يحمل الموفد الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان، حصيلة لقاءاته مع المسؤولين وممثلي الكتل النيابية في لبنان، إلى باريس، من غير أن تتضمن ما هو أبعد من المواقف المعلنة، حيث استمع إلى هواجس ومواقف من التقاهم، ومن ضمنهم المرشحون للرئاسة، ولم يعلن عن خطة لإنهاء الشغور الرئاسي، وسط إعتقاد سائد في الأوساط السياسية في بيروت أن فرنسا “لا تمتلك أدوات تنفيذية”، مما يجعل حركتها الدبلوماسية محصورة ضمن إطار “المسعى” لتحقيق إختراق بالأزمة الرئاسية، حسبما تقول مصادر مشاركة في لقاءاته الأخيرة.
واستكمل لودريان في بيروت، الجمعة، لقاءاته مع المسؤولين وممثلي الكتل النيابية، وتوّجها بلقاء قائد الجيش العماد جوزف عون، الذي يُعد المرشح الثالث للرئاسة على جدول لقاءات الموفد الرئاسي الفرنسي، بعد رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، والوزير الأسبق زياد بارود، في وقت تعترض المرشحين الثلاثة، فيتوات متبادلة بين القوى السياسية، مما يجعل انتخاب أحدهم صعباً من دون توافق سياسي.
ووفق بيان للجيش، فإن عون إستقبل لودريان في مكتبه في اليرزة، بحضور السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو. وتناول البحث “الوضع الأمني ووضع المؤسسة العسكرية، إضافة إلى الشأن السياسي العام”.
وكان من بين من إلتقاهم لودريان اليوم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والنائب تيمور جنبلاط. ووصف جنبلاط الأب اللقاء بـ”الودي والصريح”. كذلك، إلتقى لودريان مجموعة من “نواب التغيير”، نقلت له، وفق النائب وضاح الصادق، “وجهة نظرنا حول الانتخابات الرئاسية اللبنانية وضرورة أن يكون الرئيس محل ثقة اللبنانيين ومدافعاً عن تطبيق الدستور، يملك رؤية إصلاحيّة شاملة ويتطلّع إلى لبنان سيادي”. وأيضاً، إلتقى لودريان اليوم سفراء مجموعة الدول الخمس: الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر.
ومع أن المسعى الفرنسي يُنظر إليه على أنه “محاولة مكثفة لإحداث خرق”، بدليل إبلاغ لودريان من إلتقاهم بأنه سيعود في الأسابيع المقبلة، إلا أن المؤشرات التي تلقاها، توحي بأن الأزمة عالقة، و”تبدد التفاؤل بإنهاء الشغور قبل ثلاثة أشهر بالحد الأدنى”، حسبما تقول مصادر مواكبة للزيارة، في أن يتمكن الجانب الفرنسي من الوصول إلى نتائج حاسمة “من دون مؤازرة دول مؤثرة أخرى” مثل الولايات المتحدة الأميركية، أو غيرها ممن يمتلكون تأثيراً في البلاد ويتخذون موقف الحياد الآن، في حين “لا تمتلك فرنسا أدوات تنفيذية كافية لتحقيق خرق”. وعليه، تقول المصادر لـ”الشرق الأوسط”: “إذا كنا نتحدث عن تفاؤل، فهو بعيد”، لافتة إلى أن لودريان الذي حدد مهمته بالاستماع إلى الأفرقاء “لم يقدم شيئاً، وهو أمر متوقع ومعلن، واستطلع المواقف وسيحمل حصيلة اجتماعاته إلى قصر الإليزيه لوضعه بصورة المواقف اللبنانية”.
واستمع لودريان إلى مواقف جميع الكتل المنقسمة حول المرشحين، واستكملها بلقاء الرئيس المستقيل لـ”الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط ونجله رئيس كتلة “اللقاء الديموقراطي” تيمور جنبلاط، كما إلتقى رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” النائب سامي الجميل إلى جانب النائبين نديم الجميل وسليم الصايغ، فضلاً عن لقائه وفداً من كتلة “تجدد” ضم النواب ميشال معوض وأشرف ريفي وفؤاد مخزومي، إضافة إلى نواب “تغييريين” هم إبراهيم منيمنة وحليمة قعقور وميشال الدويهي وبولا يعقوبيان ووضاح الصادق وياسين ياسين، واستبقاهم لودريان إلى مائدة غداء.
ووصفت اللقاءات بالصريحة، إذ قال وليد جنبلاط: “لقاء ودّي وصريح مع المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الوزير السابق جان إيف لو دريان، بحضور سفيرة فرنسا آن غريو”، فيما كشفت مصادر “اللقاء الديمقراطي” أنه جرى الحديث عن ضرورة تنشيط الحوار الجدي للتوصّل إلى التوافق على رئيسٍ للجمهورية، يُجمع عليه كافة الأطراف السياسيين، نافية أن يكون قد تم النقاش بأسماء رئاسية.
كذلك، وصف الجميل اللقاء بالصريح، موضحاً: “إننا عرضنا خلاله لمقاربة (الكتائب) للملف الرئاسي، كما تقدمنا بخريطة طريق مكتوبة لحلٍّ مبني على استعادة الدولة لسيادتها ورفع الوصاية المفروضة عليها وإجراء الإصلاحات المطلوبة لإخراج الشعب اللبناني من عمق الأزمة”.
وتضاربت التفسيرات لمواقف لودريان حيال المبادرة الفرنسية التي كانت تقضي بانتخاب فرنجية، مقابل رئيس حكومة يطمئن معارضي رئيس “المردة”، حيث أكدت مصادر “القوات” و”الوطني الحر”، أن المبادرة باتت من الماضي، إذ أشار عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب غياث يزبك إلى أن لودريان “تحدث بصدق وموضوعية وطرح وسأل كما الجميع عن خيارات ثالثة وأسماء خارج إطار المرشحيَن المعلنين، لكن جواب (القوات) جاء واضحاً بأنها خاضت ضمن المعارضة الاستحقاق أولاً مع النائب ميشال معوض وثانياً مع الوزير السابق جهاد أزعور، ولن تتراجع تحت أي مسمى، والمطلوب اليوم تراجع الخط الممانع، تحديداً (حزب الله) عن فرنجية بعد كل التجارب السابقة، وما أفرزته الجلسة الأخيرة من إجماع وطني حول رفض فرنجية لأسباب موضوعية لا كيدية”.
لكن مصادر مؤيدة لوصول فرنجية، قالت لـ”الشرق الأوسط”، إن الفرنسيين لم يعلنوا رسمياً دعم فرنجية، وعدّوها أفكاراً للنقاش، وأكدت أن مؤيدي فرنجية “متمسكون بدعم ترشيحه، وليست هناك (خطة باء) لديهم، ويعتبرون أن الأصوات الـ51 التي جمعها في الدورة الأولى في الانتخابات، هي البداية القابلة للزيادة، بينما أصوات منافسه جهاد أزعور الـ59 هي الذروة”، علماً بأن الفرنسيين يعتبرون أن الجلسة الأخيرة أثبتت توازناً في موازين القوى في البرلمان لا يؤدي لإنهاء الشغور.
وقالت مصادر من “8 آذار” لـ”الشرق الأوسط”، إن لقاء لودريان مع كتلة “حزب الله” البرلمانية يوم الخميس، جرى خلالها عرض نتائج جلسة الانتخابات الأخيرة، وأكد ممثلو الحزب موقفهم القاضي بالتمسك بدعم فرنجية، وتم شرح أسباب هذا التمسك، فيما “إستمع الموفد الرئاسي الفرنسي لهواجس (حزب الله) والضمانات التي يسعى لها، بالنظر إلى موقع الرئاسة دستورياً، وإلى فرنجية من موقفه السياسي». وقالت المصادر إن ممثلي الحزب «لم يناقشوا الملف من زاوية محاولة الإقناع، لأن موقف الحزب معلن ومعروف”.
وبدأ لودريان جدول لقاءاته أمس، بلقاء النائب ميشال معوض الذي أكد أن “لا استقراراً ولا حلاً إلّا بعودة الجميع إلى الدولة واحترام سيادتها ودستورها وقوانينها ومؤسساتها، وإلّا سيتحوّل لبنان حتماً إلى ساحة صراع لا ينتهي ويدمر ما تبقى من مقدّرات لبنان على كلّ الصعد”، مشدداً على ضرورة أن يكون الاستحقاق الرئاسي “مدخلاً لاسترجاع الدولة لا لمحاولة تكريس مشروع هيمنة سياسي ومذهبي لن يمرّ بل سيزيد من حدّة الانقسام العمودي بين اللبنانيين وسينتج المزيد من انحلال المؤسسات والتوترات والإفقار والذل وسرقة الأموال وسلب الحقوق”.
وأعلن النائب أشرف ريفي أن كتلة “تجدد” شددت على أن تكون جلسات مجلس النواب مفتوحة لانتخاب رئيس للجمهورية، والمضيّ بالتصويت لجهاد أزعور.
وبعد إستقباله نواباً تغييريين، قال النائب وضاح الصادق: “إننا نقلنا له وجهة نظرنا حول الانتخابات الرئاسيّة اللبنانيّة، وضرورة أن يكون الرئيس محل ثقة اللبنانيين ومدافعاً عن تطبيق الدستور، يملك رؤية إصلاحيّة شاملة ويتطلّع إلى لبنان سيادي”. وأضاف: “أكد الموفد الفرنسي أن فرنسا ليست طرفاً ولا تملك مبادرة أو مرشحاً، وهو يزور لبنان ليستمع إلى مختلف الأطراف، في محاولة لكسر الحاجز وإيجاد حل مبني على الإصلاح”.
وإلتقى لودريان سفراء الدول الأعضاء في اللجنة الخماسية (الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر) المعنية بالجهود لإنهاء الأزمة في لبنان، وهي الدول التي شاركت في اجتماع حول لبنان عقد في السادس من فبراير (شباط) في باريس.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر دبلوماسي قوله إنهم “إتفقوا على ضرورة القيام بدون إبطاء بانتخاب رئيس للبنان تمهيداً لمباشرة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في إطار برنامج للنهوض (بالبلد)”، لقاء الحصول على مساعدة صندوق النقد الدولي.