها المتظاهرون الجزائريون في باريس في 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961. لكن الاعتذارات التي تنتظرها الجزائر عن الاستعمار لم تأت أبدا، ما أحبط مبادرات ماكرون وزاد سوء التفاهم.
وتفاقمت القطيعة مع نشر تصريحات للرئيس الفرنسي في تشرين الأول 2021 اتهم فيها “النظام السياسي العسكري” الجزائري بإنشاء “ريع للذاكرة” وشكك في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار. مذاك أعاد ماكرون الأمور إلى نصابها وقرر الرئيسان إعادة الشراكة بين البلدين إلى مسارها الصحيح.
الساحل وأوكرانيا وقضية التأشيرات
في السياق، يرى الخبير السياسي الجزائري منصور قديدير بأنه و”بالنظر إلى مخاطر عدم الاستقرار في المنطقة المغاربية والنزاعات في الساحل والحرب في أوكرانيا، فإن تحسين العلاقات بين فرنسا والجزائر ضرورة سياسية”.
فمنذ إندلاع الحرب في أوكرانيا باتت الجزائر، وهي من بين أكبر عشرة منتجين للغاز في العالم، محاورا مرغوبا للغاية للأوروبيين الساعين إلى تقليل اعتمادهم على الغاز الروسي. لكن الرئاسة الفرنسية تؤكد أن الغاز الجزائري “ليس موضوع الزيارة”.
كما سيناقش الرئيسان خصوصا الوضع في مالي حيث أنهى الجيش الفرنسي للتو انسحابه، والنفوذ الروسي المتزايد في أفريقيا. وتلعب الجزائر دورا محوريا في المنطقة نظرا لامتداد حدودها آلاف الكيلومترات مع مالي والنيجر وليبيا، كما أنها مقربة من روسيا مزودها الرئيسي بالأسلحة.
وستكون قضية التأشيرات الفرنسية للجزائريين في قلب النقاشات أيضا بعد أن قرر إيمانويل ماكرون عام 2021 خفضها إلى النصف في مواجهة إحجام الجزائر عن إعادة قبول رعاياها المرَحلين من فرنسا.
ملف الذاكرة
في المقابل، لن يسلط ماكرون الضوء على مسألة الذاكرة التي لا تزال معقدة على ضفتي البحر المتوسط. وقد تسببت قضية الذاكرة في فقدان الرئيس الفرنسي الكثير من التقدير الذي حظي به لدى الرأي العام الجزائري قبل توليه الرئاسة.
في هذا الشأن، قال عثمان عبد اللوش (62 عاما) الخبير في المعلوماتية: “في عام 2017 قبل أن يصبح رئيسا كان يتحدث جيدا وأجرى زيارة، لكن بعد عودته إلى فرنسا تغير وتبنى خطابا مختلفا”.
أما رمضان الباز (60 عاماً) وهو موظف متقاعد فيقول: “نقول لماكرون أهلا بك في الجزائر، إذا كانت المصالح مشتركة فنحن متفقون، أما إذا كانت فقط لصالح الطرف (الفرنسي) فإننا نرفضك”.