لا تزال العاصمة السودانية تشهد إشتباكات عنيفة بين قوات الجيش والدعم السريع خاصة في محيط القصر الجمهوري، في حين توسعت رقعة الإشتباكات في مدينة الأُبيّض غربي البلاد، وذلك وسط تحذيرات من نفاد المستلزمات الطبية ومطالب أممية بتوفير حماية دولية لضحايا الصراع، وبالتزامن مع مبادرة سعودية أميركية لخفض التوتر في هذا البلد.
تعرض مجمع عفراء التجاري، جنوبي الخرطوم، لحريق كبير التهم المجمع القريب من الساحة الخضراء. ولم تُعرف أسباب الحريق الذي تزامن مع قصف لطائرات حربية تابعة للجيش السوداني ودوي أصوات مضادات للطيران، أطلقتها قوات الدعم السريع.
وفي وقت سابق، سمع دوي إنفجار في منطقة الجريف شرقي الخرطوم، وتصاعدت أعمدة دخان تصاعدت قرب محطة جاكسون والسكة الحديد مع سماع إطلاق رصاص متقطع وسط العاصمة.
وهزت إنفجارات وسط منطقة الخرطوم بحري، بينما تصاعدت أعمدة الدخان في سماء حي الوابورات. وقال الجيش، في بيان، إن مَن وصفهم بالمتمردين هاجموا منطقة الخرطوم بحري العسكرية، ومنطقة العاصمة العسكرية مؤكدا أن قوات الجيش صدت الهجوم.
وفي مدينة الأُبيّض، غربي البلاد، دارت اشتباكات كذلك بين الجيش والدعم السريع في المدينة.
وقال الجيش السوداني إن قوات الدعم السريع أجبرت مهندسين على تعطيل محطات التحكم للكهرباء والمياه، ما أدى لانقطاعها عن مناطق واسعة بالبلاد.
من جهتها، أكدت قوات الدعم السريع إستعادة خدمة الكهرباء بعدد من ولايات ومدن شرق ووسط السودان بمعاونة مهندسين وفنيين لإصلاح خطوط الإمداد، متهمة طيران الجيش بتدمير تلك الخطوط ومن وصفتهم بـ “كتائب الظل والفلول”.
كما أكدت قوات الدعم السريع أنها تواصل العمل مع فريق هندسي كبير لإصلاح الخلل في محطة مياه بحري “لاستعادة الخدمة لجميع المواطنين”. وقالت أيضا إنها تصدت لهجوم متكرر من الجيش في ساعات سريان الهدنة، مما يؤكد تنازع اتخاذ القرار داخل قيادة الجيش.
وكانت قوات الدعم السريع أعلنت موافقتها على تمديد الهدنة لمدة 72 ساعة إضافية، وذلك استجابة لوساطة أميركية سعودية. وقالت، في بيان، إن موافقتها على تمديد الهدنة جاءت من أجل فتح الممرات الإنسانية وتسهيل حركة المواطنين والمقيمين وتمكينهم من الوصول لمناطق آمنة.
نفاد المستلزمات الطبية
على الصعيد الإنساني، طالبت نقابة أطباء السودان أطراف النزاع بمنع الوجود المسلح في المرافق الطبية أو قربها. ورفضت، في بيان، أي وجود عسكري مسلح داخل المؤسسات الطبية المدنية.
وقالت النقابة إن الوجود العسكري داخل المؤسسات الطبية أو استخدامها منصات للقصف يحولها لساحة معركة، مشيرة إلى أنها تعالج المصابين من الطرفين المتنازعين ولا تسمح لأي طرف بالتدخل في القرار المهني. وفي بيان لها، أفادت بارتفاع عدد الضحايا المدنيين نتيجة الصراع إلى 473 قتيلا و2454 مصاباً.
كما ذكر مدير مستشفى الدولي بالخرطوم بحري أنهم يعانون نقصاً حاداً في المستهلكات الطبية، ويخشون التوقف في ظل استمرار الحرب. وأطلق نداء للشركات الطبية لفتح أبوابها ومدهم بالمستهلكات الطبية وخدمة المياه التي ما زالت غير متوفرة.
وأكد مدير المستشفى أنه استقبل خلال الـ 24 ساعة الماضية 25 حالة إصابة أغلبها من المدنيين، مشيرا إلى أن أغلب الإصابات تحتاج لجراحة وبينها عمليات بتر أطراف.
في الإطار ذاته، قال مسؤولون في “مستشفى أحمد قاسم” بالخرطوم بحري -للجزيرة- إن المواد الطبية الخاصة بمرضى غسل الكلى على وشك النفاد، بسبب انقطاع الإمداد.
وأوضح المسؤولون الطبيون أن المستشفى يستقبل يوميا نحو 60 شخصا من مرضى غسل الكلى، وهو ما يفوق طاقته الاستيعابية.
وأضاف مختصون طبيون أن خروج مستشفيات عدة من الخدمة زاد من الطلب على المستلزمات الطبية، وشكل ضغطا كبيرا على الكادر الطبي.
من جهته، قال الدكتور عطية عبد الله عطية، السكرتير العام لنقابة أطباء السودان، للجزيرة، إن 16 مستشفى قصفت حتى الآن، كما أخلي 19 مستشفى آخر، بسبب المواجهات الدائرة في البلاد.
وأغلقت صيدليات عدة في الخرطوم أبوابها منذ اندلاع المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع منتصف أبريل/نيسان الماضي، ويعاني الأهالي في مناطق الخرطوم بحري وأم درمان نقصا في الأدوية بسبب ذلك.
من جهته، أعلن “تجمع الصيادلة المهنيين السودانيين” استيلاء قوات الدعم السريع على صيدلية الإمدادات الطبية المركزية بالخرطوم، محذرا من أن إغلاق الصيدلية سيؤدي إلى كارثة صحية.
وأكدت الخارجية السودانية الأمر، وحذرت من أن السيطرة على الصيدلية المركزية تعتبر إمعانا في صنع كارثة صحية، على حد تعبيرها.
بدوره، قال فرحان حق المتحدث بإسم الأمين العام للأمم المتحدة إن منظمة الصحة العالمية تحققت من وقوع 28 هجوما على المرافق الصحية بالسودان أدت إلى مقتل ثمانية من العاملين بمجال الرعاية الصحية. وطالب طرفي النزاع في السودان بضمان سلامة الرعاية الصحية في جميع الأوقات.
من جهته، طالب وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم بفتح ممرات آمنة، لتمكين الكوادر الطبية من الحركة والمهندسين من تشغيل الأعطال التي أصابت شبكتي الكهرباء والمياه.
مطالب أممية بحماية المدنيين
من ناحيتها، قالت المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أولغا سارّادو، إنه من المتوقع أن أكثر من 860 ألف إنسان سيضطرون لمغادرة السودان إذا استمرت المعارك. وأضافت أن اللاجئين صرفوا كل النقود التي يملكونها على هذه الرحلة الصعبة.
كما عبّر والي شمال دارفور، نمر محمد عبد الرحمن، عن قلقه من حدوث كارثة حقيقية في المجال الإنساني بعد إجلاء أكثر من 113 موظفا من المنظمات الأممية العاملة بالولاية.
في الأثناء، نصحت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الحكومات بالسماح للفارين من السودان بدخول أراضيها، وعدم إعادتهم بسبب الصراع.
ويواجه عشرات الآلاف من الفارين من المواجهات بالسودان ظروفا صعبة على الحدود مع دولة جنوب السودان التي سلطاتها لتوفير بيئة ملائمة لأكثر من 20 ألف شخص، معظمهم مواطنون عائدون، إضافة لرعايا دول أجنبية.
كما طالبت الأمم المتحدة، اليوم الجمعة، بتوفير حماية دولية لضحايا الصراع والأوضاع المتغيرة في السودان، سواء كانوا مواطنين أو لاجئين كانوا يقيمون في السودان، أو حتى طالبي لجوء سودانيين بالدول المختلفة.
جاء ذلك في تصريحات لمديرة برنامج الحماية الدولية بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إليزابيث تان، أدلت بها خلال مؤتمر صحفي بمدينة جنيف.
وفي السياق، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الأمم المتحدة أن 19 مليون شخص في السودان قد يعانون من انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.
اليونيسيف تحذر
من ناحيتها، حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) الجمعة من أنّ المعارك الدائرة بالسودان منذ 3 أسابيع تحصد أرواح أطفال “بأعداد كبيرة مرعبة” مشيرة إلى تقارير تفيد بسقوط 7 أطفال كلّ ساعة بين قتيل وجريح.
وقال المتحدّث باسم اليونيسيف جيمس إلدر للصحفيين في جنيف “كما كنّا نخشى ونخاف، فقد أصبح الوضع في السوادان قاتلاً بشكل مخيف لعدد كبير من الأطفال”.
وأضاف أنّ المنظمة تلقت تقارير من شريك موثوق به، لم تتحقّق منه الأمم المتحدة بشكل مستقلّ بعد، تفيد بأنّ 190 طفلاً قُتلوا و1700 آخرين أصيبوا خلال أول 11 يوما فقط من القتال الذي بدأ في 15 أبريل/نيسان الماضي.
وفي الإطار ذاته، نقلت وكالة رويترز عن اليونيسيف أن نحو مليون لقاح مضاد لشلل الأطفال فقدت بالسودان منذ اندلاع العنف.
وقُتل مئات الأشخاص، كما فرّ مئات الآلاف من منازلهم في السودان منذ بدأت المعارك قبل 3 أسابيع بين الجيش وقوات الدعم السريع.
مبادرة سعودية أميركية وإتصالات سياسية
على صعيد آخر، قال مصدر بالجيش السوداني للجزيرة إن الجيش أرسل اللواء أبو بكر فقيري وضابطين وسفيرا إلى جدة للتفاوض مع وفد من الدعم السريع.
وأشار المصدر إلى أن قبول التفاوض يأتي استجابة للمبادرة الأميركية السعودية، مشددا على أن التفاوض سيكون في القضايا العسكرية والإنسانية ولا علاقة له بأي قضايا سياسية.
وفي هذا الصدد، ذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس) أن وزير الخارجية فيصل بن فرحان بن عبد الله بحث، مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، المبادرة المشتركة الخاصة باستضافة ممثلين عن الطرفين في مدينة جدة، والتي تهدف لتهيئة الأرضية اللازمة للحوار لخفض مستوى التوترات هناك.
على صعيد آخر، قال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي إنه تلقى اتصالا هاتفيا من وزير خارجية مصر سامح شكري حيث ناقشا الوضع في السودان والموضوعات المتعلقة بالأزمة الراهنة.
وأضاف أنهما تطرقا كذلك إلى المبادرات المحلية والإقليمية والدولية الرامية لإيجاد حل شامل ووقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن شكري أكد استعداد بلاده لتقديم كل المساعدات لتجاوز هذه الظروف.
من ناحية أخرى، قال وزير الخارجية الكيني ألفريد موتوا، في تصريحات للجزيرة، إن مئات آلاف السودانيين يفرون إلى البلدان المجاورة مما يشكل أزمة إنسانية، معبرا عن قلقه من احتمال تفكك السودان وتحوله إلى جيوب صغيرة، على حد تعبيره.
وأكد موتوا إنه تواصل مع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، ومع قائد قوات الدعم السريع، وتمكنوا من إقرار هدنة، وقال من المؤسف أن جنرالين في السودان “قررا أن يدخلا في مواجهة على حساب الشعب” لكنه قال إنهما “يستمعان للوساطات والمبادرات”.
كما قال وزير الخارجية الكيني “قادة في السودان يقاومون منذ فترة فكرة استتباب الحكم للمدنيين” مضيفا أن القتال قوض على نطاق واسع قدرة القطاع الصحي على خدمة المواطنين، معبرا في الوقت ذاته عن خشيته من أن يتحول السودان إلى ساحة حرب بالوكالة.