- خفض التصنيف سيعني تشدداً كبيراً في التحويلات إلى لبنان ومنه
- مصارف لبنان ستعاني من إجراءات صارمة وكلفة الإمتثال سترتفع
- ستتأثر حتماً إعتمادات الإستيراد والتصدير وتحويلات المغتربين
رنى سعرتي – نداء الوطن
سيشكل ما صرّح به وفد صندوق النقد الدولي خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان دافعاً إضافياً وأساسياً في زيادة إحتمال خفض تصنيف لبنان من قبل مجموعة العمل المالي (Financial Action Task Force) (FATF) إلى القائمة الرمادية أو حتى القائمة السوداء، في الموعد المحدد من قبلها في أيار 2023. فتقييم صندوق النقد يعتبر معياراً أساسياً تتبناه الجهات الأجنبية لدى إعادة النظر في تصنيفاتها.
وإذا كان تقرير الصندوق قد أكد أن “لبنان في لحظة خطيرة للغاية، عند مفترق طرق، وأن التقاعس عن اتخاذ إجراءات مطلوبة من شأنه أن يدخل البلاد في أزمة لا نهاية لها”، فان هذا التصريح ليس بالطبع عامل جذب لثقة المجتمع الدولي. وإذا كان الصندوق قد اشار الى ضرورة “إسراع الحكومة والبرلمان ومصرف لبنان سوياً في اتخاذ إجراءات حاسمة للتصدي للضعف المؤسسي والهيكلي طويل الأمد”، فان هذا الامر أيضاً لا يساهم في الحفاظ على تصنيف لبنان الحالي. أما توقع صندوق النقد الدولي بأن “الطابع غير الرسمي للاقتصاد سيزداد وسيرتفع خطر ترسخ الأنشطة غير المشروعة في الاقتصاد”، فان هذا الامر لا يشير سوى الى توقعات بازدهار عمليات تبييض الاموال خصوصاً ان الصندوق اشار “إلى تسارع مخاطر الدولرة النقدية المرتفعة بالفعل”.
توقّع الأسوأ؟
هذه المعطيات التي قدمها صندوق النقد الدولي تصب في صلب العوامل المعتمدة من قبل مجموعة العمل الدولي لتصنيف البلاد، حيث ان المجموعة تصدر تصنيفاتها على اساس مدى التزام الدول في قوانين مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب. وقد سبق ان صنفت لبنان في أواخر التسعينات في المنطقة الرمادية، وحصلت بعدها ورشة تشريعية لإقرار قوانين الالتزام بمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب، وأُزيل لبنان عن هذه القائمة.
وأكدت مصادر مالية ونقدية أن ثمة تقارير موثوقة باتت تشير بوضوح الى انتشار عمليات تبييض الأموال بسرعة في لبنان، وهناك صفقات كبيرة تدفع بالكاش من دون معرفة مصادر تلك الاموال، اضافة الى اموال تجارة المخدرات (لا سيما الكابتاغون)، فضلاً عن اسئلة تأتي من جهات دولية عن مؤسسة القرض الحسن التابعة لـ”حزب الله” والتي هي خارج اي رقابة رسمية، ومصادر الأموال التي تقرضها لعملائها غير معروفة.
إقتصاد الكاش
اليوم مع تحوّل الإقتصاد إلى إقتصاد نقدي بنسبة تراوح تقديراتها بين 60 و80% ومع فقدان المصارف لوظائفها الاساسية أبرزها امكانية تتبّع حركة الاموال في البلاد، ومع نمو اقتصاد الظلّ أي غير الشرعي بنسبة تفوق حجم الاقتصاد الرسمي، ومع انتشار فوضى تحويل الاموال من خارج النظام المصرفي، فان الالتزام بقوانين مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب أصبح أمراً شبه مستحيل. وبالتالي أصبح الدافع لتخفيض تصنيف لبنان الى القائمة الرمادية شبه محسوم، لا بل حتّى ان امكانية خفضه الى القائمة السوداء بات وارداً ايضاً.
تضم القائمة الرمادية الدول الخاضعة للمتابعة المتزايدة وهي الدول التي تعمل مع مجموعة العمل المالي لمعالجة أوجه القصور في أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، حيث تتعهد هذه الدول باتباع خطة العمل المحددة للوفاء بمعالجة أوجه القصور لديها.
أما القائمة السوداء فهي تضم الدول مرتفعة المخاطر مثل ايران وكوريا الشمالية، اي الدول التي لديها أوجه قصور استراتيجية في نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وانتشار التسلح والتي تدعو مجموعة العمل المالي جميع الدول الأعضاء الى اتخاذ تدابير مضادة بحقها.
ستسوء العلاقة مع البنوك المراسلة
في هذا الإطار، إعتبر الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود ان لبنان متجّه نحو خفض تصنيفه الى القائمة الرمادية في ظلّ تحوّل كافة التعاملات من مصرفية الى نقدية ومع ازدهار عمليات تبييض الاموال، موضحاً لـ”نداء الوطن” ان تداعيات هذا الامر تطال التحويلات المالية المصرفية التي تعتمد عليها عملية الاستيراد بشكل اكبر (19 مليار دولار سنوياً) بالاضافة الى تحويلات المغتربين (7 مليارات دولار)، “وبالتالي ستسوء علاقة المصارف اللبنانية مع البنوك المراسلة بعد تصنيف لبنان ضمن قائمة الدول غير المتعاونة والمشكوك بمصدر الاموال المستخدمة في قطاعها المصرفي. وستخضع التحويلات المالية الى رقابة متشددة أكثر، الامر الذي سيؤدي الى تأخر إتمامها لفترات طويلة لزوم التدقيق بها وبمصدرها ووجهة تحويلها”.
كما لفت حمود الى ان شروط التحويلات المالية تصبح اكثر صرامة، وتنحصر فقط بالعلاقات التجارية والعائلية الموثقة، في حين قد تُرتجع بعض التحويلات المالية مما يؤدي الى تدهور العلاقة مع البنوك المراسلة التي قد تقرر وقف التعامل مع المصارف اللبنانية لخفض نسبة مخاطرها.
بالإضافة إلى ذلك، اشار حمود الى ان قدرة المصارف على تحمّل كلفة الامتثال للمعايير المتشددة والشروط الاضافية التي يستوجبها تصنيف لبنان ضمن القائمة الرمادية، ستكون ايضاً تحدّياً للمصارف الصغيرة التي يمكن ان تعجز عن الاستمرار، “وبالتالي فان خفض التصنيف سيشكل سبباً اضافياً للمصارف غير القابلة للعيش، للخروج مسبقاً من السوق”.
أما في حال تصنيف لبنان ضمن القائمة السوداء وهو الامر الذي يستبعده حمود، فان ذلك سيدفع البنوك المراسلة الى طلب اقفال حسابات المصارف اللبنانية لديها، “ولكنّ لبنان لن يصل الى هذه المرحلة رغم ان الضغوطات ستزداد عليه”.
لا داعي للهلع
من جهته، أشار الخبير الإقتصادي الدكتور نسيب غبريل الى ان مجموعة العمل الدولي أصدرت في 23 شباط الماضي القائمة الرمادية المحدثة واضافت دولاً جديدة مثل نيجيريا وجنوب أفريقيا. ولكن لم تضف لبنان على تلك القائمة ولم تقم بذكر لبنان في بيانها، “وبالتالي لا داعي للتكهنات والتهويل بان المجموعة ستضيف لبنان على اللائحة الرمادية قبل صدور أي شيء رسمي منها”.
وأوضح لـ”نداء الوطن” ان مجموعة العمل الدولي تقوم بمراجعات دورية لتقييم إلتزام الدول بالمعايير الدولية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وتطالب الدول المصنّفة ضمن القائمة الرمادية الالتزام بمجموعة من الاجراءات بالتعاون مع السلطات المعنيّة لمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب ضمن مهلة زمنية محددة. في غضون ذلك، فان دوائر الامتثال في البنوك المراسلة هي التي تقرر وقف التعامل أم لا مع مصارف الدول المصنّفة ضمن القائمة الرمادية.