ودعت “القوات اللبنانية” وبلاد جبيل في مأتم رسمي وشعبي مهيب وحاشد منسق “القوات” في قضاء جبيل باسكال سليمان الذي كان خطف الأحد الماضي من بلدة الخاربة في قضاء جبيل على يد عصابة من السوريين رمت جثته في إحدى القرى السورية. وترأس صلاة الجنازة في كنيسة مار جرجس في جبيل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، عاونه فيها راعي أبرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون والرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية الأب هادي محفوظ، بمشاركة بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي ممثلا بالمطران ادوار ضاهر، متروبوليت جبل لبنان للروم الأرثوذكس المطران سلوان موسي ولفيف من المطارنة والكهنة والآباء، وبحضور عدد كبير من الشخصيات السياسية والرسمية والأمنية والإعلامية، وعائلة سليمان والأقارب وفاعليات إجتماعية وأمنية وإقتصادية وقضائية وإعلامية، بالإضافة إلى حشد من الأهالي والمحبين والمحازبين والمناصرين من مختلف المناطق.
وكان وصل موكب جثمان سليمان من مستشفى سيدة المعونات الى الكنيسة محمولا على أكتاف نواب تكتل “الجمهورية القوية” وكشافة الحرية ورفاقه في “القوات”، ملفوفا بالعلمين اللبناني والقواتي، وسط نثر الأرز والورود على وقع المفرقعات والتصفيق. وتوالى منسقو “القوات” على الوقوف قرب النعش في الكنيسة.
الراعي
بعد الإنجيل، ألقى الراعي عظة بعنوان “ها أنا معكم كل الأيام إلى نهاية العالم” .(متى 28: 20). وقال فيها: “بهذه الكلمة الأخيرة التي ختم بها ربنا يسوع الأربعين يوما من ظهوراته لتلاميذه قبيل صعوده إلى السماء، أكد لهم ولكل مؤمن ومؤمنة مواصلة رسالته ذات البعدين: أنا معكم كل الأيام فاديا لخطاياكم بموتي، ومانحا إياكم الحياة الأبدية بقيامتي بموته تكفيرا عن خطايا البشرية جمعاء كشف وجه العدالة الإلهية التي “جعلته خطيئة من أجلنا، هو الذي لم يعرف خطيئة” (2 كور 5: 21). وبقيامته المنتصرة على الخطيئة والموت كشف وجه الرحمة الإلهية التي هي أقوى من كل خطيئة وشر. الرحمة الغافرة والعدالة لا تنفصلان. ولكن لا غفران من دون عدالة”.
أضاف: “من هذا المعين اللاهوتي، استمدت كلمتها الأولى زوجة الشهيد باسكال سليمان، المهندسة ميشلين يوسف وهبة، فيما الألم يعتصر قلبها وقلب كل من ابنتها وابنيها، إذ قالت: “مسيحنا قام من الموت، وتغلب عليه. نحن أبناء الرجاء والحياة. نحن أبناء اللاخوف. منشان هيك ما منخاف، وما راح نخاف حتى من الموت”لم تتلفظ بما نسمع اليوم صباحا ومساء، في الحرب والنزاعات والإعتداءات، بكلمة “ثأر” أو “قتل” أو “إتهام”. بل غفرت بصمت وفقا لثقافتها الإيمانية، تاركة قرار العدالة إلى القضاء، يقينا منها أن “العدالة أساس الملك”. عندما مست جمرة الوجع الكبير كيان هذه الزوجة والأم، فاح أريج إيمانها. فرفعت فكرها وعقلها وقلبها إلى السماء، حيث حبيب قلبها ورفيق دربها وأبو أولادها يشارك في مجد القيامة. ومن خلال ما أنزل به المجرمون الخاطفون القتلة من شر، رأت إستكمالا لما تحمل ربنا يسوع فادي الإنسان ومخلص العالم من تعذيب وآلام وصلب وهزؤ، ليفتدي خطايا كل إنسان بآلامه وموته مصلوبا، وليخلص بمحبته العالم الرازح تحت الشرور بقوة قيامته. لقد كثر الشر على أرض لبنان، فالحاجة ماسة إلى فداء”.
وتابع: “بدلت بكلمتها المنطق السائد، والمتأجج وهو منطق الإنتقام والثأر والتحريض والإشاعات وبث المعلومات الكاذبة وخلق أجواء محمومة واتهامات، وبها دعت إلى تهدئة هذه الأجواء، وإلى الثقة بالأجهزة العسكرية والأمنية وبخاصة الجيش الذي تمكن بمخابراته من كشف ملابسات الخطف والإغتيال، وإلى الثقة بالقضاء مع عدم تسييسه. فكلهم يتولون التحقيق من دون ضجيج وتصريحات استباقية، والمهم معرفة أهداف الجريمة ومن وراءها. فالحقيقة ستظهر لا محالة، كما يؤكد الرب يسوع: “لا خفي إلا سيظهر، ولا مكتوم إلا سيعلم ويعلن” (لو 12: 2). واعرب عن اسفه أن يكون مقترفو هذه الجريمة من النازحين السوريين الذين استقبلهم لبنان بكل روح إنسانية، ولكن بعضهم يتصرفون بشكل غير إنساني، ويرتكبون الجرائم المتنوعة بحق اللبنانيين وعلى أرض لبنان. وباتوا يشكلون خطرا على اللبنانيين في عقر دارهم. فأصبح من الـملح إيجاد حل نهائي لضبط وجودهم مع الجهات الدولية والمحلية المعنية، بعيدا عن الصدامات والتعديات التي لا تحمد عقباها. ومن واجب السلطات اللبنانية المعنية معالجة هذه المسألة الجسيمة الخطورة بالطرق القانونية والإجرائية”.
وقال: “لبنان الرازح تحت أزماته الإقتصادية والمالية، ونزيف أبنائه بهجرتهم، لا يتحمل إضافة أعباء نصف سكانه. وهذا ما تعجز عنه كبريات الدول. ومن ناحية أخرى يجمع المعلقون على هذا الخطف والاغتيال، في منطقة الشهيد باسكال الآمنة أن السبب الأساسي الذي يستسهل الإجرام المغطى سياسيا من النافذين، والهارب من وجه العدالة أو المتمرد عليها وعلى القضاء، هو عدم انتخاب رئيس للدولة. وبالتالي حالة الفوضى في المؤسسات الدستورية والوزارات والإدارات العامة وانتشار السلاح بين أيدي المواطنين والغرباء العائشين على أرض لبنان متسائلا لمصلحة من هذه الفوضى في الحكم والإدارة والقضاء والسلاح وقرار الحرب والسلم من خارج قرار الدولة؟”
أضاف: “إن الثقافة الإيمانية التي أظهرتها زوجة الشهيد تربت عليها في بيتها الوالدي الذي نعرفه معرفة شخصية، فمذ كنا في خدمة أبرشية جبيل العزيزة، تعرفنا عن قرب إلى والدها السيد يوسف أديب وهبه الذي تولى رئاسة بلدية ميفوق العزيزة، وكان دائما في استقبالنا كلما زرنا الرعية أو مررنا بها في طريقنا إلى سيدة إيليج. كما تعرفنا إلى المرحومة والدتها نسب الحاج بطرس، وقد ربياها مع شقيقاتها الأربع على القيم الروحية والأخلاقية والإجتماعية، هذه الخصال نمت في حياتها الزوجية مع عزيزها الشهيد باسكال، وهو إبن بيت كريم من ميفوق العزيزة. والده المرحوم رشوان سليمان، ووالدته الثكلى السيدة هند أسد سليمان التي يعتصر قلبها وجع الأم. على يدهما تربى باسكال مع شقيقيه على الإيمان المسيحي والأخلاق الإنسانية والروح الوطنية. أحب لبنان وشعبه، وقد عاش في منطقة تاريخية عريقة مدنيا وكنسيا ما بين عمشيت وجبيل وبلدته ميفوق وسيدة إيليج. ما عزز في قلبه محبة الوطن والمحافظة عليه ورفع إسمه عاليا. بهذه الإستعدادات تلقى دروسه في مدرستي راهبات القلبين الأقدسين وراهبات الوردية في مدينة جبيل. ثم حاز على شهادة المعلوماتية من الجامعة اللبنانية. ومن بعدها تابع دراساته العليا في جامعة السوربون بباريس ونال شهادة الماستير في علم الإدارة. وبعد عودته إلى لبنان ارتبط بسر الزواج المقدس مع الدكتورة ميشلين عام 2004. عاش الزوجان حياة زوجية سعيدة، باركها الله بثمرة الإبنة والإبنين، فسهرا على تربيتهم أحسن تربية، وعلى تأمين جو من الفرح والسعادة لينموا فيه. فقام بواجبه بعرق الجبين من خلال وظيفته في بنك بيبلوس طوال ثلاثين سنة. لكن إغتيال الزوج والوالد كسر عمود البيت. ولا شك في أنك يا زوجته المؤمنة ستتحملين المسؤولية كاملة بالإتكال على العناية الإلهية، وباسكال من السماء يعضدك وأولادك في شركة القديسين”.
وتابع: “بغيابه يخسر حزب القوات اللبنانية عنصرا أساسيا من عناصره، وهو حاليا منسق منطقة جبيل. دخل صفوف القوات والتزم بها وبمبادئها وبموجباتها تعزيزا للدولة والوطن وخدمة للبنانيين. لم يغب عن ضميره صوت دماء ألوف الشهداء الذين ضحوا بحياتهم ليحيا لبنان، ويحيا اللبنانيون مخلصين لهذا الوطن الذي لم يفتد بالبخيس من المال، بل بالدماء الزكية وقد أراقوها على أرضه ومن أجله دون سواه، حفاظا على كرامة الوطن وشرف المواطنين. وفي كل مرة كان يمر بسيدة إيليج كانت ذكراهم تتجدد في قلبه. بهذه المسؤولية التزم وخدم وضحى وأعطى. وها الجماهير المعزية التي تقاطرت إلى عمشيت وجبيل وبيروت وميفوق دونما انقطاع لدليل قاطع على إستنكار الجريمة النكراء من جهة، وعلى سقوط باسكال عن كل واحد وواحدة منا من جهة أخرى. إنه بسقوطه يقوينا لنصمد في الإيمان بأننا أبناء القيامة والرجاء واللاخوف، وبأن المسيح هو سيد العالم والتاريخ وله الكلمة الأخيرة: كلمة الحياة لا القتل! كلمة المحبة لا الحقد! كلمة السلام لا الحرب! كلمة الحق لا الباطل، كلمة الأخوة لا العداوة”.
وختم الراعي: “باسمكم جميعا أيها المشاركون أتقدم بالتعازي الحارة من زوجة الشهيد باسكال وابنته وابنيه ووالدته وشقيقيه، وعمه وعماته، وخاليه وخالتيه وحميه وبنات حميه. ومن رئيس حزب “القوات اللبنانية” ومنسقية منطقة جبيل وجميع المحازبين في القوات اللبنانية. رحمه الله بغنى رحمته، وأشركه في مجد القيامة. المسيح قام”.
جعجع
أما رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع فألقى كلمة عبر الشاشة إستهلها قائلاً: “وداعاً رفيقي باسكال. الرفيق، ابن القضية، المناضل الحقيقي، الصادق، المستقيم، المؤمن، والذي يضحّي في كل شيء حتى بحياته من أجل القضية. هذا أنت يا باسكال وهذه هي “القوات اللبنانية”.
اضاف: “من الممكن يا باسكال انك تسأل اليوم، مع العلم انني لا اعتقد ذلك لأنك من عليائك أصبحت ترى وتدرك كل الامور وتعرف ما الذي سيحصل، ولكن أيضا من الممكن أن كثرا يسألون: “طيب وهلق شو؟” الجواب بسيط وواضح جدا: “وقت الخطر قوات”. فالمواجهة مستمرة، وستبقى الى حين الوصول الى شاطئ أمان فعلي، حقيقي، ثابت ونهائي. مواجهتنا ليست للأخذ بالثأر أو ردة فعل او مواجهة طائفية او مناطقية او عرقية، بل هي من أجل الانتقال من الواقع المرير، المؤلم، المجرم، الفاشل الذي نعيش فيه منذ سنوات، الى الواقع الجديد المرتجى ككل مجتمعات العالم المتحضّر، حيث يعيش الانسان فيه بأمان واستقرار وعزة وحرية وكرامة. واقع جديد يمكنه استيعاب الأجيال الجديدة وأحلامها وتطلّعاتها وآمالها، ويؤمن لها حياة كريمة وفرص نجاح لا تنتهي وآفاقا مستقبلية لا حدود لها، وذلك في لبنان وليس في أي بلد ثانٍ”.
وأكد جعجع أن “مواجهتنا مستمرة مع جميع اللبنانيين الشرفاء الأحرار حتى الوصول “لهون بالتحديد”، كي لا نتعرض كل 5 او 10 سنوات الى حرب جديدة، وكي لا نعد نخجل بجواز سفرنا اللبناني أمام العالم، كي لا نبقى “موسومين” ببلد الإرهاب والكبتاغون، كي لا تستمرعمليّات الاغتيال والقتل والخطف كما حصل مع باسكال”.
وأردف: “مواجهتنا مستمرة كي يصبح لدينا حدود معروفة ومحروسة ومضبوطة “مش إنّو سيّارة مجرمين، معن جثّة إنسان، تقدر بهالبساطة تقطع بين لبنان وسوريا”. كي ننجح، اذا اردنا ديمقراطيا، تغيير سلطة فاشلة فاسدة، رمتنا في آخر طابق من جهنّم، بدلا من بقائها “قاعدي عا قلوب اللبنانيي” بفعل وهج السلاح غير الشرعي والتعطيل وضرب الدستور. كي ننجح في كشف الحقيقة في جريمة بحجم “جريمة المرفأ”، أو اغتيال لقمان سليم والياس الحصروني وباسكال سليمان، وكي ينال المجرمون عقابهم الذي يستحقونه ويكونوا عبرة لـ”كلّ حدا بيفكّر يمدّ إيدو عا لبناني”. كي نستطيع عند مطالبنا بالحقيقة الا نُتّهم بإفتعال الفتن فنتحوّل بمنطق اللامنطق من ضحية الى قاتل، ومن مغدور الى عابث بالسلم الأهلي. وكي يبقى قرارنا بيدنا، “مش نوُعا بيوم من الإيام، متل ما صاير هلق، ونلاقي حالنا بحرب إلا اوّل ما إلا آخر، بقرار مدري من مين ومن وين جرّ ورح يجر علينا” أكثر وأكثر الويل والخراب الذي لبنان بغنى عنه ولا مصلحة له به”.
كما شدد جعجع من جديد على ان المواجهة المستمرة، باعتبار ان “الأمور لن تحل من دونها، على الرغم من انها يمكن ان تكون طويلة، لأنّ الحلول الجذرية والفعلية والجديّة تحتاج الى وقت وجهد وتعب ونفس طويل”.
من هنا أعلن جعجع قائلاً: “تا ما حدا يغلط بحساباتو”: لا يراهنّ أحد على خيبة أملنا فلن نيأس، لا يراهنّ أحد على تعبنا فلن نتعب، لا يراهنّ أحد على تراجعنا فلن نستسلم، لا يراهنّ أحد على ذاكرتنا فلن ننسى، لا يراهنّ أحد على الوقت كي نبدل رأينا فبالنسبة الينا “الفُ عامٍ في عينِك يا ربُّ كأمسِ الذي عَبَرْ””.
جعجع الذي لفت الى ان “الجميع يعي ان طريقنا ليست سهلة البتة، اذ ان هدفنا ليس نيل المراكز والمواقع والمكاسب والمساومات و”لا بيع وشرى””، أكد ان “طريقنا صعبة “بتودّي، بس نمشيا كلّنا سوا، إيد بإيد” لتحقيق التغيير الحقيقي والفعلي لهذا الواقع الحالي”.
أما الى الرفيق باسكال، فكلمة من جعجع: “كن مطمئناً، كما تعرفنا نحن مستمرون في متابعة المسيرة، كما تعرفنا “حرّاسنا ما بينعسوا”، كما تعرفنا “لا منخاف من شي، ولا منستهاب شي””.
وتوجّه الى اللبنانيين عموماً والقواتيين خصوصاً، بالقول: “نحن جاهزون وحاضرون دائما، ولو ان الصعوبات والملمات تعترض طريقنا الا اننا “ما منتركها تأخرنا ولا بيأخّرنا غدر”، فمهما كانت الطريقُ صعبة، شاقة، طويلة، ومتعرّجة، ففي نهايةِ المطافِ، لن تكونَ إلاّ مشيئته، وكما في السماءِ كذلك على أرضِنا المقدسة.”
وختم: “المجدُ والخلودُ لشهيدِنا الغالي باسكال، في أَحضانِ سيدة ايليج سُلطانةِ الشهداء، العزةُ والكرامةُ والبقاءُ لشعبِنا الأبيِّ المستمرِّ في صمودِهِ”.
وبعد الإنتهاء من مراسم الجنازة، نقل جثمان الشهيد سليمان إلى مسقط رأسه “ميفوق” حيث ووري الثرى في مدافن العائلة في سيدة ايليج، ورافقه الاهالي والرفاق والمناصرون، بعد ان كان توقف الموكب في محطاتٍ عدّة، بدءاً من “ساحة عمشيت” مرورا بنقطة تجمع عند مفرق دكان الضهر، أما المحطة الثالثة فكانت بلدة “عبيدات” والرابعة عند “حاقل” مرورًا بالخاربة ومفرق لحفد – جاج وصولاً إلى “ميفوق”. وسلّم جهاز الشهداء في حزب “القوات” أهل الشهيد علم الحزب ووسام الشهيد”.