إبراهيم الأمين – الأخبار
الحملة المركزة داخلياً التي يشنها معارضو ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية تعكس، من جهة، إحتدام المعركة الداخلية، ومن جهة أخرى واقع التفاوض بين الدول المعنية بالملف. إذ إن كل اللاعبين في لبنان يتصرفون بواقعية إزاء الدور الخارجي، والجميع يعرف أن وصول رئيس إلى بعبدا من دون تسوية مع الإقليم والعالم، يبقي الأمور على حالها، وقد يوسّع دائرة الانهيار، خصوصاً على صعيد الدولة المركزية التي تسقط يومياً في كل الأمكنة، ولم تعد سطوة أو هيبة القوى الأمنية والعسكرية كافية لمنع الانفجارات المتفرقة بمعزل عما إذا كان عنوانها اجتماعياً أو طائفياً أو أمنياً.
منذ الإعلان عن زيارة فرنجية إلى فرنسا، نشطت ماكينات كل الأطراف. لكن، بدا واضحاً أن القوات اللبنانية رفعت السقف إلى أعلى مما كان يتوقع الجميع، بإعلان رفضها الحازم وصول فرنجية أو من يشبهه إلى الرئاسة، وصولاً إلى التهديد بعصيان عليه وعدم الاعتراف به رئيساً في حال انتخابه. وهو موقف يلاقيه القوات فيه مسيحيون آخرون، ما قد يقود إلى توتر أكبر. وهذا ما يخشاه البطريرك الماروني بشارة الراعي أكثر من أي طرف آخر. فبكركي التي لا تقبل أن يُستغل الانقسام المسيحي لفرض مرشح لا يمثل غالبية شعبية مسيحية واضحة، تقرّ في الوقت نفسه بصعوبة توحيد المسيحيين على مرشح واحد، وترفض جرّها إلى موقف علني داعم أو رافض لهذا المرشح أو ذاك. وهي في الوقت نفسه شديدة القلق من المناخات المحيطة بمواقف القوات اللبنانية، ولا ينبع قلقها هذا من التجارب اللبنانية فقط، بل من تحذيرات شديدة تأتي من الفاتيكان تحذّر من انزلاق المسيحيين أو قوى بارزة بينهم إلى خيارات صدامية تؤثر في مستقبل وجودهم في لبنان.
حلفاء فرنجية مستمرون
وفيما أخفقت المحاولات التي قام بها رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط لطرح مرشح تسوية، لم يطرأ تغيّر على موقف ثنائي أمل – حزب الله الداعم لترشيح فرنجية. وعلى رغم أن هناك من أبدى خشية من ترشيح الرئيس نبيه بري للرجل من دون تنسيق مع الحزب أو معه، ما ترك آثاراً سلبية على معركته الرئاسية، إلا أن رئيس المجلس حرص أخيراً على إبلاغ كل من يعنيهم الأمر بأنه لا يناور في دعمه لفرنجية، وهو تعهّد له ولحزب الله بذلك، كما بعث برسائل إلى دمشق حول الأمر نفسه. وفي هذه النقطة، يسعى بري إلى تبريد الأجواء مع القيادة السورية، ومحاولة رأب الصدع الكبير في علاقته بدمشق، بعدما لمس من الاتصالات واللقاءات التي أعقبت الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا استمرار الرئيس بشار الأسد في موقفه السلبي منه.
على رغم ذلك، لا تريد دمشق حشرها في الملف اللبناني بطريقة تعيد إلى الأذهان الدور الذي كانت تلعبه سابقاً، وهي تتريث حتى في إرسال أي مسؤول سوري إلى بيروت لئلا تتحول زيارته منصة لاستئناف الهجوم على سوريا. إلا أن هذا لا يلغي أن سوريا مهتمة جداً بالملف الرئاسي، وبوصول فرنجية إلى القصر الجمهوري، وستساعد في ذلك متى أتيح لها البحث به سواء مع السعودية أو مع غيرها. أما في ما يتعلق بالعلاقات مع القوى اللبنانية، فإن دمشق حريصة على توسيع دوائر التواصل، لكن ضمن إطار لا يخرج عن قرار الأسد بحصر ملف لبنان بيد قيادة حزب الله. وفي ما خص بري على وجه التحديد، فإن دمشق تعتبر أنه إرتكب خطأ تحول إلى مسألة شخصية لدى الأسد، عندما رفض إطلاق سراح هنيبعل القذافي وإعادته إلى سوريا التي منحته اللجوء بعد إنهيار نظام والده في ليبيا. ويعتبر الأسد أن عدم تجاوب بري مع دعواته المباشرة ومع وساطات عواصم عربية ودولية، يمثل “طعنة” لا تزال تتحكم بموقف دمشق من العلاقة معه.
الحوارات مع الأجانب
وفي معطيات توردها مصادر معنية، فإن الرئيس بري حسم أمام مجموعة من الشخصيات بأن “معركتنا لإيصال فرنجية مستمرة ولن يكون فيها أي تعديل، وإذا كان هناك من عوائق فعلينا العمل داخلياً وخارجياً على إزالتها”.
وينقل رواة حواراً بين رئيس المجلس والسفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا بعد سؤالها عن سبب التمسك بترشيح فرنجية، إذ أجابها: “ما هي مشكلتكم أنتم معه. إذا كنتم تبحثون عن شخصية قادرة على التحدث والتفاهم مع سوريا وحزب الله، فمن برأيكم يمكنه ذلك؟”. وأضاف: “هل تعرفين أحداً من المرشحين الفعليين غير فرنجية يمكنه التحدث مع بشار الأسد لمعالجة أي أمور عالقة بين البلدين، خصوصاً في ملف النازحين؟ ومَن مِن هؤلاء غير فرنجية يثق به حزب الله، ويمكنه التفاهم مع الحزب حول أمور كثيرة تخص لبنان وعلاقاته الخارجية، ويمكن أن يمون على الحزب في بعض الأمور؟”.
وأضاف: “من قال إن فرنجية ليست له وضعية مسيحية. هل الأصوات هي العنصر الحاكم، وماذا عن تصويت المسيحيين قبل 2005. هل الجمهور اليوم أكثر حرية، وهل يوجد في لبنان، حتى بين خصوم فرنجية، من يمكنه أن ينفي عن الرجل تاريخه المسيحي، وتاريخ عائلته التي لطالما كانت لها علاقات قوية مع العالم العربي ومع الغرب، ومع السعودية على وجه الخصوص”.
وبحسب الرواة أنفسهم فإن بري تابع: “لا مشكلة لفرنجية مع السعودية. ربما هناك مشكلة للسعودية مع فرنجية، لكن موقف الرياض غير واقعي، لأن فرنجية ليس مسؤولاً عما يفعله حزب الله، ولا عما يفعله سعد الحريري. ولا يمكن أن يفرض أحد في الخارج على أحد في الداخل كيف يبني علاقاته”.
ولفت بري – ودائماً بحسب الرواة – إلى أن “لبنان يحتاج اليوم رئيساً لا يكون خاضعاً للمسلمين، لكنه قادر على مواجهة أي ضغوط مسيحية غير منطقية عليه. ومن يفكر برئيس من دون قدرات، فإنه يدعو إلى استمرار الأزمة في لبنان”. وتنقل المصادر نفسها أن شيا كررت أنه ليس لبلادها أي موقف من فرنجية، وأنها تتفهم ما قاله رئيس المجلس.
لقراءة المقال كاملاً.. أنقر/ي هنا.