إستيقظت العاصمة السودانية الخرطوم الأربعاء على وقع إنفجارات قوية ونيران المدفعية الثقيلة في اليوم السادس والعشرين من النزاع على السلطة بين الجيش وقوات الدعم السريع. يحدث هذا، بينما لم يتحقق أي تقدم يذكر في المحادثات الجارية بين طرفي الصراع من أجل إقامة ممرات إنسانية لإجلاء آلاف السكان وضمان مرور “المساعدات الإنسانية” مثلما طالبت به الأمم المتحدة.
إندلعت مواجهات عنيفة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة والطيران الحربي والدفاعات الأرضية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شمالي الخرطوم بحري. وتقدم الجيش السوداني عبر عدة محاور من ضاحية الحلفايا شمالي الخرطوم بحري صوب قوات الدعم السريع المتمركزة في شمبات وبقية الأحياء الجنوبية للمدينة منذ بدء الإشتباكات قبل 4 أسابيع.
وصاحبت محاولات الجيش للتقدم قصف جوي مكثف من سلاح الجو السوداني على أهداف للدعم السريع في شمبات، حيث شوهدت أعمدة الدخان الكثيف تتصاعد من عدة مواقع. كما أدت شدة الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع لانقطاع التيار الكهربائي.
وبحسب سكان في العاصمة السودانية، شن الجيش السوداني ضربات جوية مكثفة وسط المدينة أيضا أمس الثلاثاء. وذكر شهود أن الجيش نفذ قصفا جويا مكثفا في وسط الخرطوم وحول القصر الرئاسي. وقالت قوات الدعم السريع إن القصر، الذي تقول إنها تسيطر عليه، أصيب في ضربة جوية ودُمر، لكن مصدراً بالجيش نفى ذلك.
والقصر الجمهوري القديم أحد قصرين داخل مجمع القصر الرئاسي الذي يضم أيضا القصر الجديد المبني أواخر سنوات حكم الرئيس عمر البشير (1989-2019). وكان القصر القديم مقر الحكومة السودانية منذ ما يزيد على 100 عام وحتى العقود التي تلت استقلال البلاد عام 1956.
كما تبادل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الإتهامات بارتكاب أعمال عدائية، بعد دخول الاشتباكات بين الطرفين أسبوعها الرابع.
وقال الدعم السريع إن قوات الجيش استهدفت عددا من المباني المدنية والأحياء السكنية والمصانع والمؤسسات الخاصة، مما تسبب في إصابة ومقتل عدد من المدنيين.
من جهته، قال الجيش في بيان إن “الموقف العملياتي مستقر بكل ولايات السودان (18 ولاية) عدا الأعمال العدائية والإجرامية للمليشيا المتمردة (الدعم السريع) ببعض مناطق العاصمة بما فيها المناطق السكنية”.
وأضاف أن قواتهم اشتبكت مع الدعم السريع أثناء تمشيط منطقة موقف جاكسون وسط الخرطوم “وتم تدمير عدد من العربات القتالية والاستيلاء على أسلحة وأسر عدد من المتمردين ولاذ البقية بالفرار، كما قامت قواتنا بتدمير شاحنة ذخيرة للمتمردين بالقرب من كوبري المك نمر”.
إتهامات بالنهب
وفي إطار آخر، إتهم الجيش السوداني قوات الدعم السريع بنهب المزيد من البنوك والمحال وسرقة ممتلكات المواطنين، وقال في بيان مساء الثلاثاء “استمرت المليشيا المتمردة في أعمال نهب البنوك والمحال التجارية ومنازل المواطنين وتخريب مرافق الخدمات”.
وأضاف أن عناصر الدعم السريع قاموا “بمواصلة نهب محطة جمارك سوبا وبنك الخرطوم فرع حي العمدة واقتحام عدد كبير من المنازل وسرقة ممتلكات المواطنين ببعض الأحياء تحت تهديد السلاح”.
وندد إتحاد المصارف السوداني بعمليات السطو والتخريب في بعض فروع البنوك، قائلا إن المصارف ستستأنف خدماتها إذا سمحت الظروف بذلك.
وقالت قوات الدعم السريع في بيانات إنها تسعى لاستمرار الخدمات في الخرطوم، ونفت صحة تقارير عن قيام أفرادها بأعمال نهب وانتهاكات أخرى.
محادثات جدة
وأوفد الطرفان المتحاربان، اللذان فشلا في الالتزام باتفاقات الهدنة المتكررة، ممثلين عنهما إلى محادثات بمدينة جدة السعودية يوم السبت الماضي.
والأحد الماضي، أعلنت السعودية أن المحادثات “ستستمر أياما”، للوصول إلى “وقف فعال لإطلاق النار”.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن دبلوماسي سعودي، أول أمس الإثنين، أن “المفاوضات لم تحرز تقدما كبيرا حتى الآن”، مشيرا إلى أن “وقفا دائما لإطلاق النار ليس مطروحا على الطاولة. فكل جانب يعتقد أنه قادر على حسم المعركة”.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أمس الثلاثاء إن بلاده لن تتخلى عن هدف إعادة السودان إلى مسار الحكم الديمقراطي المدني، مضيفا أن واشنطن تبذل الجهد في محادثات جدة من أجل وقف إطلاق النار والتوصل إلى اتفاق بخصوص المساعدات الإنسانية.
وتتواصل منذ 15 أبريل/نيسان الماضي اشتباكات في ولايات بالسودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، تبادل فيها الجانبان الاتهامات بالمسؤولية عنها، عقب توجه فرق تابعة لكل منهما للسيطرة على مراكز تابعة للآخر.
إتفاق وشيك
ومساء اليوم، قال مسؤولون في الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة إن القائدين العسكريين المتحاربين في السودان على وشك التوقيع على إعلان مشترك يسمح بوصول المساعدات الإنسانية إلى العاصمة، مع احتمال نشر قوات من الاتحاد لتأمين مطار الخرطوم، كما أبدت وزارة الخارجية الأميركية تفاؤلا حذرا بشأن مباحثات السعودية بين الجيش السوداني والدعم السريع.
وأفادت وكالة بلومبيرغ للأنباء بأن الإعلان الوشيك، الذي نوقش بعناية في السعودية بين ممثلي الجيش السوداني الذي يقوده عبد الفتاح البرهان والدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، “في مراحله الأخيرة”، وقد يوفر إطاراً لنقل المساعدات جوا إلى الخرطوم، حيث تنشب اشتباكات بين الجانبين منذ نحو شهر.
وقال محمد الحسن ولد لبات (وهو كبير مستشاري رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقيه) -في مقابلة هاتفية مع وكالة بلومبرغ- “آخر المعلومات التي وردت إلينا حتى وقت متأخر من مساء أمس، هي أن الطرفين في جدة سيكونان قادرين على التوقيع على وثيقة بشأن المسألة الإنسانية”.
وأوضح لبات أن “المناقشات جارية بشأن كيفية قيام قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي بتأمين مطار الخرطوم الذي تضرر للغاية بسبب القتال”.
وتقود الرياض وواشنطن المحادثات الجارية منذ السبت الماضي في جدة بين طرفي الصراع في السودان.
وتهدف المحادثات إلى التوصل إلى وقف دائم لإطلاق نار والسماح بوصول عمال الإغاثة وإمداداتها بعد أن أخفقت إعلانات متكررة عن وقف إطلاق النار في وقف القتال، الأمر الذي جعل الملايين محاصرين في منازلهم ومناطقهم.
إعلان مبادئ و700 ألف نازح
على الصعيد الإنساني، دفع القتال الذي إندلع يوم 15 أبريل/نيسان في الخرطوم مئات الآلاف من الناس إلى الفرار من ديارهم وتسبب في أزمة مساعدات، حيث ارتفع عدد النازحين بما يزيد على المثلين خلال أسبوع إلى 700 ألف، حسبما ذكرت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة.
ووسط تحذيرات من أن السودان على شفا كارثة إنسانية، قال متحدث بإسم الأمم المتحدة إن مسؤول المساعدات بالمنظمة مارتن غريفيث اقترح أن يدعم الطرفان المتحاربان في السودان “إعلان التزامات” لضمان المرور الآمن لمواد الإغاثة الإنسانية، وطُرح الاقتراح في جدة للنقاش.
وأضاف فرحان حق نائب المتحدث باسم الأمين العام للمنظمة الدولية أن “غريفيث يأمل في المصادقة على الإعلان في أقرب وقت ممكن، ليتسنى توسيع نطاق عمليات الإغاثة بسرعة وأمان من أجل تلبية احتياجات الملايين في السودان”.
وتقدر الأمم المتحدة أن 5 ملايين شخص آخرين سيحتاجون إلى مساعدات طارئة داخل السودان، بينما من المتوقع أن يلجأ 860 ألفا إلى دول مجاورة تعاني أصلا من أزمات، في وقت خفضت فيه الدول الغنية مساعداتها.
وذكر شهود أن مظاهر الفوضى أصبحت مترسخة في الخرطوم ومدينتي أم درمان وبحري المجاورتين لها. وقال سكان إن منازل ومتاجر ومستودعات تعرضت للاستهداف.
وتوقع برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، الأربعاء، أن يعاني ما يصل إلى 2.5 مليون سوداني من الجوع في الأشهر المقبلة بسبب الصراع الحالي، مما يرفع عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد هناك إلى 19 مليونا.
وفي سياق متصل، أطلق الاتحاد الأوروبي اليوم الأربعاء جسراً جوياُ إنسانياً لتلبية الاحتياجات الإنسانية المتزايدة في السودان.
وأوضح بيان للمفوضية الأوروبية في بروكسل أنه تم نقل 30 طنا من المواد الأساسية، بما فيها مياه ومواد للنظافة ومعدات إيواء، من مستودعات الأمم المتحدة في دبي إلى بورتسودان (شمال غربي السودان)، وأضاف البيان أنه عقب وصول المساعدات للسودان تم تسليمها إلى منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، وبرنامج الغذاء العالمي.
تفاؤل واشنطن
بدورها، أبلغت وكيلة وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند الكونغرس الأميركي اليوم الأربعاء بأن المفاوضين الأميركيين المشاركين في محادثات السعودية يشعرون “بتفاؤل حذر”.
ويشارك في مباحثات السعودية من الجانب الأميركي ممثلون من فريق الوساطة من سفارة واشنطن في الرياض والملحق العسكري الأميركي، والسفير الأميركي في الخرطوم، ومنسق من مجلس الأمن القومي الأميركي.
من ناحية أخرى، قالت نولاند إن بلادها تعمل على تحديد الشخصيات السودانية التي ستشملها العقوبات الأميركية المنصوص عليها في الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأميركي جو بايدن في الرابع من الشهر الحالي.
ونص قرار بايدن على فرض عقوبات على فئات عدة، منها أي شخص ثبت تورطه في استهداف النساء أو الأطفال أو أي مدنيين آخرين من خلال ارتكاب أعمال عنف (بما في ذلك القتل أو التشويه أو التعذيب أو الاغتصاب أو غيره من أشكال العنف الجنسي).
كما يشمل المتورطين في أعمال الاختطاف أو التهجير القسري أو الهجمات على المدارس والمستشفيات والمؤسسات الدينية أو المواقع التي يلتمس فيها المدنيون اللجوء، أو في ممارسات تشكل انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان أو للقانون الدولي الإنساني.
وأسفرت الاشتباكات المستمرة في السودان حتى الآن عن مقتل ما لا يقل عن 570 شخصا، وإصابة أكثر من 5 آلاف آخرين، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
لجنة أمنية
وعلى الصعيد العسكري، قالت لجنة أمن الخرطوم -اليوم الأربعاء- إنها أوصت رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، بإعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة وحظر التجول في ولاية الخرطوم.
وذكرت اللجنة، في بيان، أنها قررت رفع توصيات عاجلة لرئيس مجلس السيادة لإعلان “حالة الطوارئ بالولاية وحظر التجول، وإعلان التعبئة العامة واتخاذ معالجات عاجلة لسد الفجوة في المواد الغذائية والخدمات”.
ولجنة أمن الولاية تتبع للعاصمة الخرطوم برئاسة الوالي أحمد عثمان حمزة، ومهمتها تنحصر في حفظ الأمن.