لقي ثلاثة أشخاص حتفهم الجمعة وأصيب ثلاثة آخرون في هجوم قرب مركز ثقافي كردي وسط العاصمة الفرنسية باريس. وقال ممثلو الإدعاء إنهم ينظرون فيما إذا كان هناك دافع عنصري وراء الهجوم. وأكد المجلس الديمقراطي الكردي في فرنسا أنه من “غير المقبول” عدم وصف الهجوم بأنه “هجوم إرهابي”. فيما قالت السلطات الفرنسية إن التحقيق كشف إلى غاية الآن أن مطلق النار تحرك بمفرده وأراد “مهاجمة أجانب” على حد قول وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وأجمع زعماء الأحزاب السياسية وعدد من النواب البرلمانيين على التنديد بالهجوم الذي وصفه بعضهم بـ”الإرهابي والعنصري”، كما عبروا عن تضامنهم مع الضحايا وذويهم.
ذكرت النيابة العامة في باريس الجمعة أن ثلاثة أشخاص قتلوا فيما أصيب ثلاثة آخرون إثر إطلاق مسلح النار أمام مركز ثقافي كردي في الدائرة العاشرة بالعاصمة الفرنسية.
وقالت النيابة العامة “فتح تحقيق في جرائم إغتيال والقتل العمد والعنف المشدد”، و”أوكلت التحقيقات في الوقت الحالي إلى الدائرة الثانية للشرطة القضائية”. وأضافت أنه “تم القبض على المشتبه به الذي يبلغ من العمر بين 69 عاماً”.
ووفق المدعية العامة لور بيكو فإن مطلق النار متهم بطعن مهاجرين إثنين على الأقل بسكين في مخيم بالعاصمة الفرنسية في هجوم وقع في 8 كانون الأول/ديسمبر 2021.
وبحسب مصدر في الشرطة فإن مطلق النار هو فرنسي متقاعد كان يعمل سائق قطار وذو سوابق. وأضاف أن المشتبه به لا يظهر في ملفات الاستخبارات الإقليمية والمديرية العامة للأمن الداخلي.
بدورها، أشارت رئيسة بلدية الدائرة العاشرة ألكسندرا كوردبارد للصحافة أثناء تفقدها موقع الهجوم، إلى أن “القاتل نفسه في حالة حرجة نسبيا، وقد نقل إلى المستشفى”.
وزير الداخلية وماكرون
من جهته، قال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان للصحافيين إن الحكومة طلبت من الشرطة تعزيز حماية مواقع الجالية الكردية في البلاد في أعقاب هجوم على مقهى كردي أودى بحياة ثلاثة أشخاص. وأضاف أن دوافع المهاجم الفرنسي البالغ من العمر 69 عاماً ما زالت مجهولة. وقال إنه تصرف بمفرده “على ما يبدو” مشيراً إلى أنه “استهدف بوضوح أجانب”.
وتفاعلا مع الحادث، استنكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ما وصفه “الهجوم المشين” الذي “استهدف الأكراد في فرنسا”. وأضاف ماكرون في تغريدة “كل التعاطف مع الضحايا، الأشخاص الذين يكافحون من أجل العيش، أسرهم وأحبائهم. كل التقدير لقوات شرطتنا على شجاعتها ورباطة جأشها”.
الشرطة تحذر السكان
وطالبت الشرطة السكان بالابتعاد عن المنطقة. وقالت شبكة التلفزيون إن الشرطة ألقت القبض على المسلح المشتبه به. وذكر شاهد لوكالة الأنباء الفرنسية أن سبع أو ثماني طلقات نارية أطلقت محدثة حالة من الفوضى في الشارع. وأشار مراسل لوكالة الأنباء الفرنسية إلى أنه عند تقاطع شارعي إنغيان وأوتوفيل أحضرت نقالات إلى المكان حيث فرضت الشرطة طوقا أمنيا.
وقالت الصحافية والناشطة الكردية سلمى أكايا التي كانت حاضرة أثناء وقوع الهجوم، إن “هناك ستة أشخاص مصابين” من بينهم “مغن كردي معروف”. وأشارت إلى أن الجاني أطلق النار “باتجاه صالون لتصفيف الشعر”.
ويضم شارع أنغيان عدداً من المطاعم والبارات والمحلات التجارية وأرصفة المشاة، والتي عادة ما تعج بالمارة.
ومركز أحمد كايا، الذي سمي بهذا الاسم تكريما للمغني الشهير، هو جمعية بموجب قانون 1901 هدفها “تعزيز الاندماج التدريجي” للسكان الأكراد الذين يعيشون في إيل دو فرانس.
صدامات بين متظاهرين أكراد وقوات الأمن
دفع الحادث عشرات الأكراد إلى التظاهر قرب المركز الثقافي حيث نفذ الهجوم، ما اضطر الشرطة إلى استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.
وبدأت صدامات بين الطرفين عندما حاول الحشد اختراق طوق أمني فرضته الشرطة حول وزير الداخلية جيرالد دارمانان الذي توجه إلى مكان الهجوم للاطلاع على آخر مستجدات التحقيق والتحدث إلى الصحافيين.
وأطلقت القوات الأمنية قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين الذين ألقوا بدورهم مقذوفات باتجاهها وأحرقوا حاويات قمامة وأقاموا حواجز في الشارع.
إعتقال المنفذ
وتمكنت السلطات الفرنسية من إعتقال المشتبه في تنفيذه الهجوم، وأعلنت النيابة العامة الفرنسية السبت تمديد توقيف الرجل البالغ 69 عاما، وأشارت إلى أن التحقيق اعتمد أيضا البحث في الدافع العنصري.
وتركز التحقيقات الآن على تهم القتل ومحاولة القتل والعنف المسلح إضافة إلى انتهاك التشريعات المتعلقة بالأسلحة بدافع عنصري. وقالت النيابة: “إضافة هذا الأمر لا يغير الحد الأقصى للعقوبة المحتملة والتي تبقى السجن المؤبد”.
وقال وزير الداخلية جيرالد دارمانان الجمعة إن مطلق النار قد “استهدف بوضوح أجانب”، موضحا أنه لا يمكنه الجزم في هذه المرحلة أن الفعل مرتبط بدوافع يمينية متطرفة. وأوضح دارمانان أن مطلق النار متقاعد كان يعمل سائق قطار وذو سوابق، مشيرا إلى أنه عضو في نادي رياضي للرماية “ولديه عدة أسلحة مسجلة”.
والمشتبه به في تنفيذ الهجوم معروف من قبل القضاء. وكان قد حُكم عليه في حزيران/يونيو الماضي بالسجن 12 شهرا بتهمة ارتكاب أعمال عنف بسلاح في 2016. وقد طعن في الحكم.
والرجل اتهم أيضا في كانون الأول/ديسمبر 2021 بارتكاب أعمال عنف ذات طابع عنصري، مع سبق الإصرار مستخدما أسلحة والتسبب بأضرار لأفعال ارتُكبت في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2021.
وفي هذه القضية الثانية، يُشتبه بأنه جرح بسلاح أبيض مهاجرين في مخيم في باريس وقام بتخريب خيامهم، كما ذكر مصدر في الشرطة حينذاك.
وقالت لور بيكوو المدعية العامة لباريس الجمعة إنه بعد توقيفه الاحترازي لمدة عام، أُطلق سراحه في 12 كانون الأول/ديسمبر بموجب القانون ووُضع تحت إشراف قضائي.
في الشارع
وفي الشارع حيث وقع الهجوم، طغت الجمعة مشاعر الحزن على الحاضرين، بينما أحيط المكان جزئياً بقوة كبيرة من الشرطة. وكان أعضاء في مركز أحمد كايا الثقافي، بعين المكان، يذرفون الدموع ويعانقون بعضهم البعض لتعزية أنفسهم. وصرخ البعض مخاطبين الشرطة “الأمر يبدأ من جديد، أنتم لا تحموننا، إنهم يقتلوننا”.
هذا، وقد ذكر مصدر في الشرطة لوكالة الأنباء الفرنسية أن أعمال عنف إندلعت الجمعة مع الشرطة واعتقل شخص واحد.
مطلق النار المفترض أكد أن دوافعه “عنصرية”
وقال المشتبه به عند توقيفه إنه فعل ذلك لأنه “عنصري”، حسب ما ذكره مصدر قريب من الملف السبت. وصرح المصدر أن المشتبه به الذي تمت السيطرة عليه قبل تدخل الشرطة أوقف وبحوزته “حقيبة صغيرة” تحتوي على “مخزنين أو ثلاثة ممتلئة بالخراطيش، وعلبة خرطوش من عيار 45 تحوي 25 خرطوشة على الأقل”، مؤكدا بذلك معلومات نشرتها الأسبوعية الفرنسية “لو جورنال دو ديمانش”.
وتبقى التحقيقات جارية السبت لتحديد الأسباب التي دفعت هذا الرجل البالغ من العمر 69 عاما والذي تمت ملاحقته في الماضي بسبب هجوم عنصري. إذ حُكم عليه في حزيران/يونيو الماضي بالسجن 12 شهرًا بتهمة ارتكاب أعمال عنف بسلاح في 2016. وقد طعن في الحكم. كما وجهت له في ديسمبر/كانون الأول 2021 تهمة بارتكاب أعمال عنف ذات طابع عنصري، مع سبق الإصرار مستخدما أسلحة والتسبب بأضرار لأفعال ارتُكبت في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2021.
وفي هذه القضية الثانية، يُشتبه بأنه جرح بسلاح أبيض مهاجرين في مخيم في باريس وقام بتخريب خيامهم، كما ذكر مصدر في الشرطة آنذاك.
ومن جهتها، قالت لور بيكوو المدعية العامة لباريس إنه بعد توقيفه الاحترازي لمدة عام، تم إطلاق سراحه في 12 كانون الأول/ديسمبر الجاري بموجب القانون ووُضع تحت إشراف قضائي.
الدافع العنصري
وقد تم الحكم على الرجل في 2017، بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ لحيازته أسلحة.
لكن من جهة أخرى، قال دارمانان إنه غير معروف في ملفات استخبارات البلاد والمديرية العامة للأمن الداخلي و”لم يُصنف على أنه فرد من اليمين المتطرف”.
وشدد وزير الداخلية على أنه “ليس من المؤكد أن القاتل الذي أراد قتل هؤلاء الناس (…) فعل ذلك لاستهداف الأكراد تحديدا”، بينما تتناقل الجالية الكردية شائعات عن هجوم “سياسي”. وأوضح أنه “أراد مهاجمة الأجانب” و”من الواضح أنه تصرف بمفرده”، مشيرا إلى أنه كان يتردد على ميدان رماية.
أما المدعية العامة لور بيكوو فقالت إن فرضية هجوم إرهابي مستبعدة في هذه المرحلة من التحقيقات.
وأضافت خلال مؤتمر صحافي: “الدوافع العنصرية للوقائع” ستكون “بالتأكيد جزءًا من التحقيقات”. وتابعت مساء الجمعة في بيان “ليس هناك في هذه المرحلة ما يثبت أي انتماء لهذا الرجل لحركة إيديولوجية متطرفة”.
ومن جانبه، صرح والد المشتبه به البالغ من العمر 90 عاماً لوكالة الأنباء الفرنسية إن إبنه، صباح يوم الحادث “لم يقل شيئا عندما غادر المنزل (…) إنه مجنون”، مشيرا إلى أنه يميل إلى “الصمت” و”منغلق”.
المجلس الديمقراطي الكردي
وكشف أجيت بولات المتحدث بإسم المجلس الديمقراطي الكردي في فرنسا في مؤتمر صحافي الجمعة أنه “من غير المقبول عدم الحديث عن الطابع الإرهابي ومحاولة الإيحاء بأنه مجرد ناشط يميني متطرف (…) جاء لارتكاب هذا الإعتداء على مقرنا”.
ولفت بولات إلى أن “الوضع السياسي في تركيا فيما يتعلق بالحركة الكردية يدفعنا بشكل واضح إلى الإعتقاد بأن هذه إغتيالات سياسية”، قبل أن يضيف أن المجلس يعتقد أن الرئيس التركي رجب طيب “أردوغان والدولة التركية يقفان وراء هذه الإغتيالات”.
من جهتها قالت السلطات الفرنسية إن التحقيق كشف إلى غاية الساعة أن مطلق النار تحرك بمفرده وأراد “مهاجمة أجانب” على حد تعبير وزير الداخلية جيرالد دارمانان.
ودعا إثر ذلك ممثلو المجلس الديمقراطي الكردي السلطات الفرنسية إلى “الكف عن مراعاة السلطات التركية عندما يتعلق الأمر بأمن الأكراد”. إذ حث أجيت بولات السلطات الفرنسية إلى “وقف هذه اللعبة الخبيثة”، على حد قوله، مشيراً إلى أنه عبر للإستخبارات الفرنسية عن “مخاوف” تتعلق بأمن الناشطين الأكراد، “قبل عشرين يوماً فقط”.
وقال مؤسس حزب فرنسا الأبية اليساري الراديكالي جان لوك ميلنشون الذي كان حاضراً في المؤتمر الصحافي إنه لا يؤمن “بالصدفة عندما يتعلق الأمر باغتيال أكراد في باريس” بعد نحو عشر سنوات على قتل ثلاث ناشطات كرديات في الدائرة العاشرة في باريس، في عملية يؤكد المجلس الديمقراطي الكردي أن للاستخبارات التركية يدا فيها.
من جانبه، أكد دافيد أنديك محامي المجلس أن “الجالية الفرنسية الكردية غاضبة وخائفة اليوم”.
وفيما يتعلق بضحايا الجمعة، أوضح المجلس أن أحدهم فنان كردي لاجئ سياسي و”ملاحق في تركيا بسبب فنه”، والرجل الثاني هو “مواطن كردي عادي” يتردد على الجمعية “يومياً”. وأضاف أن المرأة التي قتلت كانت قد تقدمت بطلب للجوء سياسي “رفضته السلطات الفرنسية”.
من جهتها، لم تسرب السلطات الفرنسية أي تفاصيل عن الضحايا “غير المعروفين لدى أجهزة الشرطة الفرنسية”، كما قال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان.
غضب وحزن في أوساط الطبقة السياسية الفرنسية
وأثار الهجوم ردود فعل غاضبة ومتضامنة مع الضحايا وعائلاتهم، من قبل شخصيات سياسية فرنسية إعتبرت الحادث “صادماً وشنيعاً”. في هذا السياق، ذكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تغريدة على تويتر أن أكراد فرنسا إستهدفهم هجوم “شنيع”، مضيفاً “قلوبنا مع الضحايا والذين يصارعون من أجل الحياة، وعائلاتهم وأحبائهم”.
وفيما كتبت زعيمة الفريق النيابي لحزب “التجمع الوطني” في الجمعية الوطنية مارين لوبان على تويتر “حالة من الذهول بعد إطلاق النار في قلب باريس”. مضيفة: “شكراً للشرطة على تدخلها السريع والحاسم. قلوبنا مع عائلات ضحايا هذه المأساة الرهيبة”، غرد زعيم حزب “فرنسا الأبية” جان لوك ميلنشون هو الآخر “حزن وغضب جراء الهجوم الإرهابي الذي استهدف المركز الثقافي الكردي أحمد كايا في باريس” وأضاف مندداً “منذ عشر سنوات تقريباً حتى اليوم قتل ثلاثة زعماء أكراد في قلب باريس. هذا يكفي!” وتابع “يجب حماية حلفائنا الأكراد هنا وهناك”.
من جانبها، قالت النائبة عن نفس الحزب كليمنتين أوتين معلقة على الحادث “هجوم مروع. يبدو أن اليمين المتطرف قد ضرب مرة أخرى”. متسائلة “متى ستأخذ قمة هرم الدولة هذا التهديد الإرهابي على محمل الجد؟ (…) قلوبنا مع ضحايا حادث إطلاق النار المروع في باريس”.
الرئيس الجديد لحزب “الجمهوريون” إريك سيوتي عبر عن إدانته للهجوم وأبدى عبر تغريدة تعاطفه مع الضحايا وأهاليهم. كما ندد زعيم حزب حزب “الاسترداد” إريك زمور بالحادث موضحا “لم يكن ليطلق سراح هذا الرجل من قبل أبدا”.
وشكرت رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو “قوات الشرطة على تدخلها الحاسم”. في حين كتبت رئيس الحكومة إليزابيث بورن “مشاعرنا ودعمنا الكامل مع ضحايا إطلاق النار المميت في باريس وأحبائهم. تم فتح تحقيق في الحادث. امتناننا لعناصر الشرطة الذين تمكنوا من إيقاف مرتكب الفعل الإجرامي”.
وفي بيان، عبّرت منظمة لمجموعة أخرى في نزاع مع السلطات التركية تتمثل في المجلس التنسيقي للمنظمات الأرمينية في فرنسا، عن “تعازيها للمركز الثقافي الكردي والمجلس الديموقراطي الكردي في فرنسا اللذين نرتبط بصداقة طويلة معهما نشأت في التعبئة ضد التطرف القومي التركي والفاشية التركية”.
وفيما يخص ردود الفعل الدولية، لم يتأخر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في التعبير عن عميق تعاطفه مع الشعبين الكردي والفرنسي، إذ كتب في تغريدة على تويتر “كل التعاطف مع ضحايا الهجوم على المركز الثقافي الكردي في باريس”. وأضاف “أفكاري مع أبناء الجالية الكردية وشعب فرنسا في هذا اليوم الحزين”.
ووصف المستشار الألماني أولاف شولتس إطلاق النار بأنه “عمل مروع” وعبّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن “تعازيه الحارة”.