غادة حلاوي – نداء الوطن
للحكومة ان تفاخر بإتمام الدورة الأولى من إنتخابات اللبنانيين المغتربين في إيران وعشر دول عربية وكذلك في أوروبا واستراليا والاميركتين بنجاح، وللمواطن ان يتلهى عن همومه الاقتصادية والمعيشية فيتسمّر امام الشاشات مراقباً نسب المقترعين ومحللاً اقبالهم ودلالاته. رب قول مصيب لمراقب ذكي “إنه عرس انتخابات في مأتم لبناني”. ورغم ذلك شكلت انتخابات المغتربين غير المقيمين بارقة امل لبعض الاحزاب ومناصريهم ممن بالغوا في التوقعات، بامكانية ان تحقق نسب الناخبين في الدول العربية والدول الغربية تحولاً في نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية. بالقراءة الاولية ومن خلال ما نقلته شاشات التلفزة، شهدت انتخابات المغتربين نسب اقبال جيدة لكنها اعتيادية مقارنة مع نسب اقتراعهم عام 2018، خاصة وانها جاءت بعد سيل الاحداث التي عصفت بالبلاد وفي اعقاب ثورة 17 تشرين وشعارات التغيير التي رفعها الكثير من الاحزاب.
كما برز تنظيم ماكينة “القوات” مقارنة مع ماكينات الاحزاب الاخرى حيث حضر “التيار الوطني الحر” و”الإشتراكي” فيما غابت ماكينات احزاب قوى الثامن من آذار تماماً عن الدول العربية، لا سيما دول الخليج، وظهرت بقوة في سوريا وايران كما سجل حضورها في ألمانيا وأفريقيا والتي يصعب تحديد نسب اقتراعها بشكل نهائي.
بلغة الأرقام وبناء على القراءات الاولية وخلافاً لما يتم تصويره، فان نسب تصويت المغتربين غير المقيمين في الدول العربية جاءت متدنية مقارنة مع الدورة الماضية عام 2018، ومتدنية جداً مقارنة بنسب اقتراع المقيمين، والسبب وفق ما يؤكد الخبير الإنتخابي كمال فغالي ان “هذه النسبة هي نسبة مقترعين من ناخبين موجودين احياء سجلوا واعلنوا رغبتهم بالتصويت، ولم يقترعوا لأسباب اي انهم عدلوا عن الادلاء بأصواتهم لأسباب مجهولة قد تكون مادية او سياسية”. اما حين نقارنها مع لبنان فهي “نسبة من لوائح الشطب التي قد تتضمن اكثر من 30 بالمئة من الاموات ومن غير المعنيين بالانتخابات اي المهاجرين ممن فقدوا العلاقة بالوطن. ما يعني عدم المبالغة بالحديث عن كثافة ناخبين واقبال غير اعتيادي كما أوحت تصريحات الوزراء، الذين، وعلى ما يبدو، لم يجروا مقارنة للأرقام بين الدورتين الماضية والحالية”.
أما في القراءة السياسية، بحسب فغالي، فإن هذا التدني في نسبة الناخبين من اللبنانيين غير المقيمين من السنة في بعض الدول العربية له دلالاته السياسية، بالنظر لما سبق بدء الدورة الاولى من الانتخابات وتمثل بدعوة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان الناخبين الى الاقتراع بقوة، وهي الدعوة ذاتها التي اطلقها رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة والداعم للائحة “بيروت تواجه” التي يرأسها الوزير السابق خالد قباني، في مواجهة الرئيس سعد الحريري الذي اوحى بالمقاطعة.
وعما إذا كانت نسب المقترعين من شأنها ان تحقق فرقاً في نتائج الانتخابات على مستوى اللوائح المتنافسة، يقول فغالي ان مثل هذا الاقبال “كان يمكن ان يكون مفيداً لولا تشتت الاصوات على عدة لوائح، ولذا فلن يقع التغيير بالشكل المرجو وان كان تصويت المغتربين ستكون له قدرة تأثير في خمس دوائر هي: الشمال الثالثة، بيروت الاولى والثانية، جبل لبنان الرابعة والجنوب الثالثة”.
ومن الدورة الثانية سواء في الدول العربية او اوروبا واستراليا والاميركتين، بات جلياً ان “القوات” أدارت لعبتها الإنتخابية بقوة فحضرت من خلال ماكينة انتخابية منظمة اظهرت وجودها بقوة على الارض، لا سيما في المملكة السعودية حيث بدا لافتاً نصب الخيم ورفع الاعلام والاعلام الحزبية، في سابقة تسجل في السعودية لكنها لم تنجح في تحقيق خرق في مقاطعة السنة، وعلى مستوى الدول الغربية سجلت “القوات” حضوراً لافتاً في أستراليا حيث الجالية اللبنانية، لا سيما من أبناء زغرتا، بشري والبترون وهم أقرب إلى “القوات اللبنانية”.
لتفاوت التوقيت مع لبنان لم يكن ممكناً الجزم في نسب إقتراع اللبنانيين من غير المقيمين في دول أميركا اللاتينية والشمالية، بينما اقفلت صناديق الاقتراع في استراليا، على نسبة اقتراع فاقت 54 بالمئة. وعلى مستوى أوروبا كان لافتاً الفتور في نسب المشاركة عموماً ووصلت نسبة الاقتراع الاولية الى نحو 20 بالمئة لترتفع تدريجياً وتتخطى في دول فرنسا وبريطانيا والمانيا الـ 50 بالمئة.
بالمحصلة العامة لم تأت انتخابات الدورة الاولى بجديد. فالمرشحون ذاتهم والناخبون بعدد كبير منهم هم ايضا ذاتهم ممن شاركوا في انتخاب المنظومة ذاتها في الدورة الماضية، وقبل ان تجبرهم الازمة الراهنة على الهجرة قبل عامين. كان يوم امس والذي سبقه مسلّيين يحملان الكثير من الحزن والشفقة علينا نحن اللبنانيين التواقين الى التغيير ولكن عبثاً يكون السعي إليه.