أشارت حصيلة أولية إلى سقوط 25 قتيلاً وإصابة العشرات في إشتباكات عنيفة بدأت صباح السبت بين الجيش السوداني الذي يقوده الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التابعة للجنرال محمد حمدان دقلو، في تحول مفاجئ للصراع بينهما إلى نزاع مسلح، فيما تبادل الجنرالان الإتهامات عبر الإعلام. وطالبت الأمم المتحدة والجامعة العربية والإتحاد الأفريقي وباريس وواشنطن وموسكو والرياض ولندن بوقف القتال، فيما دعت مصر الطرفين إلى “التحلي بأكبر قدر من ضبط النفس”.
لاقى 25 شخصاً على الأقل مصرعهم السبت، وأصيب أكثر من 180 جريحاً، في الإشتباكات المتواصلة في السودان بين قوات الجيش التي يقودها الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع شبه العسكرية الموالية لحليفه السابق محمد حمدان دقلو.
في تصريحات لقناة الجزيرة، أكد حميدتي أن قواته “لن تتوقف” إلا بعد “السيطرة الكاملة على كل مواقع الجيش”. وشدد على أنه لا يمكنه التكهن بموعد توقف القتال. وقال “لا أستطيع أن أحدد (متى تنتهي المعارك)، فالحرب كر وفر”.
من جهته، قال الفريق أول البرهان في تصريحات منفصلة لقناة الجزيرة، إنه “فوجئ في التاسعة صباحاً” بحصار مقر قيادته من قبل قوات حميدتي حليفه السابق الذي يصفه اليوم بأنه “يقود ميليشيا مدعومة من الخارج”.
على صعيد متصل، إستبعدت القوات المسلحة السودانية إمكانية إجراء مفاوضات أو حوار مع قوات الدعم السريع. وقالت على صفحتها على فيسبوك “لا تفاوض ولا حوار قبل حل وتفتيت ميليشيا حميدتي المتمردة”.
وبدا أن المفاوضات التي كانت تجري بين الطرفين، بوساطة من أطراف عدة، انتهت الى نزاع مسلح مفتوح. وحشد البرهان طائراته الحربية من أجل “تدمير” معسكرات قوات الدعم السريع في الخرطوم ، في حين هاجم حميدتي قائد الجيش ولم يتردد في وصفه بـ”المجرم” الذي “يدمر البلاد”.
واستيقظ 45 مليون سوداني، يصوم معظمهم العشر الأواخر من رمضان، على أصوات الأسلحة الثقيلة والخفيفة والانفجارات في الخرطوم وعدة مدن أخرى.
وأكدت نقابة الأطباء لرويترز نقال 25 شخصاً على الأقل وإصابة 183 في أنحاء البلاد بعد الاشتباكات دون تأكيد أن جميعهم مدنيون.
وتدور المواجهات بين الفريقين حول مبنى وسائل الإعلام التابعة للدولة بهدف السيطرة عليها، فيما انقطع إرسال التلفزيون بعد أن ظل ضعيفا لبعض الوقت.
وأعلنت قوات الدعم قبيل الظهر “السيطرة الكاملة” على القصر الجمهوري في وسط العاصمة ومطارها وكذا مطاري مروي (شمال) والأبيض (وسط). وقالت في بيان إنها سيطرت أيضا على مقر إقامة قائد الجيش الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان ردا على هجمات للجيش على قواعد لها.
*بسم الله الرحمن الرحيم *
*قيادة قوات الدعم السريع *
*بيان للشعب السوداني رقم (3)*
إزاء الهجوم الذي شنته قوة من القوات المسلحة صباح اليوم السبت ١٥ ابريل على قواتنا المتواجده في أرض المعسكرات بسوبا وجرا هذا التعدي الذي تصدت له قوات الدعم السريع بكل بسالة وتضحية pic.twitter.com/kl9fJ8JzYx
— Rapid Support Forces – قوات الدعم السريع (@RSFSudan) April 15, 2023
وقالت هذه القوات التي يقودها الجنرال محمد حمدان دقلو في بيان إنها تمكنت من “السيطرة الكاملة على القصر الجمهوري ومطار الخرطوم ومطاري مروي والأبيص وعدد من المواقع بالولايات” الأخرى.
إتهامات متبادلة بين الطرفين
وكانت قوات الدعم السريع قالت في البداية إن الجيش السوداني شن السبت هجوما على إحدى قواعدها في الخرطوم، فيما كان يسمع دوي انفجارات وإطلاق نار كثيف في مناطق متفرقة من العاصمة السودانية، حسبما أفاد مراسلون من وكالة الأنباء الفرنسية وشهود عيان.
كذلك، إتهم الجيش السوداني قوات الدعم السريع المسلحة بمهاجمة الكثير من قواعده في الخرطوم ومناطق أخرى بعيد إعلان تلك القوات مهاجمة الجيش لمعسكراتها. وقال الناطق باسم الجيش العميد نبيل عبد الله: “هاجم مقاتلون من قوات الدعم السريع عدة معسكرات للجيش في الخرطوم ومناطق متفرقة في السودان” مضيفا: “الاشتباكات مستمرة والجيش يؤدي واجبه في حماية البلاد”.
https://twitter.com/RSFSudan/status/1647268486824054787?s=20
وجاء في بيان قوات الدعم السريع التي يقودها الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي: “تفاجأت قوات الدعم السريع صباح اليوم (السبت) بقوة كبيرة من القوات المسلحة تدخل إلى مقر تواجد القوات (التابعة للدعم السريع) في أرض المعسكرات سوبا بالخرطوم وتضرب حصارا على القوات المتواجدة هناك ثم تنهال عليها بهجوم كاسح بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة”.
بسم الله الرحمن الرحيم
قيادة قوات الدعم السريع #بيان الشعب السودانيتفاجأت قوات الدعم السريع صباح اليوم السبت 15 ابريل بقوة كبيرة من القوات المسلحة تدخل الى مقر تواجد القوات في أرض المعسكرات سوبا بالخرطوم وتضرب حصارًا على القوات المتواجدة هناك#SUDAN#RSF pic.twitter.com/7KGjk3eAAf
— Rapid Support Forces – قوات الدعم السريع (@RSFSudan) April 15, 2023
كما ذكر شهود بأن “مواجهات” ودوي انفجارات وإطلاق نيران سمع قرب قاعدة تتمركز فيها قوات الدعم السريع في جنوب الخرطوم. وسمع مراسلو وكالة الأنباء الفرنسية إطلاق نار قرب مطار الخرطوم وفي شمال العاصمة السودانية.
يأتي هذا بعد يومين على تحذير الجيش السوداني من أن البلاد تمر بـ “منعطف خطير” بعد انتشار قوات الدعم السريع المسلحة في الخرطوم والمدن الرئيسية فيما تراوح جهود العودة إلى المرحلة الانتقالية مكانها.
#عاجل | قوات الدعم السريع تسيطر على قيادة اللواء الأول مشاة،وتحكم اغلاق كل المنافذ جنوب الخرطوم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ#قوات_الدعم_السريع#جاهزية_سرعة_حسم pic.twitter.com/XqeweGowvD— Rapid Support Forces – قوات الدعم السريع (@RSFSudan) April 15, 2023
وقال الجيش في بيانه الخميس إنه “يقع على عاتق القوات المسلحة دستورا وقانونا، حفظ وصون أمن وسلامة البلاد، يعاونها في ذلك أجهزة الدولة المختلفة”. مضيفا: “القوانين نظمت كيفية تقديم هذا العون، وبناء على ذلك وجب علينا أن ندق ناقوس الخطر بأن بلادنا تمر بمنعطف تاريخي وخطير وتزداد مخاطره بقيام قيادة قوات الدعم السريع بحشد القوات داخل العاصمة وبعض المدن”.
في ظل هذه الأحداث، دعت القوى المدنية السودانية التي وقعت اتفاقا مبدئيا لتقاسم السلطة مع الجيش وقوات الدعم السريع الجانبين إلى وقف القتال. وقالت في بيان: “ندعو قيادة القوات المسلحة السودانية والدعم السريع لوقف العدائيات فورا وتجنيب البلاد شر الانزلاق لهاوية الانهيار الشامل”. وتابعت “نناشد الأسرة الدولية والإقليمية للمساعدة عاجلا في وقف هذه المواجهات الدموية، والامتناع عن أي فعل يؤجج الصراع ويزيد اشتعاله”.
الجيش المصري
ونشرت قوات الدعم السريع في صفحاتها عبر مواقع التواصل مشاهداً تظهر إحتجازها عدد من عناصر القوات المصرية في قاعدة مروى شمالي البلاد، قائلة: “كتيبة من الجيش والقوات المصرية تسلم نفسها لقوات الدعم السريع بمروي”.
كتيبه من الجيش والقوات المصرية تسلم نفسها لقوات الدعم السريع بمروي⭕
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ#قوات_الدعم_السريع#جاهزية_سرعة_حسم pic.twitter.com/3t4oNoCpPg— Rapid Support Forces – قوات الدعم السريع (@RSFSudan) April 15, 2023
على إثرها، دعا الجيش المصري إلى الحفاظ على أمن وسلامة قواته المتواجدة في السودان.
وقال المتحدث العسكري بإسم الجيش المصري، في بيان، السبت: “تتابع القوات المسلحة المصرية عن كثب الأحداث الجارية داخل الأراضى السودانية وفي إطار تواجد قوات مصرية مشتركة لإجراء تدريبات مع نظرائهم فى السودان”.
وأضاف المتحدث أنه “جاري التنسيق مع الجهات المعنية فى السودان لضمان تأمين القوات المصرية”، داعيًا إلى “الحفاظ على أمن وسلامة القوات المصرية”.
قلق دولي من الإشتباكات
أعربت فرنسا عن “قلقها الشديد” حيال الوضع في السودان داعية إلى “بذل كل ما في الإمكان لوقف” الاشتباكات الجارية منذ صباح السبت.
واعتبرت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان أن “وحدها العودة إلى عملية سياسية تجمع كل الأطراف وتقود إلى تعيين حكومة انتقالية وإجراء انتخابات عامة، يمكنها إيجاد تسوية دائمة لهذه الأزمة”.
وأكد البيان أن فرنسا “جاهزة مع شركاء السودان الآخرين، لتسهيل خروج من الأزمة والتشجيع على حل سياسي”، مؤكدا استعداد السفارة الفرنسية في الخرطوم ومركز الأزمة في باريس لضمان أمن الرعايا الفرنسيين.
إلى ذلك، قالت وزارة الخارجية المصرية في بيان السبت إن القاهرة تتابع بقلق بالغ تطورات الوضع في السودان إثر الاشتباكات هناك. وأضافت أنها “تطالب جميع الأطراف السودانية بممارسة أقصى درجات ضبط النفس حماية لأرواح ومقدرات الشعب السوداني وإعلاء للمصالح العليا للوطن”.
من جانبها، حثت السفارة البريطانية في السودان رعاياها بالبقاء في أماكن مغلقة وقالت إنها تراقب الموقف عن كثب. وقالت على تويتر: “نراقب عن كثب الموقف في الخرطوم والمناطق الأخرى التي تدور فيها اشتباكات”.
بدوره، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن الوضع في السودان “هش” لكنه أصر على أنه لا تزال هناك فرصة لاستكمال الانتقال إلى حكومة يقودها المدنيون. وأضاف خلال تصريحات من العاصمة الفيتنامية هانوي أن بعض اللاعبين “ربما يحاولون عرقلة التقدم” في السودان.
وقال السفير الأميركي في السودان جون جودفري إن تصاعد التوترات داخل المكون العسكري في السودان إلى قتال مباشر “أمر في غاية الخطورة” ودعا كبار القادة إلى وقف القتال. وأضاف في تغريدة أنه احتمى بالسفارة مع باقي الموظفين.
كذلك، قالت وكالة الإعلام الروسية إن السفارة الروسية في السودان عبرت السبت عن قلقها من “تصاعد العنف” في البلاد ودعت إلى وقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات. وذكرت السفارة أن الأجواء في العاصمة الخرطوم متوترة وأن الدبلوماسيين الروس في أمان.
وتشكلت قوات الدعم السريع في 2013 وانبثقت عن ميليشيا الجنجويد التي اعتمد عليها عمر البشير الذي أطيح إثر انتفاضة شعبية في 2019، في قمع تمرد إقليم دارفور.
وتتخبط البلاد حاليا في انسداد سياسي بسبب الخلاف بين الحاكم الفعلي للبلاد قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان ونائب قائد قوات الدعم السريع دقلو. وكان البرهان وحميدتي يشكلان جبهة واحدة عندما نفذا الانقلاب على الحكومة في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021. لكن الصراع بينهما ظهر إلى العلن خلال الشهور الأخيرة وأخذ في التصاعد.