توعّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرد على إستهداف الجسر الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم، في حين إستمرت المعارك في شرق وجنوب أوكرانيا وسط بيانات متضاربة من كييف وموسكو عن الأوضاع الميدانية، وتحطمت طائرة مقاتلة من طراز “سوخوي-25” في بحر آزوف. إلى ذلك، أعلنت روسيا إنتهاء مشاركتها في صفقة الحبوب عبر البحر الأسود، إعتباراً من يوم غد، بسبب “عدم إلتزام الأطراف الأخرى بالجزء الذي يخص روسيا في الإتفاق”.
وأكدت موسكو أن الجسر إستُهدف فجر الإثنين بقاربين مسيّرين مما تسبب بأضرار، في حين تباينت التصريحات الأوكرانية بين تبني العملية ونفي المسؤولية عنها.
وقال بوتين خلال إجتماع مع مجلس الأمن القومي الروسي في موسكو “سيكون هناك بالتأكيد رد من جانب روسيا. وزارة الدفاع تعد اقتراحات ملائمة”.
وأضاف أن جسر القرم تعرّض لأضرار خطيرة جراء الهجوم الذي وصفه بـ”الإرهابي”، وتابع أنه أصدر تعليمات لإجراء تحقيق تفصيلي بشأن الحادث، مؤكدا أنه ينتظر اقتراحات ملموسة لتعزيز الأمن حول هذا الجسر الذي وصفه بالإستراتيجي، ويعدّ المنفذ البري الأهم لشبه الجزيرة مع روسيا.
وفي وقت سابق اليوم، أعلنت لجنة التحقيقات الروسية مقتل مدنيين اثنين وإصابة طفلة في الهجوم الثاني من نوعه في 9 أشهر، وأكدت اللجنة أن الهيئات الأمنية الأوكرانية هي من تقف وراءه.
وقالت مصادر في إدارة أمن الدولة الأوكرانية إن الهجوم الليلي على جسر القرم هو عملية خاصة نفذتها القوات البحرية وجهازُ الأمن الأوكرانيان، وإن العملية جرت وفقا للقانون الدولي.
بيد أن المتحدث باسم إدارة الاستخبارات الأوكرانية أندريه يوسوف رفض التعليق على حادث جسر القرم، في حين نفى الناطق باسم قيادة البحرية الأوكرانية دميترو بليتينتشوك القدرة على التأكيد الرسمي لاستهداف جسر القرم.
واتهم بليتينتشوك في مقابلة مع الجزيرة الجانب الروسي بمحاولة تبرير ما وصفه بالعدوان على أوكرانيا، قائلا إنه بسبب تدمير جزء من الجسر سيواجه الروس مشكلات في الخدمات اللوجستية لأنهم يستخدمون شبه جزيرة القرم كمحور لوجستي كبير لتحركات قواتهم نحو العمق الأوكراني.
The video of the destruction on the Crimean Bridge was published by the Investigative Committee of the Russian Federation.
The SBU has already officially commented on the detonation: "The Security Service of Ukraine will definitely reveal all the details of the organization of… pic.twitter.com/1ciFphPV0f— Feher_Junior (@Feher_Junior) July 17, 2023
“هجوم إرهابي”
وقد وصفت الخارجية الروسية إستهداف جسر القرم بقاربين مسيّرين فجر اليوم بأنه هجوم إرهابي نفذه نظام كييف. وقالت المتحدثة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا إن المهاجمين سيحاسَبون، كما طالبت المجتمع الدولي بالالتزام بتقديم تقييم ملائم للهجوم.
واتهمت زاخاروفا الولايات المتحدة وبريطانيا بتشجيع ما سمتها البنية الحكومية الإرهابية الأوكرانية. وقالت إن مثل هذه القرارات يتخذها الجيش والمسؤولون الأوكرانيون بمشاركة مباشرة من المخابرات والسياسيين الأميركيين والبريطانيين.
وقبل ذلك، أشار الكرملين إلى علمه بمدى عمق التنسيق بين كييف والعواصم الأوروبية والناتو، ولكنه استبعد اللجوء إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن ولندن، مؤكدا الحاجة إلى قنوات للحوار.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تعرض جسر القرم -الذي يعده الرئيس الروسي أحد أهم إنجازاته- لهجوم بشاحنة مفخخة مما أدى إلى انهيار أحد مساري مرور السيارات، وحينها ردت روسيا بضربات صاروخية واسعة على أوكرانيا.
وقبل أسابيع قليلة، اتهمت السلطات الموالية لروسيا القوات الأوكرانية باستهداف جسر “تشونغار” الذي يربط شبه جزيرة القرم بمقاطعة خيرسون (جنوب أوكرانيا).
عمليات ميدانية
ميدانيا، أعلنت وزارة الدفاع الروسية اليوم أن قواتها صدت 13 هجوما جديدا للقوات الأوكرانية في مقاطعة دونيتسك بشرق أوكرانيا. وقال المتحدث بإسم الوزارة إيغور كوناشينكوف إن الدفاعات الجوية الروسية أسقطت 6 صواريخ و19 مسيّرة أوكرانية خلال يوم واحد فقط.
يأتي ذلك بينما تدور إشتباكات ضارية في محاور عدة بدونيتسك، خاصة في محيط مدينة باخموت، وكذلك على محور مدن ليمان وكريمينا وأفدييفكا التي تحاول القوات الروسية اقتحام الدفاعات الأوكرانية حولها.
في المقابل، أعلنت آنا ماليار نائبة وزير الدفاع الأوكراني أن قوات بلادها استعادت أكثر من 100 كيلومتر مربع من الأراضي منذ بداية الهجوم المضاد في 4 يونيو/حزيران الماضي، من بينها نحو 7 كيلومترات باتجاه مدينة باخموت في دونيتسك تم تحريرها الأسبوع الماضي.
من جهتها، قالت هيئة الأركان الأوكرانية إن قواتها حققت تقدما باتجاه مدينتي ميليتوبول وبرديانسك الخاضعتين للسيطرة الروسية في مقاطعة زاباروجيا (جنوب شرق).
في تطور آخر، قالت الشرطة الأوكرانية إن قصفاً روسياً أودى اليوم بحياة إمرأتين وأصاب 10 أشخاص في بلدة بيلوبيليا في منطقة سومي بمقاطعة خاركيف (شمال شرق) قرب الحدود مع روسيا.
في هذه الأثناء، أعلنت قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية في روسيا عن تحطم طائرة مقاتلة من طراز سوخوي 25 في بحر آزوف قرب سواحل مقاطعة كراسنودار الروسية، وعزت الحادث إلى خلل فني في محرك الطائرة التي كانت تُجري طلعة تدريبية، وأكدت مصادر روسية لاحقا وفاة قائد الطائرة بعد انتشاله من البحر.
إنتهاء العمل بإتفاق الحبوب
من جهة أخرى، أعلن الكرملين، الإثنين، إنتهاء مشاركة روسيا رسمياً في صفقة الحبوب عبر البحر الأسود، إعتباراً من يوم غد، بسبب “عدم إلتزام الأطراف الأخرى بالجزء الذي يخص روسيا في الإتفاق”، مستدركاً بأن موسكو ستعود إليه “بمجرد تلبية شروطها”.
وقال المتحدث بإسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إنّ الهجوم على جسر القرم لا يمكن أن يؤثر على موقف موسكو في هذا الشأن، والذي أعلن عنه الرئيس بوتين، بنفسه، مشدّداً على أنّ الشرط لعودة روسيا هو الالتزام بالجزء الخاص بها في الصفقة، بحسب وكالة “تاس” الروسية للأنباء.
من جهتها، قالت المتحدثة بإسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، للوكالة، إنّ روسيا أبلغت تركيا وأوكرانيا والأمانة العامة للأمم المتحدة رسمياً بعدم موافقتها على تمديد صفقة الحبوب.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت أمس، أنّها على علم بإمكانية عدم تجديد صفقة الحبوب. وقال مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، إن واشنطن تبحث هذه المسألة “عن كثب” مع كييف، معتبراً أنّه «من خلال الخروج من الاتفاق، ستدير روسيا ظهرها لتزويد دول جنوب الكرة الأرضية وأفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا بالطعام الذي تحتاجه بأسعار معقولة”، علماً أنّ بوتين كان قد أكّد أكثر من مرة أنّ روسيا ستزود الدول المحتاجة بالغذاء مجاناً في حال تم إنهاء الصفقة.
يُشار إلى أنّ الشروط الروسية لاستمرار العمل بالإتفاق تشمل إعادة إتصال “المصرف الزراعي الروسي” بنظام الدفع العالمي «سويفت»، وإطلاق خط أنابيب الأمونيا «تولياتي أوديسا»، والذي تتهم موسكو “المخربين الأوكرانيين” بتفجيره قرب منطقة خاركوف. كما طالبت روسيا برفع القيود المفروضة على توريد الآلات الزراعية وقطع الغيار إليها، وكذلك السماح للسفن الروسية بدخول الموانئ الأجنبية، وغيرها.
ردود الفعل
وفي المقابل، تصاعدت الانتقادات الأممية والغربية للقرار الروسي، على الرغم من عدم إلزام الراعي الأممي، سواء الجانب الأوكراني أو الغربي، بالالتزام ببنود الاتفاق الذي ظلّ محطّ انتقاد روسيا، كونه أوّلاً لم يسهّل تصدير البضائع الروسية، وسمح ثانياً بوصول الحبوب إلى الدول الغنية دوناً عن تلك الفقيرة.
ومن جهته، أسف الأمين العام لـ”الأمم المتحدة” أنطونيو غوتيريش، بشدّة لقرار روسيا إنهاء تطبيق مبادرة البحر الأسود، بما يشمل سحب الضمانات الأمنية الروسية للملاحة في شمال غرب البحر الأسود، وأشار إلى أن “مئات ملايين الأشخاص (…) سيدفعون الثمن”، محمّلاً روسيا مسؤولية ذلك.
كما أعرب غوتيريش عن خيبة أمله لـ”تجاهل” الرسالة التي وجهها الأسبوع الفائت إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في محاولة للتوصل إلى اتفاق، على الرغم من تجاهله المتكرّر للتحذيرات الروسية توازياً مع عدم الوفاء بتذليل العقبات أمام صادراتها، التي أطلقتها موسكو قبل وبعد موافقتها الأخيرة على تمديد الاتفاق لمدة شهرين تنتهي اليوم.
ومن جهتها، ندّدت واشنطن بالإنسحاب الروسي من الإتفاق، بما إعتبرته “عملاً وحشياً جديداً”، على لسان سفيرتها لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد التي قالت إن “روسيا توجّه ضربة جديدة للأكثر ضعفاً، هذه المرة عبر تعليق مشاركتها في مبادرة حبوب البحر الأسود. إنه عمل وحشي جديد”. وحذّرت موسكو من “عواقب”، لافتة إلى أنه “هكذا يكون الوضع حين تقرّر دولة احتجاز الإنسانية رهينة”.
وبالتوازي، دانت باريس القرار الروسي بالإنسحاب، مطالبة موسكو بـ”وقف ابتزازها للأمن الغذائي العالمي”. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية، في بيان، إن “روسيا وحدها مسؤولة عن عرقلة الملاحة في هذا المجال البحري وتفرض حصاراً غير قانوني على الموانىء الأوكرانية”، مطالبة روسيا بـ”التراجع عن قرارها”.
أمّا الرئاسة الأوكرانية، فدعت إلى “القيام بكل شيء ممكن حتى يستمر استخدام ممر تصدير الحبوب عبر البحر الأسود”.