في آخر كلمة ألقاها عشية جلسة إنتخاب رئيس للجمهورية تمنّى رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل على “الثنائي الشيعي” “وقف التدخّل بشؤون التيار الداخلية والضغط في محاولة إستدراج نوّاب ومسؤولين في التيار، وتحريضهم على الإنشقاق عن قيادة التيار”. واعتبر حصول أمر كهذا “منافياً لكل الأعراف الأخلاقية”، خصوصاً حين يتأتّى من “جانب أصدقائنا”. مرّت الجلسة بكل ما شهدته رغم اقتصارها على ساعة من الوقت أو أقلّ، لكن بقيت ذيول حديث باسيل تتردّد في الأجواء بعدما ثبت خروج عدد من نواب “التكتل” عن القرار، والأمر لم يقتصر على أعضاء التكتل، بل شمل “تياريين” أيضاً. الغصة لا تزال موجودة لما شهدته الساعات القليلة التي سبقت انعقاد الجلسة وليلتها.
لم يكن عابراً إتهام باسيل “الثنائي” بمحاولة التأثير على نواب تكتله النيابي لثنيهم عن إلتزام قراره التصويت لجهاد أزعور في جلسة إنتخاب الرئيس البرلمانية. إنتهت الجلسة لكن الجرح ما زال مفتوحاً. في الأساس نتحدّث عن حليفين أي “حزب الله” و”التيار”، إفترقا على خلاف، وعين كل منهما على الآخر، ويتمنيان ضمناً لو يعود الوضع إلى سابق عهده من الإتفاق والتنسيق المشترك. لم يأتِ كلام باسيل من فراغ، وقد وصلت علاقته بحليفه الشيعي الى هذا الحدّ، وهو ما يمكن اعتباره محاولة لشق التكتل وإضعافه قبيل الجلسة والخروج بعدها للقول إن أزعور خسر السباق، كما خسر باسيل رهانه وتصدّع تكتله النيابي. تجنّب باسيل رغم عتبه سرد محاولات التأثير على نوابه بالوقائع أو تكبير حجمه رغم الندوب التي خلّفها.
ليست القصة محصورة بمن عارض إنتخاب أزعور، بل إنّ الموضوع على صلة بتراكمات وميل عدد من نواب “التكتل” إلى التمايز عن رئيسه، رغم أنّ الأخير سبق وفاتحهم بكلام ردّدوه في مجالسهم الخاصة حول تفرّده بالقرارات، وخصّص جلسة مكاشفة لم تنتهِ إلى توحيد الموقف، كما يبدو، بدليل إصرارهم على معاكسة توجّه التكتل. لكن المشكلة ليست بأعضاء “التيار”، ذلك أنّ الخروج شمل آخرين كالأرمن والنائب السني محمد يحيى. وهو ما تسبّب في تصدّع قد تكون له تداعياته، خصوصاً أنّ باسيل ذاته قال إنّ خروجاً كهذا “سيرتّب إجراءات بحسب نظامنا الداخلي”، ما يستوجب السؤال عمّا إذا كان رئيس التيار يعتزم اتخاذ إجراءات معينة في حق من خالف توجهات “التيار” من “التياريين”، فهل يكون التعامل معهم مشابهاً للتعامل مع من خرج عن توجّهات “التيار” في الإنتخابات النيابية، أم أنّ الأمر قد لا يصل إلى هذا الحد، خصوصاً أنّ إستمرار “التيار” في التصويت لأزعور قد يكون ظرفياً إذا ما وجد أنّ وصوله غير ممكن. وكيف سيصون “التيار” وحدته ويضمنها وقد تبيّن أنّ من صوّت لأزعور من نواب تكتله لم يتجاوز 11 نائباً من أصل 19 نائباً؟
وإذا كانت محاولات الثنائي نجحت في فكفكة “التكتل” بالفعل، فالسؤال الواجب طرحه: هل يمكن إنتخاب فرنجية من خارج إرادة تكتل مسيحي أساسي أي “بنان القوي» أو «الجمهورية القوية» والإكتفاء بالعدد المحدود من أصوات النواب المسيحيين الذين صوتوا له في جلسة الإنتخاب الأخيرة؟ وهل جبران باسيل في ورطة متشعبة؟
في رد على السؤال، تؤكد مصادر رفيعة في «التيار الوطني الحر” أنّ “من ثبتت خيانته سيدان بالتأكيد”. وتقول “في موضوع محاولة “حزب الله” إختراق “تكتل لبنان القوي” و”التيار” فهذه لها “حسابات لاحقة في السياسة، ولا يمكننا أن نحاسب عليها وفق النظام الداخلي للتيار. يمكن أن نحاسب من رضخ للإبتزاز وليس من ابتزّ”، وتتوعّد المصادر عينها “بأن ما حصل لن يمرّ مرور الكرام ولو جرى تقاطع جديد بالسياسة”.
وبالعودة إلى ما قبل إنتخابات الرئاسة كانت المرة الأولى التي “تمتدّ فيها يد “حزب الله” إلى التيار” يوم إستمال الوزير جورج بوشكيان لحضور جلسات حكومة نجيب ميقاتي لمنحها شرعية عددية ‘ثم المحاولة الثانية نيابياً”، وهي الأهم، لذلك “التحقيقات انطلقت في شأن الخارجين على قرار التكتل، ومن ارتكب سيحاسب، وبذلك يكون الحليف ارتكب ما لم يرتكبه الخصم في السياسة”.
بعد إنتهاء التصويت داخل الجلسة اجتمع باسيل مع عدد كبير من نواب تكتله وتباحث معهم، كان واضحاً أنّ عدداً منهم غرّد خارج السرب “لكن المطلوب التثبّت من الأسماء قبل إتخاذ أي إجراء”، مع التسليم بحقيقة أنّ التكتل ما بعد الجلسة لن يبقى على حاله بعدها “بالنسبة لنا فقد خرج النائب محمد يحيى من التكتل بعدما إنضمّ لتكتل كرامي النيابي، بينما النواب الأرمن لم ينخرطوا في تكتل آخر بل مارسوا إستقلاليتهم، وهناك نقاش مفتوح معهم حول جدوى إستمرارهم”.
تبدّلت القوة العدديّة لـ”تكتل لبنان القوي” ولكن “نحن نملك الأرض الواقفين عليها، وهم (أي الخارجون على قرار التكتل) يملكون الزمن الفاصل عن الإنتخابات النيابية”، على ما تقول المصادر الرفيعة في “التيار” التي ترفض إعتبار باسيل في ورطة “فمن إستطاع التحرّر من الحصار المفروض عليه بتفرعاته الدولية والمحلية، ومن استطاع جرّ خصوم الأمس إلى التقاطع معه، ليس في ورطة. وليس بإمكان الثنائي وضع “الفيتو” على المرشح الرئاسي، بل هي إمكانية متوافرة لدى باسيل بدليل ما خرجت به الجلسة النيابية الأخيرة”.