تتركز المعارك بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس في مدينة غزة في شمال القطاع المحاصر بعد دخول الحرب شهرها الثاني، فيما تقود قطر جهود وساطة لإطلاق عدد من الأسرى تحتجزهم الحركة الفلسطينية في مقابل هدنة مؤقتة.
وأعلنت إسرائيل، الأربعاء، أن جيشها بات “في قلب مدينة غزة”، بينما تتكثف عمليات القصف الجوي والمدفعي الذي أودى حتى الآن بـ10569 شهيداً، بينهم 4324 طفلاً و2823 إمرأة، بالإضافة إلى إصابة 26475 مواطناً وفق وزارة الصحة في غزة.
بالإضافة إلى الموت والدمار الذي يحيط بهم من كل صوب، يعاني الفلسطينيون من نقص كبير في الماء خصوصاً والمواد الغذائية والأدوية، فيما تستمر معاناة المستشفيات التي تحتاج إلى الوقود.
وأظهرت لقطات إلتقطها مراسل لوكالة فرانس برس، عدداً من السكان الذين ما زالوا في مدينة غزة، يصطفون أمام صهاريج من أجل التمكن من الحصول على المياه.
ووزّع الجيش الإسرائيلي، الأربعاء، لقطات مصورة لعملياته البرية، تظهر فيها دبابات وجرافات عسكرية وهي تتقدم وسط مبان مدمّرة بشكل شبه كامل. وأظهرت اللقطات الجنود وهم يدخلون بعض المباني التي خرقتها القذائف والرصاص، بينما تسمع أصوات إنفجارات.
من جهتها، أعلنت كتائب عز الدين القسام في بيان أن مقاتليها تمكنوا الأربعاء من “تدمير 16 آلية عسكرية كلياً أو جزئياً في مختلف محاور القتال”، كما تحدثت عن “عمليات قنص” واستهداف للقوات المتوغلة بقذائف الهاون.
🔴 مشاهد لتصدي كتائب #القسام للقوات المتوغلة في محوري شمال وجنوب مدينة #غزة وتدمير عدداً من الآليات#صحافة_الشعب #PublicPressehttps://t.co/Aeg8LG7fm6
📌 آخر التطورات عبر واتساب:https://t.co/hiufiIXGEM pic.twitter.com/23oCwMjZx8— PublicPresse (@PublicPresse) November 9, 2023
مفاوضات الهدنة والأسرى
قالت مصادر للجزيرة إن مدير وكالة الإستخبارات الأميركية (سي آي إيه) وليام بيرنز سيجري مباحثات في قطر الخميس، في حين نقلت تقارير صحفية تفاصيل عن المفاوضات الجارية بوساطة قطرية لإطلاق سراح عدد من المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة مقابل هدنة إنسانية.
وزار بيرنز إسرائيل يوم الأحد الماضي، وقالت المصادر إنه سيزور قطر من أجل المفاوضات الجارية بشأن صفقة إطلاق سراح المحتجزين.
في غضون ذلك، نقلت وكالة “رويترز” عن مصدر مطلع أن المفاوضات تهدف لإطلاق سراح 10 إلى 15 شخصاً تحتجزهم حركة حماس، مقابل هدنة إنسانية في غزة لمدة يوم أو يومين.
وأضاف المصدر أن المفاوضات تجري بتنسيق مع الولايات المتحدة، وأن الهدنة ستسمح لحماس بجمع تفاصيل عن جميع المحتجزين المدنيين وإطلاق سراح عشرات آخرين.
وأشار المصدر، الذي طلب عدم نشر إسمه، إلى أن “العدد الدقيق ما زال غير واضح في هذه المرحلة”.
ضغوط أميركية
ونقلت الوكالة نفسها عن مصدر أمني مصري أن من المتوقع وقف إطلاق النار لمدة 24 إلى 48 ساعة، أو تحديد نطاق العمليات الرئيسية خلال الأسبوع المقبل مقابل إطلاق سراح المحتجزين.
وذكر المصدر المصري أن الولايات المتحدة ودولا أخرى كثفت الضغوط على إسرائيل لتحقيق هذا الأمر.
وفي وقت سابق، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر مطلع على المحادثات أن المفاوضات تجري بوساطة قطرية بالتنسيق مع الولايات المتحدة لتأمين إطلاق سراح 10 إلى 15 محتجزا مقابل وقف إطلاق النار لمدة يوم أو يومين، مما يتطابق مع ما نقلته “رويترز” لاحقاً.
وكذلك، نقلت الوكالة الفرنسية عن مصدر مقرب من حركة حماس في قطاع غزة أن المفاوضات تجري بشأن هدنة لثلاثة أيام مقابل إطلاق سراح 12 محتجزا “نصفهم أميركيون”.
وذكر المصدر أن التقدم باتجاه الهدنة يتوقف حاليا على مدتها وعلى “شمال قطاع غزة الذي يشهد عمليات قتالية واسعة النطاق”، لافتا إلى أن “قطر تنتظر الرد الإسرائيلي”.
من جهة أخرى، أوردت صحيفة نيويورك تايمز الأربعاء أن المحادثات غير المباشرة بوساطة قطر كانت قد أوشكت على التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح 50 محتجزا، لكنها تعثرت عندما أطلقت إسرائيل هجومها البري على قطاع غزة يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ونقل موقع أكسيوس، أول أمس الثلاثاء، عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن الرئيس الأميركي جو بايدن حث نتنياهو على وقف القتال 3 أيام من أجل تحقيق تقدم في ملف المحتجزين، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي أبلغه بتخوفه من فقدان الدعم الدولي في حال وقف إطلاق النار لهذه المدة.
وتقدر تل أبيب أن هناك نحو 240 من الإسرائيليين والأجانب، بين عسكريين ومدنيين، محتجزون لدى حركة حماس وفصائل فلسطينية أخرى في قطاع غزة.
موقف حماس
في المقابل، أكد المتحدث بإسم كتائب القسام أبو عبيدة في كلمة مصورة الأربعاء أن “ملف الأسرى حاضر والمسار الوحيد هو صفقة كاملة أو مجزأة للإفراج عن الأسرى”. وقال إن “العدو يرفض تهيئة الظروف للإفراج عن الأسرى وأفشل عملية الإفراج عن 12 منهم” في الأيام الأخيرة.
وقد أكدت كتائب القسام، بعد أيام من إطلاق معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أنها تنوي الإفراج عن المحتجزين المدنيين حالما تسمح الظروف الميدانية. وقالت حماس أيضاً إنها مستعدة لإبرام صفقة لمبادلة كل الأسرى الإسرائيليين لديها بكل الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
والأربعاء قال القيادي في حركة حماس أسامة حمدان إن المقاومة ستجبر رئيس الوزراء الإسرائيلي على دفع الثمن مقابل الإفراج عن جنوده. وأضاف في مؤتمر صحفي بالعاصمة اللبنانية، أن نتنياهو يتحمّل شخصيا مسؤولية إعاقة الإفراج عن المحتجزين الأجانب.
من جهته، قال القيادي بحماس باسم نعيم إن المدنيين ومن وصفهم بالضيوف يمكن الإفراج عنهم إذا تهيأت الظروف وعلى رأسها وقف إطلاق النار.
في المقابل، قال نتنياهو الأربعاء إنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار في غزة من دون إطلاق سراح الرهائن.
صفقة موسعة
وفي الأثناء، أوردت القناة الـ13 الإسرائيلية أن تل أبيب مستعدة للتفكير في إطلاق سراح من تصفهم بالسجناء الأمنيين، في إشارة إلى الأسرى الفلسطينيين، مقابل “صفقة كبيرة وواسعة” للإفراج عن المحتجزين والأسرى لدى حركة حماس.
ونقلت القناة عن مسؤولين إسرائيليين أنه “على خلفية محاولات قطر والولايات المتحدة التوصل إلى صفقات صغيرة تؤدي إلى وقف إطلاق النار، فإن إسرائيل مستعدة وراغبة في النظر في إطلاق سراح سجناء أمنيين مقابل صفقة كبيرة وواسعة”.
من ناحية أخرى، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن هناك، وفق معلوماتها، نحو 10 أميركيين ما زالوا محتجزين لدى حماس.
ونقلت شبكة “إن بي سي” عن مسؤول أميركي رفيع قوله إن إخراج عدد كبير من المحتجزين يتطلب أكثر من هدنة إنسانية “وأكثر من بضع ساعات”.
أبو عبيدة
قال أبو عبيدة الناطق العسكري بإسم كتائب القسام إنهم وثقوا تدمير “136 آلية عسكرية إسرائيلية تدميراً كلياً أو جزئياً، وإخراجها عن الخدمة” من القوات التي دفعت بها إسرائيل للتوغل البري في قطاع غزة المحاصر.
وأكد، في كلمة مصورة، تفادي إسرائيل “الإلتحام الكامل مع المقاومة”، مشيراً إلى إستمرار كتائب القسام في “القتال والتصدي للعدوان في كل المحاور البرية شمال وشمال غرب وجنوب غزة”.
وأضاف أنه رغم وحشية المجازر والحرب الإسرائيلية التي تستهدف المدنيين في غزة “نضرب القوات الإسرائيلية وندمر الآليات ونوقع القتلى والإصابات” بينما “يواصل سلاح القنص إستهداف جنود الإحتلال وسلاح المدفعية دك التحصينات”.
وشرح أبو عبيدة تفاصيل المعركة ميدانياً، وقال “نناور بقوات النخبة من مجاهدينا، فنلتف لضرب العدو في خطوطه الخلفية، وننصب له ولدباباته الكمائن، وندمر الآليات من نقطة الصفر، ومن المدى الفعال للأسلحة المضادة للدروع والأفراد والبنايات التي يتحصن فيها الجنود”.
كما تناول موضوع الأسرى والمحتجزين مؤكداً أن “العدو يرفض تهيئة الظروف للإفراج عن الأسرى وأفشل عملية الإفراج عن 12 منهم” مشيرا إلى أن إسرائيل “تعيق جهود الإفراج عن المحتجزين والأجانب وتعرض حياتهم للخطر”. وأردف “نجدد تأكيدنا أن المسار الوحيد هو صفقة شاملة لتبادل الأسرى بشكل كامل، أو مجزأ (على فئات ومراحل)”.
واعتبر أن الكتائب بعد 33 يوما من الحرب الإسرائيلية على غزة، لا تزال قادرة على المواجهة، مؤكدا أن “البسالة التي يظهرها المقاومون في الميدان لصد العدوان لهو مفخرة لكل عربي ومسلم وحر في العالم”.
ودعا أبو عبيدة لإسناد المقاومة، وقال “نبشر الاحتلال بمرحلة قادمة من الغضب والمقاومة في الضفة وغزة والقدس، وفي كل الجبهات والساحات”.
“هدنات وممرات إنسانية”
وتدعو الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وقادة العالم العربي ودول أخرى إلى وقف إطلاق النار، وهي فكرة لا تدعمها واشنطن التي تدفع في اتجاه “وقف إنساني” لإطلاق النار وتشدد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
في طوكيو، أكد وزراء خارجية دول مجموعة السبع الأربعاء دعمهم “هدنات وممرات إنسانية” في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس، من دون الدعوة إلى وقف إطلاق النار.
وقال الوزراء في بيان مشترك “نشدد على الحاجة إلى تحرك طارئ لمواجهة الأزمة الإنسانية المتدهورة في غزة… ندعم هدنات إنسانية وممرات من أجل تسهيل المساعدة المطلوبة بشكل عاجل، وتنقل المدنيين، وإطلاق الرهائن” الذين تحتجزهم حماس منذ هجومها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
في الأثناء، حضّ ائتلاف من 13 مجموعة إغاثية بينها أطباء بلا حدود ومنظمة العفو الدولية وأوكسفام، قادة العالم على الضغط لوقف إطلاق النار في قطاع غزة بعد شهر على اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس.
ودعت المنظمات في بيان “الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وقادة الدول.. لبذل كل ما في وسعهم من أجل وقف فوري لإطلاق النار”، وذلك عشية استضافة باريس مؤتمرا إنسانيا مخصصا للوضع في قطاع غزة.
من جهتها، أكدت الرئاسة الفرنسية أن “هناك اليوم ضرورة إنسانية ملحة في غزة، فيما تواصل اسرائيل عملياتها”، لكنها اكتفت بالدعوة إلى تحسين الوضع الإنساني في غزة معتبرة أن ذلك “من مصلحة” الجميع “بمن فيهم إسرائيل”.
ودعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك في تصريح بعد زيارته إلى معبر رفح في مصر “بشكل مستعجل كلّ الأطراف إلى الاتفاق على وقف إطلاق النار”.
وتحدث تورك عن ثلاثة أهداف لوقف إطلاق النار “يجب تلبيتها في آن معا”، وهي إيصال الاحتياجات الإنسانية “بمستويات هائلة إلى جميع أنحاء غزة” والإفراج عن كل الرهائن “من دون شروط” وكذلك “تمكين الحيز السياسي من تحقيق نهاية دائمة للاحتلال”.
“سقطنا في الهاوية”
ووصف المفوض الأممي ما شاهده في معبر رفح قائلاً “رأيت البوابات المؤدية إلى ذلك الكابوس المستمر. كابوس يختنق خلاله الناس تحت القصف المتواصل، يبكون على فقدان أسَرِهم، ويكافحون بحثاً عن الماء والغذاء والكهرباء والوقود”.
واعتبر فولكر تورك أن “العقاب الجماعي الذي تفرضه إسرائيل على المدنيين الفلسطينيين يرقى هو أيضاً إلى جريمة حرب مثله مثل الإخلاء القسري غير القانوني للمدنيين”، مضيفا “لقد سقطنا في الهاوية. ولا يمكن لهذا الوضع أن يستمر”.
وأكد المتحدث بإسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري مساء الأربعاء أن 50 ألف فلسطيني غادروا شمال غزة خلال 24 ساعة، فيما قدر مسؤول أميركي قبل أيام أن نحو 350 ألف شخص ما زالوا في الشمال.
وأدت عمليات القصف العنيف إلى نزوح 1,5 مليون شخص داخل القطاع، وفق الأمم المتحدة.
واتهمت حركة حماس الأربعاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بـ”التواطؤ” مع إسرائيل في “النزوح القسري” لسكان غزة.
وقال سلامة معروف رئيس المكتب الإعلامي الحكومي التابع لحماس في بيان “نؤكد أن تخاذل وكالة الأونروا ومسؤوليها عن دورهم الواجب هو تواطؤ واضح مع الاحتلال ومخططاته بالتهجير القسري”.
وحمل معروف الوكالة التابعة للأمم المتحدة المسؤولية عن “وزر هذه النكبة الإنسانية سيما لسكان مناطق غزة وشمالها بعدما امتثلت منذ اللحظة الأولى لإملاءات الاحتلال وغادرت مواقعها”.
واستهدف القصف الإسرائيلي عددا هائلا من المباني في قطاع غزة، ما أدى إلى تدمير أو إلحاق أضرار ب45% من جميع الوحدات السكنية وفق المقرر الخاص في الأمم المتحدة المعني بالسكن اللائق بالاكريشنان راجاغوبال.
واعتبر المقرر الأممي أن “تنفيذ الأعمال القتالية مع العلم بأنها ستؤدي بشكل منهجي إلى تدمير وإتلاف المساكن المدنية والبنية التحتية، مما يجعل مدينة بأكملها – مثل مدينة غزة – غير صالحة للسكن للمدنيين هو جريمة حرب”.
كذلك، حذّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن “القصف المكثّف يدمّر البنية التحتية المدنية في جميع أنحاء غزة، ويزرع بذور الشقاء لأجيال مقبلة”.
“إحتمالات عدة” حول مستقبل غزة
يتناول مسؤولون ووسائل إعلام في الأيام الأخيرة “سيناريوهات” محتملة لإدارة غزة في حال نجحت إسرائيل في تحقيق هدفها في “القضاء” على حماس.
في هذا الصدد، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأربعاء أن على إسرائيل “عدم إعادة احتلال” غزة.
وتحدث لصحافيين في طوكيو على هامش مشاركته في اجتماع لمجموعة السبع، عن “عناصر أساسية” لتحقيق “سلام دائم وأمن”.
وأوضح أنها تتضمن “عدم تهجير الفلسطينيين قسرا من قطاع غزة، ليس الآن ولا بعد الحرب، وعدم استخدام غزة منصة للإرهاب أو هجمات عنيفة أخرى، وعدم إعادة احتلال غزة بعد النزاع”.
من جهتها، رأت الحكومة الإسرائيلية الأربعاء أن من “السابق جدا لأوانه” التحدث عن “سيناريوهات” حول مستقبل قطاع غزة الذي يجب أن “ينزع السلاح فيه”.
لكنه أوضح “نبحث في احتمالات عدة مع شركائنا الدوليين”، مشددا على أن ثمة “عاملا مشتركا” هو أن يكون قطاع غزة “منزوع السلاح حتى لا يصبح مجددا في أي وقت من الأوقات وكرا للإرهاب”.
وفي وقت سابق تحدث الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس عن “آلية بديلة لغزة” بعد انتهاء الحرب الحالية.
وسحبت إسرائيل قواتها وفكّكت المستوطنات في غزة في العام 2005. ومنذ 2007، بات القطاع تحت سيطرة حماس التي طردت منه حركة فتح، وهو يخضع لحصار إسرائيلي منذ ذلك الحين، تمّ تشديده بعد اندلاع الحرب الراهنة.