أفادت مصادر قضائية مطلعة لـصحيفة “الجمهورية” بأن القاضية غادة عون أبقت مذكرة الإحضار في حق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مفتوحة إلى حين إحضاره إلى التحقيق، بعدما لم يحضر الى الجلسة التي حددتها أمس للاستماع اليه. وتحدثت عن نيتها الادعاء على المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان بسبب “منع إنفاذ” قرار قضائي على خلفية عدم تجاوب قوى الامن مع جهاز أمن الدولة لتنفيذ مذكرة الإحضار في حق سلامة.
وكشفت المصادر عينها ان عون، وبعد اعتبار سلامة “فاراً من وجه العدالة” وبات مطلوبا إحضاره مخفورا، وجّهت كتابا إلى المدير العام لقوى الامن الداخلي طلبت فيه تزويدها معلومات لمعرفة “ما إذا كان هناك قرار خطي بعدم التعرض لسلامة”. وعما إذا كان ثمة “سبب قانوني يمنع تنفيذ مذكرة إحضار سلامة وسَوقه مخفورا أمامها”، متمنية ان يجيب عن سؤالها بالسرعة القصوى لتقرر الخطوة التالية. فإما تكلفه مهمة احضار سلامة ان كان متجاوبا او تدّعي عليه بـ”جنحة مشهودة تتعلق بعدم تنفيذ قرار قضائي” واحالته فورا الى قاضي التحقيق. وتعيد عندها تكليف جهاز امن الدولة المهمة مرة اخرى بعدما ابقت مذكرة الإحضار قائمة للهدف عينه، وربما تطورت الامور وتستدعيه “مُدّعية عليه” بدلا من احضاره “شاهداً” كما ورد في مضمون المذكرة السابقة، وعند احضاره ستكون مستعدة لعقد جلسة الاستجواب فورا.
وعلمت “الجمهورية” من مرجع امني ان الحديث عن وجوب إحضار سلامة قبل 24 ساعة على موعد الاستماع اليه كشاهد وأن جهاز امن الدولة تأخّر في احضاره الى صباح اليوم عينه هو كلام “لا صحة قانونية له”، فالمذكرة الصادرة عن القاضية عون تقضي بإحضاره كـ”شاهد” وليس كـ”مُدع عليه” ولا حاجة لإحضاره قبل 24 ساعة وإيداعه نظارة قصر العدل في بعبدا.
واعتبر مرجع سياسي، كما نقل قريبون منه لـ”الجمهورية”، انّ “توقيف سلامة بطريقة التحدي من شأنه أن يؤدي إلى حرب أهلية”، مُنبّهاً الى “محاذير الإستخفاف بالعواقب التي يمكن أن تترتب على مثل هذا التصرف”.
وفي سياق متصل، شددت أوساط مواكِبة لقضية سلامة على انه “لا يمكن حسم هذه القضية بمعزل عن تفاهمات على صفقة متكاملة تشمل بنوداً حيوية أخرى لا تزال عالقة”. وأشارت إلى ان “توازنات الوضع الداخلي لا تسمح باجتزاء الحلول وبسحب بند توقيف سلامة من سلة المقايضة أو المعالجة الشاملة كما لو انه a la carte”، مؤكدة انّ “الامر اكثر تعقيدا من ذلك”. ورجّحت ان “الرئيس ميشال عون يعرف هذه المعادلة لكنه يتعمّد في الوقت الضائع إقلاق راحة خصومه في إطار قراره بشن هجوم مضاد، على مراحل، في العام الاخير من ولايته”.
وذكرت صحيفة “الأخبار” أنه صباح أمس، دهم عناصر أمن الدولة منزلَي سلامة في الرابية والصفرا ومقرّه في مصرف لبنان، ليتبيّن أن الرجل كان مستعداً لـ”المواجهة” بإجراءات بسيطة. فعندما وصل عناصر أمن الدولة إلى منزل الرابية صباحاً، وجدوا الأبواب موصدة. قرعوا الجرس مراراً ونادوا على من في الداخل، من دون أن يتلقّوا جواباً. عندها، أبلغوا عون بالأمر، فطلبت منهم الدخول بأي طريقة. ولدى تخطّي العناصر البوابة الخارجية، “ظهر” عناصر الحراسة وعرّفوا عن أنفسهم بأنهم “قوى أمن”، ومنعوا عناصر أمن الدولة من الدخول. وعندما أبرز هؤلاء أمراً قضائياً ومذكرة خطية صادرة عن القاضية عون موجهة للعناصر الأمنية بعدم إعتراضهم، رفض الحرّاس التبلّغ بذريعة “أنّنا ننفّذ أوامر اللواء عماد عثمان”، طالبين من عناصر أمن الدولة المغادرة كي لا يحصل تصادم و”تخربوا بيوتكم”! إلا أنّ الأمر لم يصل إلى حد تلقيم العناصر أسلحتهم، كما جرى تداوله أمس، وهو ما يتبيّن في فيديو مصوّر لدى أمن الدولة وفي كاميرات المراقبة في منزل سلامة.
المشهد نفسه تكرر أمام المصرف المركزي. أُغلقت البوابات الحديدية، ورفض عناصر قوى الأمن الموجودون وراءها تبلّغ الإشارة القضائية، وأبلغوا دورية أمن الدولة: “نحن غير مخوّلين السماح لكم بالدخول”. وبدا واضحاً لعناصر الدورية أنّ هناك قراراً واضحاً باعتراضهم من دون مواجهة، إلا إذا استلزم الأمر. فانسحبوا بناءً على أمر قيادتهم، قبل مشاورة القضاء وإبلاغ عون بتعذّر دخولهم.
إفادات العناصر دُوّنت في محاضر موجودة في عهدة القاضية عون التي استندت إليها للإدعاء على عثمان بجرم مشهود لإعاقة سير العدالة ومنع تنفيذ استنابة قضائية. وأكّدت أنّ هناك محضرين رسميين من أمن الدولة يوثقان ما حصل، إضافة إلى فيديو يُثبت أنّ منع تنفيذ مذكرة الإحضار حصل بأمر من عثمان.
وأصدر المدير العام لقوى الأمن الداخلي لاحقاً بياناً بواسطة شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن، قال فيه إنّ “قوى الأمن الداخلي لم تمنع دورية لأمن الدولة من تنفيذ مذكرة الإحضار بحق حاكم مصرف لبنان”، مذيّلاً البيان بأنّه «أجرى إتصالاً بالمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا للتأكيد على ما ورد في البيان في إطار التنسيق المستمرّ بينهما”.
إلا أن على عثمان شرح التناقض بين البيان الذي نفى تدخّله، وبين إفادات عناصره في محاضر رسمية عن تلقّيهم أمراً مباشراً منه بعرقلة عمل أمن الدولة، عندما يمثل أمام قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور. إذ إنّ إرتكابه جرماً مشهوداً سيحرمه من حماية وزير الداخلية بسام المولوي المتمثلة بحجب إذن حضوره أمام القضاء. أضف إلى ذلك أن عثمان أورد في بيانه الكثير من الألغاز، وتعمّد إغفال حقيقة أنّ قوى الأمن مكلفة بأعمال الضابطة العدلية. إذ أشار إلى وجود نقطة لقوى الأمن الداخلي موضوعة منذ فترة، “بأمرٍ من الرؤساء”، لحماية الحاكم من أي تهديد أمني بعد ورود معلومات بهذا الخصوص. لكنه لم يذكر من هم هؤلاء “الرؤساء”، وما إذا كان الخطر على الحاكم مصدره عناصر أمن الدولة ليمنعهم عناصره من أداء واجبهم. أضف إلى ذلك، كيف يُعقل أن يشير المدير العام إلى أنّ عناصر النقطة الأمنية غير مخوّلين التدخّل أو التبليغ، علماً بأنهم من عناصر الضابطة العدلية التي مهمتها معاونة القاضي.
وبعد إخفاق أمن الدولة في إتمام المهمة التي أُبلغ بها سلامة مسبقاً، لم يحصل ما توقّعه الجميع. إذ لم تصدر عون بلاغ بحث وتحرّ في حقه وتُحيل الملف إلى قاضي التحقيق، كما توقع سلامة، لكي يتقدم وكلاؤه بدفع شكلي، بل عمدت إلى طلب تكرار إحضاره، ما أثار إرباكاً في كل من أمن الدولة وقوى الأمن الداخلي. فهل تتكرر المسرحية نفسها؟
وكانت عون قد طلبت حضور سلامة كشاهد ثلاث مرات، وبعدما تقصّدت استنفاد كل الطرق لإبداء حُسن النية، أصدرت مذكرة إحضار في المرة الرابعة لرفضه المثول أمامها. وتختلف مذكرة الإحضار عن مذكرة التوقيف، إذ إنّ الأمر واضح للعناصر الأمنية بإحضاره أمام القضاء للاستماع إلى إفادته.
حيثيات الملف
أما عن حيثيات الملف الذي يلاحق فيه سلامة، فقد علمت “الأخبار” أنّ الطلب جاء بناءً على تحقيق تجريه عون استمعت فيه إلى إفادات عدد من الموظفين الحاليين والسابقين في المصرف المركزي والمدير العام السابق لوزارة المالية آلان بيفاني، علماً بأنّها تحرّكت بناءً على ما اعتبرته إخباراً ورد في مقال لبيفاني ذكر فيه أنّ سلامة خبّأ خسائر بالمليارات مانعاً المعنيين من الاطلاع على أيّ من المستندات. وقد توافرت لدى عون مستندات تعزز هذه الشبهات، وتفيد بأنّ حاكم المركزي خبّأ خسائر قُدّرت بـ ٥٥ مليار دولار. وذكر عدد ممن استجوبتهم عون أن سلامة كان يطبع عملة ثم يدّعي أنها أرباح حققها المصرف. كذلك تبيّن أنّ الحاكم أعطى في عام 2019 قروضاً لثلاثة من كبار المصارف (عوده وسوسيتيه جنرال وبنك البحر المتوسط) بلغت نحو سبعة مليارات دولار. وقال مدير مديرية القطع والعمليات الخارجية في مصرف لبنان نعمان ندور في إفادته إنّ القروض أُعطيت لعدم امتلاك المصارف المذكورة السيولة، وقد مُنِحت هذه القروض لكي تدفع إلى زبائنها في الخارج، على أن تعيدها وفق سعر الصرف الرسمي (1500 ليرة). أي أنّ المصرف المركزي منح، في عزّ الانهيار، ثلاثة مصارف عملات أجنبية لتحوّلها إلى الخارج. كما استندت عون إلى ادعاء مجموعة “الشعب يريد إصلاح النظام” بأنّ المصرف المركزي والمصارف اجتذبت أموال المودعين عبر الاحتيال والادعاء بأنّ الليرة بخير، إضافة إلى ملف يتعلق بشقّة في باريس تسكنها والدة ابنته ويحوّل شهرياً 50 ألف يورو لدفع إيجار لها!